أبلغ الوسيط الأميركي في ملف ترسيم الحدود البحرية آموس هوكشتاين، مسؤولين لبنانيين أنه سيستأنف اجتماعاته المتعلقة بالملف في الأيام القليلة المقبلة، ولن يكون قادراً على إعطاء جواب على المقترح اللبناني قبل نهاية هذا الأسبوع. فيما نُسب إلى مصادر ديبلوماسية أوروبية في بيروت تحذيرها من ارتفاع منسوب التوتر في الجنوب ما لم يصل الوسيط الأميركي بسرعة إلى نتيجة ترضي لبنان.
وحول ما ينشر في إسرائيل عن «اتفاق متبلور»، أكّد هوكشتاين أن «هذا كلام إعلامي لا أساس من الصحة ولا تغطيه أي جهة رسمية في إسرائيل»، مشيراً إلى أنه «كما شهد لبنان مزايدات حول الخطوط في فترة سابقة، تشهد إسرائيل التي تقترب من انتخابات داخلية مزايدات بين الأفرقاء حول هذا الملف». ولفتت المصادر إلى أن الموفد الأميركي كان واضحاً، في إحدى زياراته سابقاً، بأن «مصلحة الأمن القومي لإسرائيل تمنع المزايدات، وأن هذا الأمر جزء من ملف الطاقة العالمي ولن تسمح أميركا وأوروبا لأحد، بمن في ذلك إسرائيل، بتعريضه للخطر نتيجة مزايدات سياسية».
في غضون ذلك تواصلت التسريبات الإسرائيلية الإعلامية بقرب التوصل إلى اتفاق. غير أن أبرز ما سُرّب في الأيام الماضية هو إرجاء موعد استخراج الغاز من حقل كاريش شهراً كاملاً. ومن شأن الخطوة – نظرياً – ردع الطرفين عن أفعال وردود عليها تؤدي إلى مواجهة عسكرية، وكي لا يتسبب استخراج الغاز في تفعيل حزب الله لتهديداته. لكن فترة الشهر تبقى محلاً للتقديرات والتأويلات، حول ما يمكن أن تكسبه تل أبيب من تأجيل كهذا، خصوصاً مع تعذّر تنازل الجانب اللبناني عن مطالبه أو تليينها، وفقاً لميزان القوى المستجد. وهو ما تقرّ به تقارير عبرية أشارت إلى أن حزب الله أجبر الولايات المتحدة وإسرائيل على أخذ مواقف لبنان على محمل الجد ووضع المفاوضات في إطار جدول زمني قصير لا يتعدى أسابيع قليلة، بما يتعذر معه على إسرائيل والولايات المتحدة تمديد الوقت والمماطلة، رغم تشديد الإسرائيليين على أن التأخير شهراً أسبابه تقنية ترتبط بالشركة المستخرجة للغاز (إنيرجيان)، ولا علاقة لتهديدات حزب الله بالأمر.
ولكن، هل حمت إسرائيل نفسها، عبر الإرجاء، من «الجرعة التذكيرية» لحزب الله؟ سؤال لا إجابات وافية له، ومقدار اللايقين في المدة الجديدة أكبر مما كان عليه في المدة السابقة.
وقد كان لافتاً ما أشار إليه المعلق الأمني في «يديعوت أحرونوت»، يوسي يهوشع، بأن الخطابات المتكررة للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله تقلق تل أبيب التي من مصلحتها استخراج الغاز. ونسب إلى وزير الحرب بيني غانتس أنه «يفضل التوصل إلى اتفاق من دون حرب»، مع أن ذلك «لم يمنع قيادة المنطقة الشمالية من الاستعداد لإمكانية اشتعال الجبهة». وأوضح أن المواجهة العسكرية في حال وقعت فإن «شدة النار التي ستستخدم مختلفة جوهرياً عن تلك التي تعوّد عليها الجمهور في الحملات ضد غزة في العقد الأخير، وسيكون من الصعب على إسرائيل أن تتحكم بمستوى الأحداث. وحتى لو بدأت النار بحدث موضعي، فإن من شأن ذلك أن يتدهور بسرعة شديدة إلى أيام قتالية، ومنها إلى حرب حقيقية».
في هذا السياق، تشهد إسرائيل سجالات على خلفية ملف الترسيم الذي دخل بازار الانتخابات، ما يكشف في السياق اتجاه إسرائيل إلى «التنازل» من جهة، وحجم التحدي الداخلي لدى أصحاب القرار ممن قرروا السير في هذا الاتجاه. السجال الأبرز هو على قانونية «تنازل» حكومة تصريف أعمال للبنان عن منطقة سيادية خالصة، في وقت يحتاج الأمر إلى استفتاء شعبي وإلى مصادقة ثلثي أعضاء الكنيست. فيما يرى أصحاب وجهة النظر الأخرى أن إجراءات كهذه لا تسري على الحد الاقتصادي، بل على الحد السيادي، حيث الفروق كبيرة جداً بين الاتجاهين.
وفي وقت تشير السجالات الإسرائيلية إلى وجهة «التنازل» الإسرائيلية، إلا أنها تؤكد أيضاً وجود تهديدات مقابل الفرص، ما يعني أن مهلة الشهر الجديدة التي أعطتها إسرائيل لنفسها، عبر تأجيل استخراج الغاز إلى الأول من تشرين الأول، ستكون حساسة جداً، ويتخللها الكثير من الاحتقان، في وقت تشير السجالات والمناكفات السياسية على خلفية قرب الانتخابات في الكيان، إلى إمكان تأجيل الاستحقاق والاتفاق البحري مع لبنان، عبر تأجيل استخراج الغاز لفترات جديدة، وعلى خلفية ادعاءات جديدة، فهل يدفع ذلك إلى تأزم وتصعيد لن يكون في إمكان حتى طرفيه، منعه؟
**