كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول: إنتهت الأعياد ولم يحصل الشعب اللبناني على هداياها بانتخاب رئيس للجمهورية يعيد الانتظام إلى المؤسسات الدستورية ويكتمل مع انتخابه عقد السلطات مع تكليف رئيس حكومة وتأليف حكومة، الأمر الذي كان ليمهِّد لإطلاق ورشة إصلاحات جدّية على وقع ثقة شعبية وفرصة داخلية وخارجية لإعادة ترتيب الأوضاع المالية. ولكن، آمال اللبنانيين اصطدمت كالعادة بالحسابات الفئوية التي تطيل أمد الشغور، ولم يكن الانتقال من سنة لأخرى إلاّ استمراراً للأوضاع نفسها.
لا مؤشرات إلى انّ الشغور الرئاسي سينتهي قريباً، لأنّ ميزان القوى النيابي لا يسمح لأي فريق بانتخاب رئيس من صفوفه، كما انّ إرادة التوافق على مرشح وسطي غير موجودة بعد، فيما حركة الخارج ما زالت عاجزة عن تحقيق الاختراق الرئاسي المطلوب، ومع عدم وجود قوة دفع خارجية او داخلية، فإنّ الشغور سيبقى سيِّد نفسه، ولن تختلف جلسة الانتخاب الحادية عشرة يوم الخميس المقبل بنتيجتها عن الجلسات التي سبقتها، والكلام الذي سيتخلّلها سيكون مكرّراً ومملاً.
وعلى الرغم من عدم وجود معلومات أكيدة عن إقدام «التيار الوطني الحر» على تبنّي مرشّح رئاسي في جلسة الخميس المقبل يكون حصيلة المشاورات التي سيجريها غداً الثلثاء، إلّا انّه حتى لو حصل ذلك لن يبدِّل في مسار الانتخاب، باستثناء تراجع رقم الأوراق البيض، ودخول إسم جديد يضاف على لائحة المرشحين الرئاسيين الذين ينالون تصويت النواب والكتل في كل جلسة انتخابية.
وقالت اوساط متابعة لـ”الجمهورية”، انّه في حال تبنّى «التيار الوطني الحر» فعلياً مرشحاً رئاسياً، فهذا يعني انّه قرّر توجيه أربع رسائل رئاسية:
الرسالة الأولى لـ”حزب الله”، بأنّ الافتراق في الخيارات الرئاسية آخذ في الاتساع، وانّه ليس في وارد العودة إلى الوراء لتبنّي مرشحه الرئاسي، ودعوة إلى الحزب كي يعيد حساباته الرئاسية، في حال كان لا يزال يراهن على الوقت الكفيل بإعادة تبني التيار لمرشحه الرئاسي.
الرسالة الثانية، إلى تياره السياسي، بأنّه يستطيع ان يرسم خياراته من دون ان تتأثر وحدة صفوفه، وانّه ماضٍ في قيادة التيار، خصوصاً بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون الرئاسية، والتي تشكّل نهايتها بداية لولاية النائب جبران باسيل السياسية.
الرسالة الثالثة، إلى القوى السياسية والرأي العام اللبناني، بأنّه مستقل في خياراته، وانّه ليس على خصومة مع «حزب الله»، ولكنه لم يعد في تحالف معه.
الرسالة الرابعة إلى واشنطن والرياض، بأنّه ابتعد عن «حزب الله» سعياً إلى رفع العقوبات الأميركية من جهة، وإعادة مدّ الجسور مع المملكة العربية السعودية من جهة أخرى، خصوصاً انّه بدأ التمهيد في هذا الاتجاه من خلال إشادته بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
ولكن لا شيء محسوماً في توجّه التيار حتى الساعة، إنما في حال قرّر فعلاً ان يتبنّى أحد الترشيحات رسمياً، فهذا يعني انّ آمال الحزب بانتخاب مرشحه الرئاسي تبدّدت، ويدفعه إلى مراجعة حساباته والتقدّم خطوة الى الأمام لملاقاة المعارضة، ما يفتح الباب أمام مشاورات يمكن ان تقود إلى إنهاء الشغور الرئاسي.
جلسة الخميس
في هذه الاجواء، يتجّه رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى الدعوة إلى جلسة جديدة لانتخاب رئيس الجمهورية قريباً، فيما نقلت اوساط سياسية لـ»الجمهورية» عنه قوله، أن لا جديد طرأ على المواقف، وبالتالي فإنّ الجلسة المقبلة لن تبّدل شيئاً في المراوحة السائدة.
وقالت مصادر مطلعة لـ”الجمهورية”، انّ الاتصالات لم تحمل حتى الآن جديداً يمكن ان يُبنى عليه لإنهاء الستاتيكو القائم في المواجهة المفتوحة بين النواب مؤيّدي النائب ميشال معوض من جهة والأوراق البيض من جهة ثانية وما بينهما مجموعة الأسماء التي تتبدّل من جلسة إلى أخرى.
المرشح الثالث
وفي هذا السياق، كشف أحد نواب «التيار الوطني الحر»، انّ هناك مسعى لطرح بند خاص بتسمية المرشح الثالث لرئاسة الجمهورية على جدول أعمال الاجتماع الدوري لكتلة «لبنان القوي» بعد ظهر غد، في محاولة لإحداث خرق ما على هذا المستوى.
لكن مصادر قريبة من رئيس «التيار» النائب جبران باسيل قالت لـ»الجمهورية»، انّ «هناك عدداً من النواب يرغب بهذه الخطوة، وقد يكون الوقت مبكراً عليها، وأنّ القرار النهائي يعود إلى باسيل، فهو من يضع جدول الاعمال، ونحن ننتظر قراره ولا يبدو انّه حاسم في هذا الإتجاه».
وعلى جبهة أخرى، وفي ظل ثبات معظم كتل نواب المعارضة على الإستمرار بمعوض مرشحاً، ونفي «القوات اللبنانية» لأي خطوة للتغيير من دون التفاهم مع معوض نفسه، كشف أحد نواب التغييريين لـ»الجمهورية»، انّ «محاولات اجتراح المرشح الثالث لم تتوقف في صفوفنا، وأنّ هناك محادثات سابقة لم تنته إلى أي نتيجة جامعة، ولا نعتقد انّ تجدد الحديث عنها اليوم سيؤدي إلى اجماع ما زال بعيد المنال».
مجلس الوزراء
وعلى صعيد الجلسة الثانية لحكومة تصريف الأعمال، فإنّ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي عاكف على «هندستها» عبر اتصالات سياسية في اتجاهات عدة، استعداداً للدعوة اليها على قاعدة ضرورة معالجة ملف الكهرباء وإيجاد ممر قانوني آمن لبواخر الفيول المتوقفة في عرض البحر.
واكّدت اوساط ميقاتي لـ«الجمهورية»، انّ «الجلسة ستُعقد ولكنه يتأنّى ويتريث في الدعوة اليها لحرصه على انعقادها في اجواء سياسية هادئة وبمضمون يخدم البلاد ويخفف من وطأة الأزمات على المواطنين، ولا يريد اي تأزيم اضافي للاوضاع، ولذلك فإنّه سيستنفد بين اليوم وغداً وبعد غد كل الاتصالات والمشاروات اللازمة لعقد الجلسة، حتى ولو اقتصر جدول اعمالها على بند الكهرباء فقط».
وإلى ذلك، قالت مصادر مطلعة لـ”الجمهورية”، انّ ميقاتي يعوّل على مشاركة «حزب الله» في «الجلسة الكهربائية» لتأمين نصابها السياسي والعددي، بينما يبدو الحزب عالقاً بين احتمال اضطراره إلى هذه المشاركة، بغية إيجاد حل لمشكلة آلية تمويل بواخر الفيول وتخفيف الأعباء الملقاة على الناس، وبين حرصه على احتواء الأزمة المستجدة مع «التيار الوطني الحر» ومنع تفاقمها.
ولكن المصادر أبلغت الى «الجمهورية»، انّ هناك مخرجاً يمكن اعتماده لتفريغ بواخر الفيول وإنزال الجميع عن الشجرة، من دون تداعيات سياسية، ويتمثل في تدخّل مصرف لبنان لتحويل مليارات من الليرات الموجودة في حساب مؤسسة كهرباء لبنان لديه إلى دولار على اساس سعر صيرفة، اي 38 الف ليرة، ومن ثم يفتح خطاب الاعتماد المستندي بما يعادل 62 مليون دولار هي كلفة حمولة بواخر الفيول، لافتة إلى انّ مصرف لبنان اعتمد حلاً مشابهاً للقضاة عندما احتسب رواتبهم على اساس سعر صيرفة.
وضمن سياق متصل، رجحت اوساط معارضة لميقاتي ان يكون الإصرار على اجتماع جديد لحكومة تصريف الأعمال مندرجاً في سياق إيجاد نوع من «التطبيع» مع مبدأ انعقادها لتمهيد الأرضية امام التمديد لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة من خلال جلسة لمجلس الوزراء، ربما في أواخر آذار المقبل.