على وقع الانهيار الاقتصادي والازمة المعيشية المستفحلة يقف اللبنانيون على عتبة استحقاق انتخاب رئيس جديد للجمهورية في ظل حكومة تصريف الاعمال. وكما في كل مرة يتحول الدستور شماعة لتبادل الاتهامات والتهرب من المسؤوليات الدستورية والغوص في المواضيع الجانبية من صلاحيات رئيس الجمهورية ودور حكومة تصريف الاعمال والاليات الدستورية من توصيف النصاب لانتخاب الرئيس الى إدارة الفراغ بعد الشغور الرئاسي وغيرها من القضايا التي تنذر بحالة “الطلاق” الذي تدعو اليه جهات حزبية وتهدد الكيان والسلم الأهلي والاجتماعي.
ها نحن ننتظر استحقاق وطني لانتخاب رئيس جديد للجمهورية لطالما تبارت مختلف الجهات الداخلية والخارجية لتقليص صلاحياته الدستورية والاجهاض على دوره الوطني فيما يتسابقون على تحميله المسؤوليات واتهامه بكل ما آلت اليه الأوضاع من تدهور سياسي واقتصادي .
وفي ظل الحديث الدائر حاليا عن عقد طاولة حوار وطنية بين الأطراف اللبنانية برعاية إقليمية ودولية بهدف التوصل إلى تسوية سياسية أو عقد اجتماعي جديد يسبق انتخاب رئيس الجمهورية ما يمكن الانتظار من نظام سياسي جديد؟
بكل تأكيد يجب التمسك بصيغة الميثاق الوطني على قاعدة المشاركة السياسية لمختلف الشرائح الاجتماعية ، والحفاظ على مبدأ التداول السلمي للسلطة مع تعزيز فكرة الموالاة والمعارضة في الحكم على ان تصبح السلطة التنفيذية ثنائية بين رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء فيكون البيان الوزاري وحده معبرًا عن مشروع تنفيذي تحاسب عليه السلطة التنفيذية من قبل مجلس النواب.
ما هو هذا التصور المنتظر من النظام السياسي الجديد في ظل هذه الظروف الصعبة وما هي أولويات المرحلة؟
تكمن الاولى في التمسك بخيار الدولة وتطوير النظام وإعادة الثقة بين السلطة والمواطن لاحياء الأمل.
فالدولة هي مشروع وطني وهي تشكل الإطار الجامع للبنانيين على مختلف مشاربهم السياسية والاجتماعية والثقافية؛ اما النظام السياسي فيعبر عنه دستور حضاري وعادل وتنبثق عنه دولة وإدارات رسمية.
لا بد هنا من التأكيد على أهمية استحداث مجلس الشيوخ الذي ارتضاه اللبنانيون في الدستور بعد ان اضحى شبه شبح نتكلم عنه دون تحديد مرتكزاته ودوره الوطني في تمثيل العائلات الروحية وحصر صلاحياته في القضايا المصيرية ما يتيح قراءات مختلفة وربما احياناً متضاربة .
مجلس الشيوخ اللبناني هو بأختصار تفاعل المكونات الاجتماعية على البقعة اللبنانية. تفاعل الساحل المنفتح على الشرق والغرب؛ مع الجنوب اللبناني المقاوم؛ مع الجبل المتمرد المتجذر في أرضه؛ مع البقاع منبع الخير وموئل الرجال.
لكن ما هي المخاطر المحدقة المهددة لتطوير نظامنا السياسي؟
خارجياً تكمن الاخطار الاربعة بالصراع مع الكيان الغاصب في فلسطين المحتلة؛ والخروج عن محيطنا العربي والتخلي عن ميزة انفتاحنا والابتعاد عن دورنا القومي في دعم القضايا المصيرية وفي طليعتها القضية الفلسطينية .
اما في الداخل ما زالت الاخطار تكمن في تصدع الوحدة الوطنية ، ثقافة الفساد وغياب هيئات الرقابة؛ المديونية العامة؛ سرقة اموال المودعين؛ تسييس القضاء؛ الانهيار المالي؛ ضرب القطاع المصرفي؛ وموضوع المخيمات الفلسطينية والنازحين السوريين.
تظهر هنا أهمية الدولة اللبنانية ومدى القدرة لديها على مقاربة كل هذه المشاكل واجتراح الحلول المناسبة لها انطلاقا من احكام الدستور في حماية وحدة الأراضي ومحاربة الهجمات العدوانية وسيادة واستقلالية القرار الداخلي مع الحفاظ على دور لبنان مع محيطه الطبيعي وميزاته الحضارية؛ وعدم الاستسلام امام سياسات صندوق النقد الدولي التدمرية وبالتالي العدول عن منطق التوسل والشحادة على ابواب القناصل وعلى ارصفة الدول.
لبنان يحتضر لا خلاص له الا في تكاتف أبنائه في عملية استنهاض كل معاني القوة لديهم والتي تأتي في طليعتها الوحدة الوطنية مع ما يقتضي ذلك من تفعيل الشراكة الوطنية في بناء دولة العدالة الاجتماعية؛ والحفاظ على حقوقنا البرية والبحرية وعدم التفريط بكل شبر من ارضنا ؛ ومد جسور التواصل بين لبنان المقيم والمغرب؛ ومحاربة كل اشكال الفساد ورموزه والذي يأمل اللبنانيون ان تصبح ايامه من ورق على وشك السقوط مع هبوب رياح قيام دولتهم التي طال انتظارها.
**