انهارت الليرة اللبنانية، وباتت رواتب القطاع العام بالكاد تكفي مصاريف بنزين ومحروقات…
يستمر اضراب موظفي القطاع العام والادارات الرسمية، لعل المراجع المختصة تستطيع تصحيح الرواتب بما يتناسب مع سعر صرف الدولار، ويحسن من اوضاع الموظفين الذين تحولوا تقريبا، الى ضحية انهيار الليرة وحيدين، بينما قطاعات اخرى استطاعت مواكبة سعر صرف الدولار بما تستوفيه من أجور وفق سعر صرف الدولار في السوق السوداء.
لم يعد في لبنان طبقة وسطى، فقد زالت هذه الطبقة، وبات الشرخ الاجتماعي حادا بين طبقة فقيرة معدمة، وطبقة اثرياء لم تهزهم الاوضاع الاقتصادية التي هزت معظم اللبنانيين…
قروض مصرف الاسكان، على سبيل المثال، باتت حصريا وعمليا، عكس ما قيل عنها في الاعلام، متاحة للعاملين في مؤسسات وشركات برواتب تدفع بالدولار، اما العاملون بالادارات العامة وبالعملة اللبنانية، فمعظمهم لا يستطيع الحصول على قرض شرطه الاساسي افادة راتب بستة ملايين ليرة، فمَن من الموظفين في قطاعات الدولة من مدرّسين واداريين يقبض ستة ملايين ليرة؟
قروض الاسكان تُمنح فقط للمقتدرين، اما الفقراء وذوو الدخل المحدود فحظوظهم منعدمة في الحصول على قرض بناء او شراء منزل، وحتى على قرض الطاقة الشمسية، فمصرف الاسكان اقام تمييزا بين المواطنين، واتاح الفرص فقط لما استطاع الى القروض سبيلا من موظفي القطاع الخاص الذي يعتمد الدولار او موظفي المؤسسات الاجنبية.
على المقلب الآخر، احد مدرّسي القطاع التعليمي الثانوي قال: راتبي لا يتجاوز ثلاثة ملايين ليرة، اي قرابة مئة دولار اميركي، بينما يستوفي مني الميكانيكي عند تصليح سيارتي حوالى مئة دولار واكثر، اي بحجم راتب شهر، وأجرة الميكانيكي وحدها باتت متعارفا عليها وهي ( ٣٠) دولارا، اي ما يعادل تسعمائة ألف ليرة، وهذا يعني انني ادرس ابن الميكانيكي طوال شهر بمئة دولار، في حين انه يستوفي هذا المبلغ من تصليح سيارة واحدة…
وسأل الموظف : اي العدالة في ذلك؟ مَن تعلم ودرس وتخرج ليدرّس الاجيال، بات في وضع لا يحسد عليه من العجز المادي، وبات الميكانيكي في وضع اجتماعي مريح يقبض بالدولار، حتى باعة العربات والبسطات يبيعون حسب سعر صرف الدولار، ووحده القطاع العام لا يزال على راتبه الذي تحول الى قيمة شرائية شبه منعدمة…
ويوضح مدرّس آخر، ان اصحاب الشهادات الجامعية باتوا الاكثر فقرا في دولة لا تقيم وزنا لهؤلاء الجامعيين ولا للمدرّسين والعاملين في القطاع التربوي، ومعظمهم بات عاجزا عن تأمين قوت يومه، او الذهاب الى مدرسته، ومثله مثل موظفي القطاع العام والادارات العامة، الذين ليس لهم من مورد رزق سوى راتبهم الذي لم يعد كافيا حتى لشراء ربطة خبز، بينما الميكانيكي، والسمكري (عمال الادوات الصحية)، وباعة عربات الخضر الجوالون، واصحاب مهن التمديد الكهربائي، والنجارون وغيرها من المهن الحرة يستوفون أجورهم بالدولار او حسب صرفه بالسوق السوداء.
حادثة على سبيل المثال حصلت مع صاحب عربة يبيع التين وموظف:
سأل مواطن موظفا عن سعر الكيلو اجاب: الكيلو بمئتي ألف ليرة.
اجابه الموظف: وهل بات انتاج التين بالدولار؟
اجابه صاحب العربة: اخذت عائلتي بنزهة كلفتني ثلاثة ملايين ليرة لبنانية خلال ثلاث ساعات فقط.
فأجابه الموظف: انت صرفت ثلاثة ملايين ليرة في ثلاث ساعات بيوم واحد، وانا اقبض ثلاثة ملايين ليرة بدل عمل عن شهر واحد…
هذا يحصل فقط في لبنان، بلد العجائب والمصائب…
المصدر:”الديار – دموع الأسمر”
**