يبدو انّ حلم دخول لبنان نادي الدول النفطية بات قاب قوسين او أدنى، فالاجواء الايجابية في ملف ترسيم الحدود كانت هي الطاغية أمس على ما عداها من ملفات، خصوصاً مع وصول وفد من شركة «توتال» الى لبنان لتوكيله المباشرة بالاجراءات التنفيذية للتنقيب في المياه اللبنانية فوراً، لكن بين اتفاقية ترسيم الحدود وبدء استخراج النفط مسافة زمنية لن تقل عن 8 سنوات.
صحيح انّ الاحداث المتعلقة بترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل شهدت تَسارعاً امس، الّا ان زيارة وفد من شركة توتال الى لبنان تبقى هي الحدث والذي ضمّ رئيس مجلس الإدارة المدير العام رومان لامارتينيار، مدير الشركة ومدير التنقيب عن النفط والإنتاج لوران فيفيه، ومدير شمال افريقيا جان جايلي. وما طلب رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من ممثلي شركة توتال المباشرة بالاجراءات التنفيذية للتنقيب في المياه اللبنانية فورا، الا عوامل ايجابية اضافية توحي بأنّ مسار التنقيب سينطلق اعتبارا من الغد. لكن بعيدا عن التصاريح الاعلامية وبالعودة الى الكلام المنطقي والعلمي ما سيكون تأثير استئناف عملية التنقيب على الاقتصاد المنهار حالياً؟ ما المسار الذي ستسلكه رحلة التنقيب عن النفط ومتى يمكن للبنان البدء بالاستفادة منه بعد توقيع الاتفاقية مع الجانب الاسرائيلي؟
في السياق، يؤكد الخبير النفطي عبود زهر لـ«الجمهورية» انّ الاجواء ايجابية في لبنان وفي اسرائيل، صحيح ان كل طرف يصرّح انه نال ما يريد انما زهر وضَعَ هذه الخطوة في اطار التسويق امام الجمهور، لافتاً الى ان الجهة التي ستسرّب الاتفاق أولاً الى الاعلام تكون هي الرابحة. وتابع: بغضّ النظر عن بنود الاتفاق الا انه يمكن وصفة بـ win win، اي الكل فيه رابح، إذ ما النفع ان يأخذ لبنان مساحة أكبر وأن يكون في الوقت نفسه غير قادر على التنقيب.
أما عن الخطوات اللوجستية التي سيبدأ لبنان في اتباعها تدريجاً بعد توقيع اتفاقية ترسيم الحدود، يقول زهر: ستبدأ توتال اولاً بتحضير القاعدة البحرية واذا كانت تنوي الحفر في حقل قانا تباشر بإعداد دراسات اولية، على ان تليها التحضيرات اللوجستية وبعدما تكتمل التجهيزات يتم التعاقد مع شركات حفر تبدأ التنقيب في البئر الاستكشافي الذي سيؤكد ما اذا كان الغاز متوفراً في هذه البئر.
وبغضّ النظر عن النتائج اي اذا كان الغاز متوفرا او لا، يتم اغلاق البئر، للبدء بالبئر الاستقصائي لمعرفة كمية الغاز المتوفرة ونوعية الغاز، اذا تبين ان الكمية تجارية يؤخذ القرار بتطوير حقل قانا وبدء بناء البنية التحتية ومن ضمنها يبدأ حفر آبار الانتاج التي منها يتم استخراج الغاز. وأكد عبود ان هذه العملية ستستغرق ما بين 7 الى 8 سنوات قبل البدء بضَخ الغاز اي امامنا 8 سنوات لنصل الى وضعية حقل كاريش اليوم اذا لم نواجه بأية عراقيل، مذكّراً انه تم اكتشاف حقل كاريش عام 2011 ولولا كورونا لكان بدأ استخراج الغاز منه منذ نحو العامين. وأوضح: صحيح انّ اسرائيل مستفيدة اليوم من حاجة اوروبا الملحة للغاز بعد خلافها مع روسيا الا انها ستظل بحاجة الى الغاز أقله لـ 30 عاماً الى الامام، بما يعني انه عندما سنبدأ باستخراج الغاز بعد 8 سنوات ستكون اوروبا لا تزال بحاجة الى الغاز. وأوضح زهر اننا نحتاج أقله الى 3 سنوات قبل ان نُثبت ان لدينا كميات من الغاز التجاري وللبدء ببناء البنية التحتية التي ستحتاج الى 4 او 5 سنوات.
وردا على سؤال، أكد زهر انه لا يمكن التعويل اليوم على استخراج الغاز من اجل دعم الاقتصاد اللبناني المنهار، انما يمكن التعويل على الاشغال التي ستقودها توتال من اجل تحريك السوق اللبناني بالأخص في مرحلة بناء البنى التحتية لأنّ هذه الاعمال ستكون كفيلة بضَخ ما بين مليارين الى 3 مليارات دولار اذا كانت الاستكشافات ضخمة ويعوّل عليها.
اضاف: ان شركة توتال هي شركة استثمارية عالمية وبمجرد ان تمكّن لبنان من جذب مستثمر كبير إليه فهذا عامل ايجابي للبلد، خصوصاً انّ هذه الشركة ستضخ عملة صعبة وستوظّف يداً عاملة وتخلق فرص عمل.
وعن مجيء وفد من شركة توتال الى لبنان قبَيل توقيع اتفاقية ترسيم الحدود قال: ان لبنان وقّع اتفاقية للتنقيب عن الغاز مع شركة توتال منذ نحو خمس سنوات، ومجرد مجيء توتال الى لبنان امس فهذا يؤكد ان اتفاقية الترسيم تضمنت شرطاً يسمح للشركة بالمباشرة فوراً بأعمال التنقيب بعد تأخرها عن ذلك نحو السنتين. ووصف وفد توتال الذي يزور لبنان بالرفيع المستوى ويدلّ على جدية كبيرة في التعاطي من قبل توتال، ويعطي آمالاً بعودة الحفر الى البلوك 4.
وذكر زهر انّ هناك دورة تراخيص للتنقيب عن النفط في البلوكات البحرية الثمانية التي لا تزال مهلة تقديم طلبات الاشتراك فيها مفتوحة، ولا شك ان هذا الاتفاق متى تم سيشجّع الشركات لتقدم الى دورة التراخيص الممدّدة اصلاً حتى نهاية العام بعدما لم يتقدم اليها عارضون في الدورة الاولى. وبالتالي، أبدى زهر تفاؤله من ان تنعكس اتفاقية الترسيم على التنقيب في بقية البلوكات.
المصدر: “الجمهورية – ايفا ابي حيدر”
**