خفض سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار من ألف وخمسمائة ليرة إلى خمسة عشر ألف ليرة لبنانية يعكس ضغط صندوق النقد الدولي الذي يعتبر أنه يجب على الحكومة تحرير سعر صرف الليرة بالكامل من دون أي تدخل من قبل المصرف المركزي. وهو ما يعني اعترافا رسميا بالخسائر الحاصلة وتثبيتها عند رقم يكشفه التدقيق المحاسبي في حسابات مصرف لبنان والمصارف. هذا الأمر لم تستطع الحكومة القيام به في الماضي، قبل أن تُتاح لها الفرصة خصوصًا مع المزايدة التي قام بها بعض النواب في ما يخص القطاع العام وهو ما أظهر عجزًا كبيرًا لم يكن بالإمكان تغطية قسم منه (دفتريًا) إلا من خلال رفع سعر الصرف في العمليات التي تتناول إيرادات الدولة وخصوصًا الدولار الجمركي ودولار الضريبة على القيمة المضافة والضرائب والرسوم الواردة في الموازنة.
سعر الـ 15 ألف ليرة أتى كحل وسطي بين متطلبات صندوق النقد الدولي بتحرير كامل لسعر صرف الليرة وبين الضغوط السياسية التي كانت تطالب بدولار جمركي لا يتعدّى الـ 12 ألف ليرة. ولولا الأجور التي أصبحت كلفتها الشهرية 3 تريليون ليرة لبنانية، لما قبل النواب الذين صوّتوا على الموازنة بالتصويت لمصلحتها.
التداعيات لتعديل سعر صرف العملة الرسمي كثيرة، ولهذا السبب وتفاديًا لأي مفاجآت، قررت وزارة المال ومن خلفها الحكومة تطبيق هذا الرفع على مرحلتين: الأولى تبدأ مع بداية شهر تشرين الثاني حيث تصبح كل إيرادات الدولة الاتية بالدولار محتسبة على سعر الخمسة عشر ألف ليرة لبنانية. وفي خلال هذه المرحلة، لن يكون هناك تعديل في دولار المصارف والقروض وغيرها، على أن تبدأ المرحلة الثانية بالتزامن مع بدء تنفيذ خطة الحكومة الإنقاذية (أي بعد التوقيع مع صندوق النقد الدولي؟!) ويبدأ فيها مصرف لبنان برفع السعر تدريجيًا. بذلك يصبح امتصاص التداعيات من قبل السلطات المالية والنقدية والاقتصاد أسهل.
يبقى القول إن رفع السعر هذا سيتبعه حكمًا رفع لسعر الصرف الرسمي تدريجيًا حتى يتمّ تحرير بالكامل الذي قد يكون في فترة لا تتخطّى الأشهر إذا ما تسارعت الأمور بالشكل الإيجابي أو «السلبي الحاد».
وهنا تظهر صعوبة التكهن بما قد تؤول إليه الأمور في المرحلة المقبلة حيث إن المشهد السياسي يوحي بإيجابية من ناحية تشكيل الحكومة وسلبية من ناحية انتخاب رئيس جديد للجمهورية. السيناريو التشاؤمي قد ينشأ من باب عدم إتمام الاستحقاقين في آن واحد، وهو ما سينعكس حكمًا على كل الشؤون والملفات الاقتصادية والمالية والنقدية والمعيشية والاجتماعية.
**