يستعجل الإسرائيليون، ولا سيما بعد تشكيل الحكومة اليمينية برئاسة بنيامين نتنياهو، إقامة علاقات رسمية مع السعودية، تؤطّر ما تَحقّق من «تقدّم» كبير في التطبيع غير العلَني، الذي تطوّر أخيراً إلى درجة الحديث عن وجود «جالية إسرائيلية» في الرياض تضمّ المئات من رجال الأعمال الذين تُتاح لهم ممارسة شعائرهم الدينية بحرّية. لكن لم تَظهر من الجانب السعودي، حتى الآن، أيّ مؤشرات إلى أن المملكة صارت مستعدّة لإقامة علاقات رسمية مع العدو.
تتسارع خُطى التطبيع غير العلَني بين السعودية وإسرائيل. إلّا أن الأخيرة، التي ملّت دور «العشيقة السرّية»، باتت تريد «زواجاً علنياً»، إنْ أمكن العام الحالي، ليتسنّى بناء ما تسعى إليه من حلف استراتيجي مع عدد من دول الخليج في مواجهة إيران. وبلغت الأمور نقطة صارت الصحافة الإسرائيلية معها تسرّب شروطاً محدّدة وضعها وليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، لإقامة علاقات رسمية مع تل أبيب، نتجت ممّا يبدو أنها مباحثات مكثّفة في هذا الشأن تقوم بها وفود إسرائيلية وأميركية تزور الرياض بوتيرة مضاعَفة عمّا كان يحدث منذ أن بدأ التطبيع السعودي غير المعلَن، بعد توقيع «اتّفاقات أبراهام» بين إسرائيل وعدد من الدول العربية ابتداءً من أيلول 2020. غير أن إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، لا تشارك في تلك الجهود التي ينخرط فيها من الجانب الأميركي مسؤولون في إدارات جمهورية سابقة.
مع مطلع هذا العام، وتشكيل حكومة نتنياهو، قالت إسرائيل إنها تريد أن يكون عام 2023 هو عام التطبيع مع الرياض، على رغم عدم بروز أيّ علامات على أن المملكة غيّرت موقفها من التطبيع العلَني، منذ أن رفضت الانضمام بنفسها إلى «اتّفاقات أبراهام» التي يعتقد الإسرائيليون بأنها ما كانت لتتمّ لولا وجود غطاء سعودي للأنظمة التي دخلت فيها. ومع ذلك، يبقى الموقف السعودي من التطبيع بالنسبة إلى المملكة، مسألة توقيت، لا مسألة مبدأ. وفي هذا السياق، ثمّة إشارات سعودية برزت مفادها أن التطبيع الرسمي ليس وشيكاً، ومنها تصريحات وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية، عادل الجبير، والتي تزامنت مع «مونديال قطر»، حين لاحظ أن أكثر من 80% من العرب معارضون للتطبيع، وأن المسألة تحتاج إلى مزيد من الوقت.
الصحافي نفسه يقول إن التطبيع مع الرياض صار أقرب، مستدلّاً بوجود جالية إسرائيلية في الرياض تتألّف من مئات رجال الأعمال الإسرائيليين الذين يعملون في المملكة، وتُتاح لهم ممارسة شعائرهم الدينية بكلّ حرّية. وهو ليس وحيداً في ذلك التقييم، إذ يقول جون حنّا، الذي كان مستشاراً للأمن القومي لنائب الرئيس ديك تشيني أيّام إدارة جورج بوش الابن، وقاد إلى الرياض قبل أسبوع وفداً أميركياً – إسرائيلياً من «المعهد اليهودي للأمن القومي الأميركي»، إنه خرج من لقاء مع ابن سلمان «بانطباع قوي جدّاً بأن القيادة السياسية والأمنية العليا في السعودية مستعدّة للتطبيع مع إسرائيل». كذلك، يبدي جيسون غرينبلات، الذي كان مبعوثاً للرئيس السابق دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط، «تفاؤله» بإقامة علاقات رسمية بين الرياض وتل أبيب اللتَين زارهما أخيراً، معتبراً أنه إذا كان بإمكان أحد تحقيق هذا، فهما ابن سلمان ونتنياهو.
هذه التحوّلات تنسجم، من وجهة نظر الجمهوريين في الولايات المتحدة، مع الحملة الضارية التي يشنّها ابن سلمان ضدّ مُعارضيه، ولا سيما منهم رجال الدين، الذين يبدو أن الإعدام ينتظر بعضهم، وفق ما كشفه ناصر القرني، نجل الداعية السعودي السجين، عوض القرني، عبر وثائق محكمة نشرتها صحيفة «الغارديان» البريطانية قبل أيام، وتفيد بأن الادّعاء السعودي طلب الإعدام لوالده بتهم استخدام «تويتر» و«واتس آب» في التعبير عن معارضته. وتُمثّل التزكية الجمهورية الضمنية لتلك الحملة تراجعاً واضحاً عمّا كانت قد أدلت به كوندوليزا رايس خلال محاضرة في الجامعة الأميركية في القاهرة عام 2005، حين قالت إن بلادها «سعت لمدّة 60 عاماً من أجل تحقيق الاستقرار على حساب الديموقراطية في الشرق الأوسط، لكنها لم تحقّق أيّاً منهما. والآن تنتهج أسلوباً آخر، يتمثّل في دعم التطلّعات الديموقراطية لكلّ الشعوب»، مشيرةً صراحة إلى أن إدارة جورج بوش تفضّل الإسلاميين على الأنظمة القمعية. وكان ظَهر ذلك التراجع الذي يعني، عملياً، رغبة لدى المنظّرين له في العودة إلى دعم الأنظمة القمعية وتجاهُل «الديموقراطية»، ابتداءً، في مذكّرات جارد كوشنير التي أقرّ فيها بدعم حملة القمع التي قام بها ابن سلمان، وبدأت مع الانقلاب الذي تسلّم خلاله ولاية العهد عام 2017 باعتقال بعض أبرز الدعاة، ومنهم القرني نفسه والداعية سلمان العودة.