ما الذي يدفع السعوديين إلى الاستنفار استثنائياً، للمرة الأولى منذ 33 عاماً، دفاعاً عن «اتفاق الطائف»؟ هل يفعلون ذلك من باب التحوُّط، أم إنّهم يملكون معلومات عن مساعٍ جدّية إلى تطيير «الطائف» أو تغييره أو تعديله؟
على مدى السنوات الثلاث الفائتة، كانت تدور أحاديث في عدد من الأوساط، مفادها أنّ لبنان سيتغيّر سياسياً في نهاية هذه الأزمة. ففي العادة، عندما تُصاب أي دولة بانهيار مريع، كما لبنان، يتمّ البحث عن خلل في نظامها السياسي تسبَّب في الانهيار.
في لبنان، فشلت المؤسسات وسقطت تباعاً: فشلت الحكومات من سعد الحريري إلى حسّان دياب فنجيب ميقاتي. وفشل المجلس النيابي بنسختيه، قبل انتخابات 2022 وبعدها. وأخيراً، خرج رئيس الجمهورية مكرِّساً فشل العهد بكامله.
واليوم، يعيش البلد على «الترقيع». وكأنّ الجميع ينتظر حدوث أمرٍ ما في لحظة معينة. وموضوعياً، يمكن تصنيف لبنان «دولة فاشلة»، ولا ضمان فيه سوى الجيش والأمن.
وحتى اليوم، ليس واضحاً إذا كانت القوى الشيعية تفضّل أن يُعقد الحوار خارج لبنان، كما أوحت دعوة السفارة السويسرية، وربما كما ترغب فرنسا أيضاً، أو أن يبقى هذا الحوار في دائرته اللبنانية كما أوحى رئيس مجلس النواب نبيه بري. بل إنّ هذه القوى ربما تصرف النظر عن فكرة المؤتمر أو توافق على صيغة أكثر اختصاراً إذا تكفلت هذه الصيغة بتحقيق الأهداف المرجوّة.
ولكن، في أي حال، المؤكّد هو أنّ «حزب الله»، الذي كان شريكاً للقوى الدولية والإقليمية في اتفاق ترسيم الحدود البحرية وتقاسم الغاز، بات أكثر ثقة في قدرته على استثمار رصيده الخارجي من أجل تحقيق أهدافه داخلياً.
وثمة مَن يعتقد أنّ المأزق الذي يتخبّط فيه ملف رئاسة الجمهورية سيطول أمده، ولن يُحسَم إلاّ في صفقة متكاملة يُعاد فيها النظر في «اتفاق الطائف». وإذا تحقق ذلك فسيعني أنّ الرئيس ميشال عون كان آخر الرؤساء في نظام الطائف القديم، قبل الانتقال إلى نظام الطائف الجديد المعدّل.
وهنا، يمكن التفكير في حقيقة خيارات «حزب الله» في الملف الرئاسي، بعيداً من التفسيرات والتسريبات من هنا وهناك. فبين رئيس «المردة» سليمان فرنجية ورئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، أيهما الأكثر استعداداً للقتال من أجل إحداث تعديلات على الطائف؟ بل، أيهما هو الأكثر «نفوراً» تجاه الطائف؟
ثمة من يعتقد أنّ عجز لبنان عن ولوج التسويات في الأشهر الأخيرة، دستورياً وسياسياً ومالياً، مردُّه إلى عدم نضوج العناصر التي تسمح بإنتاج نظام سياسي جديد في لبنان. وهذا النضوج ما زال يستلزم أشهراً أخرى أو عاماً أو أكثر. وخلال هذه الفترة، سيبقى لبنان بلا رئيس الجمهورية.
ولكن، بعد التحوُّلات التي بدأت تظهر في المشهد الإقليمي والدولي، بصعود بنيامين نتنياهو وربما دونالد ترامب وانعكاسات ذلك على أوكرانيا وأوروبا عموماً، هل يفترض بالجميع في لبنان والشرق الأوسط أن يراجع حساباته ويدرس رهاناته من جديد؟
المصدر:” الجمهورية – طوني عيسى”
**