كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول: عندما يفقد المواطن الأمل بوجود دولة تحميه وترعاه، وتصون حقه من عصابات الأزمة، لا يعود أمامه سوى ابتداع الوسائل التي يعتقد انها تمكّنه من استعاده امواله المنهوبة، حتى ولو كان ذلك ارتكاب الغلط واستخدام القوة والضغط.
لا يعني توصيف هذا الواقع، تبرير هذا الغلط، او تبرير مخالفة القانون، بل التنبيه إلى ما يَختلج نفوس المودعين من غضب واحتقان على لصوصية المصارف التي سَطت بكلّ وقاحة ومن دون وجه حق على ودائعه ومدّخراته. وفوق ذلك تتعاطى بعنجهية منكرة مع المودع وتذلّه كمتسوّل على ابوابها لحقوقه المكدسة في خزائنها، فيما امواله يتنعّم بها اصحاب تلك الخزائن ممن ليس لهم اي حق فيها، وتصرفها «ديناصورات مصرفية» على ملذاتها وسفراتها ورحلاتها وليالي الأنس والسهر والسمر؟!
ما حصل بالامس في احد المصارف في بيروت، يؤكد بلا أدنى شك انّ كيل المودع قد طفح، وانّ مثل هذا الغلط الذي تجلى بدخول احد المودعين عُنوة الى المصرف ضاغطا لاسترداد أمواله المسروقة، قابِل لأن يتكرر في أي لحظة امام ديكتاتورية المصارف التي لم يشهدها بلد في العالم. واكثر من ذلك ولعلّه مؤشر الى أنّ غضب المودعين بات يقترب في غليانه من انفجار كبير في وجه جميع اللصوص.
لقد صبر المودع ثلاث سنوات لعله يلقى فرجاً، وما يفترض انها سلطة مسؤولة عنه، غافلة وفي قمة اللامبالاة حيال عملية السطو الجماعي على ودائع اللبنانيين، ولم تحرّك ساكناً حيال لصوصية المصارف، حتى ولو بإجراء زجري شَكلي من باب رفع العتب او حفظ ماء الوجه. واضِعة نفسها في موقع الشريك بالتكافل والتضامن مع اللصوص، بتراخيها وتركها المواطن اللبناني فريسة مكشوفة لهم بلا حماية ولا أمان. ومبيحة في الوقت نفسه للمودع المسروق على عينك يا تاجر، ان يحاول بشتى الطرق أن يسترد بنفسه مسروقاته حتى ولو بالقوة، من اللصوص المزهوّين بأنفسهم، والذين يفاخرون بلصوصيتهم ويعتبرون مصارفهم مقامات مقدسة تشرّع لنفسها سرقة الودائع.
إن الذي جرى بالامس في أحد المصارف، هو أشبه بجرس انذار يفترض أنّه قرع في آذان السلطة كما في آذان المغارات المصرفية، دخول المصرف عنوة وترهيب الموظففين غلط لا يجيزه القانون، الا انه على جسامته، يبقى غلطا صغيرا جدا في موازاة الجريمة المُرتكبة بحق المودعين والمتمادية منذ ثلاث سنوات. والمجرم وقح، وفالت، ويعتبر مغارته المصرفية حصناً عاجيّاً ممنوعاً مقاربته، او الاعتراض على ما تفرضه من احكام عرفية وعشوائية على المودعين.
بات الكلام الإنشائي عن الودائع وحقوق المودعين الذي يصدر من هنا وهناك لغة فارغة، بل مَمجوجة لم يعد لها مطرح في قاموس اصحاب الاموال والمدخرات المسروقة، وينبغي هنا اخذ العبرة من مشهد المودعين الذين انتصروا لزميلهم وتضامنوا معه وبرروا له طريقة استرداد امواله. وتبعاً لذلك، فإنّ ما حصل بالامس ينبغي أن يكون قد هزّ المشاعر الجامدة لدى ما تسمّى سلطة، وأيقَظ المسؤوليات النائمة على أسرة التخاذل والعجز، ونَبّهها إلى أن الوقت قد حان لإجراءات عملية وقاسية من الجهات المسؤولة في الدولة، تضغط اللصوص وتضع الودائع على سكة العودة الى اصحابها.
ماذا حصل؟
وكان هذا الحدث قد سجّل أمس، حيث دخل احد المودعين ويدعى بسام الشيخ حسين عنوة إلى فرع مصرف «فدرال بنك» في الحمرا، واحتجز الموظفين مهددا بالسلاح، وطالب بالحصول على امواله المودعة في المصرف وقدرها 210 آلاف دولار، قائلا: «بَدي مصرياتي يا قاتل يا مقتول». وأفيد بأن الشيخ حسين قد رشّ مادة البنزين في المصرف مُهدداً بإشعالها، ومنعَ الموظفين من استخدام هواتفهم.
وفيما تابع وزير الداخلية بسام المولوي هذه المسألة، من غرفة عمليات المديرية العامة لقوى الامن الداخلي، مع كلّ من المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللّواء عماد عثمان ورئيس شعبة المعلومات العميد خالد حمود، جَرت مفاوضات مع الشيح حسين عرض بموجبها المصرف ان يدفع له 10 آلاف دولار من امواله فرفض، ثم رفع المبلغ الى 30 الف دولار فرفض ايضاً، وظلت المفاوضات مستمرة، وشاركت فيها شعبة المعلومات في قوى الامن الداخلي. وفي وقت لاحق عصراً بَدا انّ المفاوضات قد انفرجت، وخرج بسام الشيخ حسين من المصرف ترافقه عناصر امنية، حيث تردّد ان المصرف وافق على دفع مبلغ 35 الف دولار له من اصل وديعته المقدرة بـ210 آلاف دولار. فيما اعلنت زوجته التوصل الى تسوية ترضي الجميع، مشيرة الى انّ «من هم في المصرف بخير».
وسبق ذلك تأكيد مصدر امني مسؤول لـ«الجمهورية» ان «الخيار الأمني مستبعد نهائيا لحل هذه المسألة، ونعتقد أن الامور ستعالج عبر المفاوضات التي يفترض ان توصل الى حل».
ولدى السؤال اذا كان سيتم القاء القبض على الشيخ حسين اذا ما انتهت المفاوضات الى حل لهذه المسألة؟ اكتفت المصادر بالقول: لا مجال للحديث الآن عن الخطوات التي سيتم اتخاذها، نحن نركز الآن على انهاء هذه المسألة من دون ان يتعرض احد لأي أذى.
المودعون
وأيدت جمعية المودعين حركة الشيخ حسين مؤكدة التضامن معه. وقال رئيسها حسن مغنية إن عائلة المودع أبدت إمكانية تجاوبها مع المصرف في حال تم رفع قيمة العرض، وأن المصرف رفع عرضه من 10 آلاف دولار إلى 30 ألفاً وقد رفض بسام الشيخ حسين العرض المقدم».
وردا على سؤال، قال: «في حال تم توقيف بسام الشيخ حسين فيجب توقيف صاحب المصرف معه لأنهما جانِبا نِزاع».
وشددت رابطة المودعين على أنها «تصرّ دوماً على اعتماد المسار القانوني في تحصيل الودائع، محمّلة السلطات السياسية والمصرفية وبعض الجهات القضائية مسؤولية أي عنف في الشارع أو في وجه المصارف، في ظل اصرارهم على مُحاباة النظام المصرفي الفاسد وحماية الظالم والمعتدي على المودع المظلوم».
واعتبرت الرابطة في بيان أن تحصيل الحق شأن قانوني يمكن لكل مودع اللجوء اليه في ظل تقاعس بعض أجهزة القضاء، مؤكدة استعدادها الدفاع عن أي مودع يمارس حقه القانوني لتحصيل حقه، من دون أن يعرّض سلامة الآخرين للخطر، كما فعلت في قضية السيد عبدالله الساعي.
السياسة.. مراوحة
سياسياً، راوح الوضع على حاله من الجمود الكامل من دون تسجيل اي حركة على الصعيدين الحكومي والرئاسي، فيما برز امس لقاء في كليمنصو بين رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط مع وفد قيادي من «حزب الله» ضَم المعاون السياسي لأمين عام «حزب الله» حسين خليل ومسؤول وحدة الارتباط والتنسيق وفيق صفا. وحضر اللقاء النائب وائل ابو فاعور والوزير السابق غازي العريضي.
وقال جنبلاط، بعد اللقاء: «تحدثنا عن النقاط التي يمكن معالجتها في ما يتعلق بالاقتصاد والإنماء، وهذه فرصة والحوار قد يُستكمل للوصول إلى الحد الأدنى من التوافق حول أمور بديهية تهم المواطن».
وأضاف: «اللقاء كان ودياً وصريحاً، وتركنا جانباً النقاط العالقة الخلافية وتحدثنا حول النقاط التي يمكن معالجتها بشكل مشترك وهذا الحوار قد يستكمل للوصول إلى الحد الادنى للامور».
بدوره، قال الحاج حسين خليل: «الجلسات مفتوحة لمناقشة اسم لمنصب رئاسة الجمهورية وهناك خلافات سياسية بين «حزب الله» وجنبلاط، وهذا لا يفسد في الود قضية وهناك مساحة مشتركة». وأفيد بأنّ وفد «حزب الله» أبدى كل الاستعداد خلال الاجتماع للخروج باتفاق مع صندوق النقد الدولي، أما جنبلاط فطلب من الحزب الضغط لإقرار خطةٍ للكهرباء تكون نقطة توافق بين جميع الاطراف، كما دعا إلى إنشاء صندوق سيادي بعد ترسيم الحدود وكان جواب «حزب الله» إيجابياً.
ولفت في هذا السياق، ما أعلنه السفير البابوي في لبنان المونسنيور جوزف سبيتيري خلال زيارته الرابطة المارونية «أن الفاتيكان ما زال يراهن على رسالة لبنان التعددية كواحة لحوار الاديان»، مُعرباً عن تفاؤله بأن «اللبنانيين يستطيعون بإمكاناتهم الفكرية ابتكار صيغة جديدة تنقذ نظامهم التعددي المميز». وقال: «بالنسبة إلى الشأن اللبناني الداخلي، لا شيء يمنع الدولة التي أنجزت الانتخابات النيابية الأخيرة بنجاح، من إتمام الانتخابات الرئاسية بحسب الاصول الدستورية».
الترسيم مؤجّل
وعلى صعيد آخر، سجّل امس اعلان غير مباشر عن ان الايجابيات التي جرى ضخّها مع زيارة الوسيط الاميركي في ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل آموس هوكشتاين كان مُبالغاً فيها، حتى لا نقول انها ايجابيات وهمية، وذلك ربطا بما اعلنه نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب عن ان ملف الترسيم قد تأخر.
وقال بوصعب بعد زيارته رئيس الجمهورية امس: «ان الوسيط الاميركي آموس هوكشتاين مستمر في جهوده، وذلك بناء على الاجتماع الاخير الذي حصل في بعبدا»، مشيرا الى ان «هوكشتاين انتقل الى اسرائيل يومَ غادر بيروت ولم يعد اليها مرة ثانية، ونحن نتابع هذا الملف وعلى تواصل معه في هذا الموضوع»، لافتا الى ان «الاعتداء على قطاع غزة أخّر ملف الترسيم وليس لدينا وقت مفتوح الى ما لا نهاية، وحفاظا على الاستقرار من المفترض ان تنتهي المهلة قبل ايلول».
كتلة الوفاء
موضوع الترسيم تناولته كتلة الوفاء للمقاومة في اجتماعها امس، حيث اعلنت في بيان «أنها ترقُبُ باهتمام، مسار مسألة الترسيم لحدود لبنان البحريّة، والمنطقة الاقتصاديّة الخاصّة وحقول الغاز الواقعة ضمن السيادة اللبنانيّة، وذلك بلحاظ الحقّ الوطني الذي يجب استنقاذُه وحمايته، ولأهميّة الموارد البتروليّة في معالجة أزمات لبنان النقديّة والماليّة والاقتصاديّة والتنمويّة»، مُثمّنة «الأداء الدقيق للمقاومة، وهي تُراهن على يقظتها وجهوزيّتها الفعّالة من أجل تكريس حق لبنان السيادي»، مؤكدة أن «الوقت ليس مفتوحاً أمام الصهاينة لإنهاء هذه المسألة».
ودعت الكتلة من جهة ثانية، «جميع القوى الوازنة على المستوى الوطني في لبنان إلى تحسّس مخاطر الانزلاق نحو الفراغ على مستوى السلطة التنفيذيّة، وإلى عدم تضييع الوقت إزاء المساعي التي ينبغي أن تنشط بشكلٍ جدّي ملحوظ لتشكيل حكومة كاملة الصلاحيات ومؤهلة فعلاً للقيام بواجباتها في مواجهة التحديات الدستوريّة والوطنيّة، والنهوض بأعباء البلاد». مشددة على اقرار الموازنة، ومستغربة «التأخير غير المفهوم في إقرار خطة شاملة للتعافي المالي والاقتصادي والتباطؤ في اعداد ما يتصل بها من تشريعات اصلاحية».
فيول عراقي
الى ذلك، وفي سياق متصل بالكهرباء، اعلن المكتب الاعلامي لرئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي ان الحكومة الحكومة العراقية برئاسة السيد مصطفى الكاظمي وافقت في اجتماعها اليوم (امس) على الطلب الذي تقدم به رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لتمديد تزويد لبنان بالفيول لزوم مؤسسة كهرباء لبنان لمدة سنة بالشروط نفسها التي كانت متبعة حتى الان. وقد شكر الرئيس ميقاتي الحكومة العراقية والسيد كاظمي شخصياً على اهتمامهم بلبنان ودعمه لتجاوز الظروف الصعبة التي يمر بها.
وأكد الرئيس ميقاتي «ان العلاقات بين لبنان والعراق ستبقى متينة كما كانت عليه تاريخيا، وسيستمر التعاون بين البلدين بروح الاخوة».
وتمنى الرئيس ميقاتي للعراق الشقيق «تجاوز الصعوبات السياسية التي يمر بها وأن تعود الاوضاع في هذا البلد الشقيق الى طبيعتها بأسرع وقت».