شهد شهر شباط الحالي الذي لم ينتهِ بعد 90 تحرّكاً في الشارع، 59 منها سببها الأوضاع المعيشية، على ما أعلن وزير الداخلية والبلديات بسّام مولوي، وكان آخرها منذ يومين ما حصل من أعمال تكسير لبعض المصارف التي تحتجز أموال المودعين وتعلن الإضراب. وأكثر ما يُتخوّف منه رغم صعوبة الأوضاع الاقتصادية والمالية والمعيشية، والخشية من أن يضرب لبنان زلزال شبيه بزلزال تركيا وسوريا المدمّر، هو التفجير الأمني في الشارع، وأعمال الفوضى والشغب. هذا الأمر الذي تحذّر منه دول غربية عبر سفاراتها في لبنان، إذ يهمّها المحافظة على الأمن والاستقرار فيه رغم كلّ الأزمات التي يعاني منها، لا سيما أزمة الشغور الرئاسي، كونه ينعكس على استقرار المنطقة ككلّ.
وتقول مصادر سياسية مطّلعة انّ الاستقرار هو أحد العوامل التي يتمّ التشديد عليها للحفاظ على الدولة، فإذا انهار الاقتصاد وبقي السياسيون غير متفقين فيما بينهم الى أجل غير مسمّى، إلّا أنّ استقرار الوضع الأمني يُعتبر الأهمّ حالياً الى حين إيجاد الحلول للأزمات المستشرية في البلاد. وإذا كان رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي قد أعلن أخيراً أنّ “الأحداث الأمنية التي حصلت في اليومين الفائتين، أوحت وكأنّ هناك “فقسة زر” في مكان ما، ومن خلال متابعتي ما حصل من أعمال حرق أمام المصارف سألت نفسي هل فعلاً هؤلاء هم من المودعين أم أنّ هناك إيعازاً ما من مكان ما للقيام بما حصل”؟ فهذا يعني أنّ الأمور في البلاد مفتوحة على التفلّت الأمني من دون عِلم الدولة، وأنّ ثمّة من يحرّك المواطنين ليقوموا بأعمال الشغب والفوضى، فيما يُفترض أن يتحرّكوا تلقائياً بسبب الانهيار غير المسبوق لليرة اللبنانية، أمام الارتفاع الجنوني للدولار الأميركي.
من هنا، يتمّ التعويل على عمل الأجهزة الأمنية والطلب منها “الاستمرار في المحافظة على الأمن والنظام في البلاد وعدم التساهل في تهديد السلم الأهلي”، على ما أعلن مولوي، ما يجعل الأمور تهدأ لبعض الوقت، وتجعل الشعب اللبناني يطمئن أن الوضع الأمني ممسوك من قبل القوى والأجهوة الأمنية، غير أنّ أحداً لا يعلم متى سيحدث الإنفجار الكبير. ويحتّم هذا الوضع، على ما أكّدت المصادر نقلاً عن جهات غربية، ضرورة الإسراع في انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكومة إنقاذية، أو السعي لإيجاد حلول للأزمات القائمة، لا سيما أزمة المودعين والقطاع المصرفي في مجلس الوزراء أو في مجلس النوّاب. فلا يمكن إبقاء الأمور متفلّتة، لأنّ الفوضى وازدياد الانهيار وارتفاع نسبة الفقر كلّها عوامل تؤدّي في نهاية الأمر الى الفوضى والتفلّت الأمني على صعد مختلفة.
وكشفت المصادر نفسها أنّ بعض هذه الدول باتت تخشى اليوم على وضع رعاياها المقيمين في لبنان، ولهذا فتحت معهم عبر سفاراتها خطوط تواصل شبه يومية حفاظاً على سلامتهم… وفي حال تطوّرت الأمور الأمنية نحو الأسوأ فقد تلجأ الى إصدار بيانات تتعلّق بمنع سفر مواطنيها الى لبنان، وبالطلب من رعاياها مغادرته حفاظاً على سلامتهم. لكنها اليوم لا تزال في موقع المراقبة، وتجد المصادر أنّ الأمور لم تصل بعد الى حدّ اتخاذ قرارات من هذا النوع، غير أنّها تدعو مواطنيها الى توخّي الحذر، والابتعاد عن كلّ أعمال الشغب التي تحصل أو قد تحصل في الشوارع أو أمام المصارف وسواها.
وتجد المصادر أنّ استقرار الوضع الأمني في البلاد ضروري جدّاً في المرحلة الراهنة، كما في المستقبل، كونه يشجّع “كونسورتيوم الشركات” على استكمال عمله في البلوك 9 في مجال الاستكشاف والتنقيب عن الغاز. ولهذا يُفترض الحفاظ عليه، وإلّا فإنّ الخطة الموضوعة لاستخراج الغاز من “حقل قانا” ستكون عرضة للزعزعة، وتجعل الشركات تؤجّل عملها، وهذا الأمر من شأنه التأثير سلباً في مسار استخراج وإنتاج وبيع الغاز اللبناني. فالفوضى الأمنية في البلاد لن تصبّ لمصلحة أي جهة سياسية، داخلية أو خارجية، إنّما ستساهم في تأخير الحلول، كما في انتخاب رئيس الجمهورية الجديد.
وبرأي المصادر، أنّه على المسؤولين السياسيين التداعي فوراً للحوار والتوافق فيما بينهم على اسم المرشّح التوافقي أو الوسطي، الذي يمكن أن يكون رئيساً للجمهورية للسنوات الستّ المقبلة، لأنّ كلّ تأخير في إيجاد الحلّ المناسب للأزمة السياسية، وإطالة أمد الشغور الرئاسي في البلاد سينعكس سلباً على الأوضاع الأخرى المتفلّتة أو غير المستقرّة، خصوصاً في ظلّ عدم انعقاد مجلس الوزراء إلّا عند “الضرورات”، ورفض تحوّل مجلس النوّاب من “هيئة ناخبة” الى “هيئة تشريعية” من قبل عدد كبير من النوّاب.