فتح زلزال تركيا نوافذ التساؤلات والتكهنات حول صلابة البناء في لبنان، فيما إذا كان مدعّماً ومقاوماً للظواهر الطبيعية، سيما ان عشرات المقاولين التركيين تم القاء القبض عليهم بعدما تبين ان عددا من المباني التي نفّذوها لا تتطابق والقواعد العالمية لجهة المواصفات المطلوبة وبالتالي لا سلامة عامة او من يسلمون والحامي الله.
في لبنان، البناء الذي شُيد قبل صدور مرسوم السلامة العامة يفتقد الصلابة، الى جانب الغياب التام لتطبيق القانون المبرم منذ التسعينات وذلك لأسباب منها: تحقيق المكاسب الإضافية في ظل غياب الرقابة وانتشار الفوضى، والدولة التي لم تتصد يوما للمراوغين وتجار الارواح الذين ما انفكوا يجمعون ثروات على حساب حياة اللبنانيين في كافة المجالات الحياتية الأساسية ان لجهة سماسرة ومقاولين وبعض المهندسين الذين عمّروا مجمعات ترابتها او باطونها اشبه بالورق ما يدل على انها تجارية وتفتقد مواصفات السلامة العامة.
الأبنية تقتل الناس لا الزلازل
في هذا السياق يقول عساف، ” نحن نحب مقولة ان الأبنية تقضي على الناس لا الزلازل بحد ذاتها، ووثقتها المغالطات التي نالت من هذه الفاجعة، بحيث ان البعض لفت الى كيفية معرفة إذا كان البناء مشيّدا ضد الزلازل. بالطبع الطريقة التي تم التعاطي فيها بهذا الحدث تعتبر سطحية ولا تخول عامة الناس او قاطني المنزل ان يعرفوا فيما لو كان المبنى مقاوما ومتينا ام العكس، وفكرة معاينة المنازل بشكل فردي غير عميقة ولا تتناسب مع خطورة الواقعة، ومن الاثم ان ندفع بالناس ان تقوم بالتقييم من تلقاء نفسها لمعرفة مطابقته لمواصفات السلامة وهو ما يقتضي اشراف مهندس انشائي متخصص في دراسة الأبنية المقاومة لخطر وقوع الزلازل الى جانب تحليه بالخبرات اللازمة لتوظيفها في هذا الإطار. بالإشارة الى نقطة مهمة وهي ان كل فرد لديه ريبة من المنزل الذي يسكنه عليه التوجه الى مختص للاستشارة”.
الترميم وإعادة الهيكلة
خطوة لإنقاذ آلاف المنازل
عن إمكان إعادة الترميم، يقول عساف: انه واجب، وقد يساعد تدعيم الأبنية المتصدعة، ولا بد من التفريق بين نوعين: هناك ابنية “متخلخلة” ليس بسبب الزلزال وانما كونها قديمة، او عدم استخدامها بطرق صحيحة او تفتقد في تشييدها مواصفات طبيعية لناحية القوة ونوعية البضاعة المستخدمة من حديد وخرسانة وتوابعها. وعلى قاطنيها الا ينتظروا حدوث زلزال للبدء بترميمها بل يجب المباشرة بالتدعيم. ويضيف، يجب التمييز ما بين هذه وذات الأرضية المتحركة بسبب المياه او لإنشائها على منحدر او بسبب حفريات مجاورة، والتي يطغى عليها عامل الخطر بدون وقوع زلازل وبوجودها الكارثة تصبح شديدة أكثر”.
ويلفت الى انه ” من واجب المالك والسلطات المختصة اخلاء هذه الأبنية او الاتفاق مع أصحابها لترميمها”.
وبالعودة الى التشييد ليصبح متصديا للزلازل يقول: “إذا البناء معمّر في الأصل على أساس غير مقاوم واردنا ان يصبح كذلك فالأمر ممكنٌ ولدينا في لبنان خبرات في هذا المجال وسبق ان قمنا بأعمال مماثلة في البلد وخارجه الا انه ليس بالسهولة التي يظنها البعض، وهو ما يحتاج الى تقنيات وفنيات معينة خاصة من ناحية اعادة دراسة المبنى وهو ما يسمى “بالترميم” ليصبح مقاوما، بالإشارة الى انه يحتاج الى مجهود إضافي من الداخل كما انه يوجد تفاصيل أخرى لجعل المبنى مدعما يجب البدء بها من الصفر”.
خطوات على المواطن البدء بها
بعد انهيار منزل في منطقة فسوح- الاشرفية إثر زلزال تركيا، يتوجه عساف “الى كل من يقطن منزلا متصدعا وفيه تشققات او تفقيع “للباطون” المباشرة بالترميم. ويشدد على ان هذا الامر غير قابل للبحث بل يجب على القاطن ان يعمد الى اخلائه بهدف بدء اعمال التدعيم المطلوبة. ويدعو السلطات المختصة الى التحرك بإشراف مهندسين متخصصين. اما بالنسبة للمباني التي تعد آمنة الا انها قديمة وحتى تلك الجديدة التي تفتقد عناصر السلامة فيجب المباشرة بالاستشارة من الجهة المختصة من أصحاب القدرة والضمير والذي يعد العامل الأهم”. وفي هذا السياق يشير الى ان السبب في ان أكثر من نصف الذين قتلوا في زلزال تركيا وسوريا هو غياب العلم والقوانين العالمية لطرق الانشاء والبناء في المناطق المعرضة لخطر وقوع الزلازل و”خطية” هؤلاء برقبة كل من لم يعمل بمعايير السلامة”.
وعن منازل اللبنانيين يقول عساف، ” الأبنية الموجودة قبل صدور القوانين والمراسيم التي تتعلق بمقاومة الزلازل، معظمها غير متصدي لها. لكن هذا لا يعني انها ستقع جراء هزات، كونه معمّرا بطرق تراعي “أحمال الجاذبية” فالزلازل المتوسطة لن تشكل تهديدا عليها. بالإشارة الى ان الضرر واقع لكن لا ازهاق للأرواح نتيجة سقوط او انهيار لمباني”.
يضيف: “طبعا ليست فقط الزلازل تؤثر سلبا في الأبنية، وانما طبيعة الأرض والمنحدرات من العوامل التي تؤدي دورا رئيسيا بسلامة ونوعية انشاء أي مبنى لمضاعفة الأثر الزلزالي الذي من الممكن ان يتسبب به على محيط ما”. ويتابع: “من الصعب في مكان ما ان يكون لدينا تقييم عاما ولكن من الممكن ان تكون بعض الأبنية أكثر عرضة، وبعضها تصدع وبحدوث زلازل الوضع سيكون كارثيا لأقصى الدرجات الى جانب تلك التي عُمِّرت بعد صدور القوانين وهي قسمان:
– الأول: لم يأخذ بعين الاعتبار بناء منزل قوي مقاوم لأي ظواهر طبيعية وذلك بسبب الفوضى وغياب الرقابة وانتشار الفساد والكثير منها قد يكون جميلا من الخارج الا ان الأساس الانشائي ليس كذلك وبالتالي معرضا للحوادث”.
– الثاني: “شٌيّد بحسب المعايير وبالالتفات الى وجود مهندسين ضلعين في كل لبنان لديهم قدرات هائلة في هذا المجال ولا ينقصنا سوى تطبيق القانون ومن المفترض تلك التي شيدت ما بعد صدور المراسيم يجب ان تتوفر فيها مواصفات المقاومة”.
هل يمكن التحكم او التكهن بوقوع الزلازل
يجزم عساف، “عدم إمكانية التحكم بالزلازل بحيث اننا في منطقة قابعة على فوالق زلزالية وبالتالي نحن معرضون لأي منها ولكن لا نعرف متى وقوعها والذي لا يمكن تفاديه، ويرشد ما يمكن القيام به هو تعمير مساكن مقاومة للزلازل”.
ويتابع: ” هذا يسمى هندسة انشائية، بالإشارة الى ان البنى التحتي تعد الخطر الأكبر بحيث يجب الا ننسى ان الشريان الأساسي لـ لبنان هو “الأوتوستراد الساحلي” الذي يمر في محاذاة البحر، وتعلمنا من التاريخ وجود فالق يتفرّع ليصبح فالق جبل لبنان بحيث يمر بالبحر وهذا ان تحرك يمد الموج نحو اليابسة يمكن ان يقطع الشريان الأساس، عدا ان الجسور ليست جميعها على النحو المطلوب لجهة المتانة والصلابة. ومن هنا إذا حدث أي من هذه المشاكل سيقطع هذا الشريان الحيوي”.
ويشير الى ان المطار يقع الى جانب البحر، كما المرافق الأساسية من الدفاع المدني والصليب الأحمر ومراكز الجيش والطوارئ والاتصالات والمعامل الكهربائية وغيرها من المنشآت الحيوية تعد غير مطابقة لمراسيم السلامة العامة او مٌقُاوِمَة للزلازل، لذا يجب ان تتأهب هذه المنشآت الى جانب المستشفيات لأنه في حال حدوث زلزال هذه المؤسسات الرئيسية يجب الا تقفل او لنتخيل الأسوأ! بالإشارة الى اننا لا نعمّم، لكن الأغلبية الساحقة منها غير مهيئ لمواجهة حدث كالذي وقع في تركيا وسوريا”.
نصيحة
يختم عساف بنصيحة يوجّهها للمواطنين باستشارة اهل الاختصاص، لان هذا الموضوع لا يخضع للتكهنات او للتبصير والابراج. كما ان موضوع البناء علمي والعلم يفصل فيها وهناك امور قد يوظف فيها وأخرى لا. بحيث يمكن للعلم ان يستنبئ بحدوث الزلازل وهو ما يخضع لعوامل التقدير الى جانب الوقت الذي قد يمتد لسنوات سواء على صعيد لبنان او خارجه”.
المصدر:”الجمهورية – ندى عبد الرزاق”
**