تُشير المعلومات المُتداولة الى أن الاتصالات السياسية نشطت بعد إسقاط نصاب جلسة الموازنة الأخيرة، بهدف تأمين النصاب لجلسة اليوم، مع أغلبية لإقرارها بالتعديلات التي سيتوافق عليها النواب، والتي هي بالدرجة الأولى سعر صرف الدولار المُعتمد والذي سيتمّ إقراره على عشرين ألف ليرة لبنانية للدولار الواحد بما فيه الدولار الجمّركي.
إعتراض بعض الكتل النيابية على مشروع الموازنة لن يؤتي نفعًا، خصوصًا أن حجم هذه الكتل غير كافٍ لتعطيل النصاب، مع موافقة إحدى الكتل الكبيرة المُعترضة على تأمين النصاب والتصويت لصالح الموازنة.
هذه الموازنة المنوي مناقشتها وإقرارها اليوم في الهيئة العامة للمجلس، سيتمّ تطبيقها من تاريخ صدور القانون، أي على فترة شهرين من السنة فقط. وبالتالي حتى ولو تمّ إقرار موازنة مثالية، فإنها لن تُغير في الواقع الكارثي الذي امتد على فترة عشرة أشهر من السنة، ومن المتوقّع أن تستمر مفاعيله حتى أواخر العام. من هنا نقول إن مفعول الموازنة في حال أقرّت اليوم سيكون مفعول تضخّمي على الشهرين الباقيين من هذا العام، خصوصًا مع الإرتفاع الكبير في النفقات بعد إقرار الزيادات في الأجور، ومع التأكيد على أن المداخيل المتوقّعة من الدولار الجمركي لن تكون على الموعد، نظرًا إلى أن التجار قاموا بإستيراد كمّيات كبيرة في المرحلة السابقة (10 مليار دولار أميركي في الأشهر السبعة الأولى من هذا العام)، ونظرًا إلى أن عمليات التهريب من الخارج إلى الداخل اللبناني أصبحت ناشطة وستزداد وتيرتها بعد إقرار الموازنة.
من هذا المُنطلق، لا فائدة من الصراع على موازنة العام 2022، بل أن الصراع يجب أن يكون على موازنة العام 2023 بحكم حجم التحدّيات التي تواجه هذه الموازنة، خصوصًا إذا لم يتم الاتفاق مع صندوق النقد الدولي. الفائدة الوحيدة التي يُمكن التعويل عليها من إقرار موازنة العام 2022 هو التدقيق المحاسبي الذي سيقوم به ديوان المحاسبة لاحقًا.
وبالحديث عن ديوان المحاسبة، فقد أصبح من الضروري على السادة النواب إلزام الحكومة بشكل حازم تقديم قطوعات الحساب للمجلس النيابي عن الأعوام المُمتدّة من 2003 وحتى العام 2021 ، في مهلة لا تتجاوز الستّة أشهر، وعدم القيام بهذا الأمر يعني بكل بساطة أن لا جدّية في أي موازنة مُستقبلية!
إذًا اليوم سيلتئم المجلس النيابي في جلستين صباحية ومسائية لإقرار موازنة العام 2022 من دون قطع حساب، وسيتمّ إقفال شارع المصارف كلياً طيلة فترة انعقاد الجلسة، في ظل مُخاوف من قيام مواطنين بالتظاهر أمام المجلس إعتراضًا على الواقع المعيشي الكارثي وعلى التأخير ببتّ موضوع الودائع في المصارف.
موازنة تتأرجح بين الواقع المعيشي وضغوطات الصندوق
إذًا موازنة العام 2022 تتأرجح بين الواقع المعيشي وضغوطات صندوق النقد الدولي، ولكن كيف يُمكّن للدولة تمويل عجزها المتراكم منذ بداية هذا العام، والذي تمّ تقديره من قبل النواب بين 12 و14 ألف مليار ليرة لبنانية (تقديراتنا هي ضعف هذا الرقم!)؟ الجواب عند مصرف لبنان نظرًا إلى أن الحكومة عاجزة عن الإقتراض وعاجزة عن تأمين موارد تسمح بإستمرارية المرفق العام حتى أخر السنة من دون الإعتماد على المصرف المركزي الذي ستُلّزمه الحكومة بإقراضها عملًا بالمادة 91 من قانون النقد والتسليف.
المُشكلة تكمن في أن رفع الأجور بثلاثة أضعاف، وزيادة الموازنات للعديد من المؤسسات، وزيادة الإنفاق العام بحكم ارتفاع سعر دولار السوق السوداء ودولار منصة صيرفة، يعني أن المصرف المركزي أمام خياريين:
– الأول : الإستمرار بإستنزاف إحتياطاته لإمتصاص هذا العجز.
– الثاني : طبع الليرة اللبنانية وهو ما سيكون له تداعيات على سعر الصرف وبالتالي على الموازنة.
أرقام الموجودات من العملات الأجنبية لدى المصرف المركزي أصبحت تُقاس ببضعة أشهر من الإستيراد، وهو ما يُبرّر إلى حدٍ كبير توقف المركزي عن تأمين الدولارات للإستيراد مع العلم أن نصف هذا الإستيراد يذهب إلى التهريب! وهذا الأمر تعلمه الحكومة جيدًا.
إذًا على ماذا الإعتماد لتمويل الإستيراد خصوصًا في ظل غياب إتفاق مع صندوق النقد الدولي؟ في الواقع، هناك من يعتقد أن السوق اللبناني يحوي على حجم دولارات يفوق بأقلّ تقديرات الـ 15 مليار دولار أميركي موجودة خارج القطاع المصرفي. وبما أن الإستيراد هو إنفاق خاص، فإن دولارات الإستيراد سيتمّ تأمينها من الدولارات الموجودة في السوق. لكن كيف سيُمَوِّل من لا مدخول لديه بالدولار إستهلاكه الخارجي؟ أغلب الظن أن هؤلاء سيكونون موضع مساعدات مالية مباشرة من قبل الحكومة و/أو الجمعيات الخيرية.
إذا مما تقدّم، نرى أن الجمود السياسي الحاصل في موضوع الإصلاحات الإقتصادية والمالية والنقدية والمصرفية، وعدم إستيفاء شروط صندوق النقد الدولي لإبرام الإتفاق النهائي الذي على أساسه سيتمّ إقراض الدولة اللبنانية ثلاثة مليارات دولار أميركي على مدة أربع سنوات، سيؤدّيان حتمًا إلى تعاظم الكارثة المعيشية من باب سعر الصرف.
الجدير ذكره، أن قرض صندوق النقد الدولي في حال تم توقيع إتفاق معه، سيذهب حصرًا إلى تمويل توحيد سعر الصرف وتمويل الإصلاحات المنوي القيام بها، على أن تكون الحكومة قادرة في نهاية الأربع سنوات على بدء سدّ دينها للصندوق من مداخيل الموازنة.
**