فَعلها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة مجدداً، أصدر تعميماً أعلن فيه أنه لن يكون شارياً للدولار حتى إشعار آخر، فتراجع الدولار في السوق السوداء بدقائق من 40600 ليرة الى 35 ألفا، ليُثبت مجدداً انه اللاعب الاساسي في السوق بيعاً وشراء، لكن ما الذي يميّز الانخفاض هذه المرة؟ وما الهدف منه؟ وكم سيدوم؟
ضربة حاكم مصرف لبنان بخفض الدولار في السوق السوداء كانت متوقعة، وحده التوقيت كان في يد سلامة، وقد اختار بعد ظهر يوم الاحد حيث الاسواق مقفلة ليعلن انه ما عاد شارياً للدولار، ربما تحسّباً لأيّ هستيريا في السوق كما حصل في المرة السابقة.
الاجراء في حد ذاته يشبه اجراءاته السابقة من التعميم 161 الى تعديله لاحقاً الى تعميمه الاخير، فوَجه الشبه هو «فتح الحنفية» وضَخ دولارات في السوق، لكن هل هناك نية بخفض الدولار الاسود وتوحيده او تقريبه من سعر دولار منصة صيرفة كما حصل في المرة السابقة، ام انه يتدخل فقط في كل مرة يرى فيها انّ الوضع بات صعباً على التحمّل فيصدر تعميماً ليُبطئ من مسار ارتفاع الدولار؟
في السياق، رأى الاقتصادي غسان شماس لـ»الجمهورية» انّ اهمية تعميم المركزي الاخير لا ترتبط بكونه سيبيع الدولار الاميركي حصرا عبر صيرفة لأنه يفعل ذلك يوميا، إنما الاهم اعلانه انه لن يكون شارياً للدولار عبر منصة SAYRAFA إلى إشعار آخر، فهو يسعى بهذه الخطوة الى تبريد السوق. وأوضح ان السوق اللبناني ضيّق وصغير، الحد الاقصى لبيع الدولارات على صيرفة سجل 92 مليون دولار أمّا في الايام العادية فيتراوح التداول ما بين 40 الى 50 مليون دولار. وبالتالي ان اعلان الحاكم الاستمرار في بيع الدولار لا تأثير له على السوق إنما ما حصل هو تبريده للسوق من خلال اعلانه التوقف عن الشراء.
أما عن اسباب التراجع المُتسارع للدولار في السوق السوداء رغم ان القرار صدر يوم الاحد وهو يوم عطلة، ويدخل حيّز التنفيذ يوم الثلاثاء، أوضح شماس ان لمصرف لبنان نحو 3 او 4 من كبار الصرافين او الوكلاء يؤمّنون له الدولارات التي يحتاجها من خلال تعاطيهم مع صغار الصرافين والذين يبلغ عددهم ما بين 50 الى 60. فهؤلاء يتلقّون صباح كل يوم طلبية من كبار الصرافين بقيمة الدولارات المطلوب تأمينها وتحويلها الى مصرف لبنان، كلّ حسب قدرته على تأمين الدولارات. وهؤلاء الصرافون يكونون على دراية منذ الصباح بتحركات الدولار المتوقعة في السوق الموازي خلال اليوم، اذ عندما يطلب المركزي تأمين 100 مليون دولار من السوق ويشعر الصراف بأن تأمين هذا المبلغ في يوم واحد شبه مستحيل يضطر الى رفع السعر من أجل جذب الناس لبيع دولاراتهم وبهذه الطريقة يُحمّي السوق ويرتفع الدولار.
وعليه، عندما اعلن الحاكم في تعميمه الاخير انه لن يشتري الدولار أدرك الصرافون انه لن تكون هناك طلبيات جديدة، وهو عندما حدّد يوم الثلاثاء موعد البدء بتطبيق التعميم فهذا يعود لأنه ربما هناك طلبية موضوعة مُسبقاً ليوم الاثنين. واستبعَد شماس كل الترجيحات بأن المركزي اعطى يوم الاثنين مهلة من اجل شراء الدولار بسعر اقل مُبرراً ذلك انه لو كانت الغاية من هذا التعميم شراء الدولار من السوق بسعر أرخص لكان أعطى مهلة اسبوع.
أما كم سيدوم مفعول تعميم مصرف لبنان، فيقول شماس الى حين يتم صرف ما بين 400 الى 500 مليون دولار كان سبق للمركزي ان اشتراها في الفترة الممتدة من 1 تشرين الاول الى 15 منه، وطَبعه لما بين 16 الى 17 تريليون ليرة، وقد بدت هذه الارقام واضحة من خلال الميزانية التي اصدرها المصرف المركزي مؤخرا.
ولدى سؤاله اذا كان من مدلولات سياسية وراء هذا القرار، أكد شماس ان علم الاقتصاد لا يعترف بهذه المدلولات حتى لو تبيّن لاحقاً انها كانت على حق، لكنه لفت الى انّ توقيت التعميم يطرح علامات استفهام كونه يأتي مع نهاية الشهر، والدلالة الاقتصادية الوحيدة فيه انه يَتزامن مع اقتراب موعد دفع الرواتب، فالكل يستفيد من صيرفة لسحب راتبه وتحقيق ربح اضافي ببَيعه وفق دولار السوق السوداء، وما فعله المركزي بهذه الخطوة هو تبريد السوق بخفض الدولار 3 الى 4 آلاف ليرة، فهو بذلك يخفض هامش الربح، ويخفّف من الكتلة النقدية في السوق، ويخفف عنه عبء دفع الرواتب.
اضاف: لدينا نحو 500 الف موظف، وغالبية موظفي القطاع العام يحولون راتبهم على صيرفة فيشترون الدولار بـ 30 الفا ويبيعونه بـ 41 او 42 الفا، لكن بعد هذا التعميم تقلّص هامش الربح في الرواتب من مليون و200 الف ليرة الى حوالى النصف من خلال تبريد السوق.
**