لفتت صحيفة “الأخبار” إلى أنّ “بين الكلام عن الفراغ الرئاسي وصلاحيّات حكومة تصريف الأعمال، تبدو المبارزة حامية وتتخطّى الضّغط لإجراء الانتخابات في موعدها. كلّ جهة تحاول تعزيز صلاحياتها عبر اجتراح ما لم يقله الدستور صراحة”.
وأشارت إلى أنّ “في موازاة النصائح الخارجية بضرورة الحفاظ على المواعيد الدستورية وإجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها، يصبح الكلام عن تأليف حكومة جديدة ثانوياً. جميع المعنيين بتشكيلها يتصرفون في الشكل والمضمون، منذ ما قبل تكليف رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، على أن حكومته باقية لتصريف الأعمال الى ما بعد الشغور الرئاسي، وأن تجربة تأليف حكومة رئيس الوزراء الأسبق تمام سلام قبل انتهاء عهد رئيس الجمهوريّة السّابق ميشال سليمان، لن تتكرر”.
وأوضحت “الأخبار” أنّ “عملياً، انتقل الكلام من حتمية تشكيل الحكومة وانتخاب رئيس جديد، الى محاولات ترتيب الأوضاع لمواجهة ما بعد 31 تشرين الأول. لذا صار طاغياً الكلام عن دراسات وفتاوى حول مفهوم تصريف الأعمال وصلاحيات رئيس الجمهورية، وبدأت مجموعة من الاجتهادات لحقوقيين ودستوريين معروفين وغير معروفين قيد التداول. صحيح أن هذا الكلام ليس جديداً، لكنه اليوم يعطي نفحة مختلفة عن السابق، كون المواجهة أكثر حدّة من قبل”.
وركّزت على أنّ “بعيدًا من الدخول في فتاوى دستوريين موثوقين وتفنيد الصح والخطأ في اجتهاداتهم، فإن الفكرة الأساسية التي يصرّ دستوريون على التمسك بها، لا تتعلق بإيجاد أسباب موجبة لما بعد الشغور الرئاسي، بل تنطلق من فكرة أن الدستور في الأصل “ليس سيئ النية”، وأن واضعيه ليسوا كذلك أيضاً، بمعنى افتراض مسبق لأوضاع خارج المألوف كعدم إجراء الانتخابات، وتالياً اجتراح حلول لمعضلات لا يفترض أن تكون موجودة في بلد يحترم دستوره”.
كما بيّنت أنّ “محاولة رمي كرة صلاحيّات رئاسة الجمهوريّة والحفاظ عليها، بدل تسليمها لحكومة تصريف الأعمال في الملعب المسيحي، انطلقت أولاً للحفاظ على وراثة العهد وإبقائه في “التيار الوطني الحر” الى حين نضوج ترشيحه. في هذه المرحلة التي لم يعد فيها رئيس “التيار الوطني” النائب جبران باسيل مرشحاً أول، وصار فيها رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية متقدماً، صار اللعب على الصلاحيات أكثر حاجة للعهد، لعدم الذهاب الى خيارات تحت ضغط الأمر الواقع والتسليم بخيارات يمكن النفاد منها لاحقاً”.
وذكرت أنّ “دون ذلك محاذير، أولها موقف “حزب الله” من هذه الفتاوى واحتمال بقاء رئيس الجمهورية ميشال عون في بعبدا، وهو الأمر الذي يتردد أن الحزب غير موافق عليه، لأنه سيخلق شرخاً مع فرنجية ومع الجيش، عدا عن الحساسيات مع المجتمع الدولي، وإن كان الحزب لا يضع هذه الحساسيات في المرتبة الأولى بحسب موازين القوى المستجدّة. النقطة الثانية هي أن تطورات الأيام الأخيرة، والإشكال الأخير الحاصل بين العهد وبكركي تحديداً والقوى المسيحية المعارضة، لم تعد تسمح بتحويل الصلاحيات المسيحية إلى قميص عثمان يمكن للقوى المسيحية أن تقف خلف بعبدا للدفاع عنها”.
فرنسا للبنان: صندوق النقد أو الجوع!
شدّدت صحيفة “الأخبار” على أنّ “صحيحًا أن لبنان يعيش في عين الأزمة، إلا أن فرنسا تبدو “محترقة” أكثر من اللبنانيين أنفسهم للبحث عن حل يُخرج البلد من أزمته. ربّما تريد باريس أن تثبت أن “اليد البيضاء” التي تستخدمها في لبنان أينعت، وأن خيار تلزيمها لبنان كان جديراً بالثقة. لذلك، أقفل المسؤولون الفرنسيون الأبواب على أنفسهم، وفكّروا طويلاً ليخرجوا بحلٍ واحد ووحيد: صندوق النقد الدولي. حلٌ أقرب إلى اللاحل هو الذي تتمسّك به باريس غير آبهة بأن الـ3 إلى 3.5 مليار دولار لن تحلّ الأزمة، على اعتبار أنّ المبلغ لن يسد أصلاً عجز الحساب الجاري السنوي الذي يبلغ 2.5 مليار دولار، كما لا تُعير أهميّة للبنان الذي سيغرق في مزيد من الديون بالعملة الصعبة التي لا يمتلكها والتي كانت أصلاً أحد أهم مسببات الانهيار الاقتصادي”.
ورأت أنّ “باريس تدير الأذن الطرشاء لهذا الكلام، متمسكة بالترويج للصندوق والتهديد بأن البلد ذاهب نحو المجاعة، في حال “كُسرت كلمتها” ورفض المسؤولون اللبنانيون استكمال الاتفاق معه”، مشيرةً إلى أنّ “هذا تحديداً ما كان يريد أن يقوله المنسق الخاص للمساعدات الدولية للبنان بيار دوكان، خلال لقائه عدداً من الصحافيين مساء أمس في قصر الصنوبر. تقصّد الدبلوماسي الفرنسي أن يكون اللقاء هو الأخير قبل موعد العشاء المُحضّر في السفارة ثم العودة إلى بلاده”.
وأفادت “الأخبار” بأنّ “على مدى أكثر من ساعة، حاول الرجل الترويج لخيار صندوق النقد الدولي. بالنسبة له، “هذا ليس خياراً عقابياً تجاه لبنان ولا يهدف إلى تقليل الوظائف وزيادة الضرائب، وإنما هو الخيار الأمثل والفرصة الوحيدة والأخيرة للبنان من أجل الحد من الانهيار وجذب الاستثمارات وزيادة فرص العمل لتحقيق التنمية الاجتماعية والنمو الاقتصادي، وهو الحل الوحيد لخروج البلد من أزمته الاقتصادية والاجتماعية ونمو القطاع الخاص”.
وأكّدت أنّ “دوكان يدرك أن الأمر ليس سهلاً، ولكنه “قابل للتطبيق”، كيف؟ ينطلق الدبلوماسي الفرنسي ممّا لمسه خلال جولته الأخيرة على المسؤولين اللبنانيين، ليعرب عن تفاؤله من إمكانية إحداث خرق جدي. يقول: “خرج المسؤولون من مرحلة الإنكار التي لمستها منذ 6 أشهر وبدأوا يعون خطورة الأزمة، ولو أن بعضهم ما زال يحاول التأكيد أنه قادر على إخراج لبنان من الأزمة”. ومع ذلك، لا يشرح دوكان كيف استشعر عدم الإنكار خصوصاً أن الأداء اللبناني ما زال على حاله ولم يتغيّر قيد أنملة، ولم يقم لبنان بما التزم به تجاه المجتمع الدولي من أجل الاتفاق مع صندوق النقد الدولي”.
وفسّرت أنّ “جل ما في الأمر أنه لمس أن مسألة توزيع الخسائر لم تعد أولويتهم، ويشير إلى أن “الجميع استفاد من الأوضاع الاقتصادية السابقة والجميع يتحمّل مسؤولية هذه الأزمة، ولكن علينا القفز عن هذه المسألة والتركيز على الخطوات المستقبليّة”، مبيّنةً أنّ “بكلام دبلوماسي منمّق، قال دوكان حينما سُئل عن معارضة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة تطبيق الخطوات الإصلاحية، إن “سلامة لم يقل ذلك خلال زيارتي له”.
كما لفتت “الأخبار”، إلى أنّ “ببساطة مطلقة، أعلن المنسق الخاص للمساعدات الدولية للبنان ولادة النموذج الاقتصادي الجديد للبنان، ولكن بمشكلةٍ واحدة، أن فرنسا تماماً كلبنان تُدرك أن إدارة البلد وتشغيله على الطريقة القديمة باتت بحكم الماضي، وهما أيضاً لا رؤية لديهما عن سمات النظام الاقتصادي الجديد. إذاً، يردّد دوكان ما يقوله اللبنانيون على أرصفة المقاهي، من دون أن يُقدّم حلاً أو رؤية بلاده لنموذج يُمكن أن يُخرج لبنان من أزمته”.
وكشفت أنّه “يعيد عبارة “نظام اقتصادي جديد” أكثر من مرة، قبل أن يعود للكلمة المفتاح للقائه: “صندوق النقد الدولي”، مشدداً على أنّ “هناك دعماً دولياً للبنان ولاستقراره، كما أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يهتم بشأن لبنان ولو أن لديه اهتمامات أُخرى، ولكن على لبنان أن يثبت جاهزيته من خلال إجراء الإصلاحات وتشريع القوانين اللازمة للأمر”. وأضاف: “أنا هنا لأدعمكم ولإيصال رسالة فرنسا لكم، ولكن على لبنان أن يتحرّك”.
استثمار قضية المطران: عودة إلى شدّ العصب الطائفي
ركّزت “الأخبار” على أنّ “السياسيين في لبنان لا يحتاجون إلى مواد لزيادة الحريق القائم. لكن، مع قرب الاستحقاق الرئاسي، تبدو الجهات اللبنانية العاجزة عن إدارة نقاش للتفاهم حول هذا الأمر، أقرب إلى مناخ التوتير السياسي العام الذي يواكب عمليات شد العصب الطائفي، كما حصل مع الاستعدادات للانتخابات النيابية. ويحسن السياسيون في لبنان استخدام أي حدث، عادي أو غير عادي، في هذه المعارك. وهو ما بدا واضحاً في قضية المطران موسى الحاج”.
وأوضحت أنّ “صحيحا أن زيارات المطران إلى فلسطين المحتلة ليست جديدة. لكن الصحيح، أيضاً، أن جهات قضائية معنية لفتت انتباه المطران نفسه إلى ضرورة التنبه من استغلال العدو للأزمة الاقتصادية في لبنان واللعب على ملف المساعدات، بما يخلق مشكلات لا يقصدها المطران نفسه. وهذا ما جعل الأمر يتفاقم بعدما تبين أن ما يسمى بـ”دعم الأهل في فلسطين لإخوتهم في لبنان” قد تجاوز المنطق، وبعدما أظهرت تحقيقات أمنية أن بعض هذه “المساعدات” تشق طريقها لتصل إلى أشخاص يعملون مع العدو لأهداف سياسية”.
ذكرت الصحيفة أنّ “هذا ما رفع مستوى الضغط والنقاش عند الجهات القضائية والأمنية، بالتالي كان منطقياً بالنسبة إلى هذه الجهات أن يجري التحقيق مع المطران عند دخوله إلى لبنان.
لكن، وكما في كل ملف قضائي، لا يترك الأمر في إطاره التقني. هكذا، حصل استنفار سياسي واسع جعلت أصل سؤال المطران عما يقوم به وعما يحمله معه، وكأنه خطأ وجبت إدانة من قام به. ولجأت جهات سياسية، قريبة أو بعيدة من بكركي، إلى استخدام الحادثة لتصوير الأمر وكأنه استهداف للبطريركية المارونية وللمسيحيين”. ونوّهت إلى أنّ “التحقيقات تشير بوضوح إلى أن المطران الحاج سبق أن أبلغ الجهات القضائية والأمنية أنه يحمل معه أموالاً لا تخص رعيته فقط، بل تخص أبناء طوائف أخرى، ولم يزعم الرجل بأن دوره يقتصر على توفير دعم للمسيحيين”.
وعلمت “الأخبار” أن “الرئيس عون سيستقبل اليوم المطران الحاج مع موفد من البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي”.
المخدرات مقابل الغذاء: السجون تواجه المجاعة
شدّدت “الأخبار” على أنّ “الانفجار في السجون اللبنانية آتٍ لا محالة، إذا استمرّت الأوضاع على ما هي عليه. المسؤولون يتوقّعون أن الساعة الصفر لانفجار القنبلة الموقوتة قريبة، ولو أنهم لا يعرفون الطريقة التي سيعتمدها السجناء للتمرّد على واقعهم. مأساة السجن قديمة، وزادتها سوءاً الأزمة الاقتصادية المستفحلة وتداعياتها على يوميات السجناء داخل الغرف وعلى المحاكم والقضاة. السجون تواجه المجاعة وتختزن كل عوامل الانفجار”.
وأشارت إلى أنّ “الدولة لا تُقدّم، فعلياً، إلى سجنائها اليوم سوى المأوى بالمجان. يعيش هؤلاء، تقريباً، على نفقة أهاليهم، باستثناء من يُتاجرون بالمخدرات داخل السجن ويدّخرون أموالاً يرسلونها إلى عائلاتهم. وكما بقية المواد الأساسيّة، فإنّ تأمين الدواء يقع أيضاً على عاتق الأهالي، علماً بأن هناك أكثر من 800 سجين في رومية فقط يعانون أمراضاً مزمنة (القلب، السكري، الضغط، التهاب الكبد، الأعصاب…). كما خارج السجن كذلك داخله، باتت الأدوية أيضاً مفقودة في صيدليات السجون (المراكز الصحيّة)”.
وكشفت أنّه “موقوفين كثرًا تعرّضوا لمضاعفات صحية لتناولهم أدوية رديفة لا تتناسب ووضعهم الصحي، وبعض المرضى تعرّضوا لنوبات قلبية أدت إلى وفاتهم. بعض الأهالي يؤمّنون أدوية لأبنائهم، فيما كثيرون متروكون للقدر لعدم قدرة عائلاتهم حتى على زيارتهم”.
وأفادت بأنّ “البعض يعتقد جازماً أنّ هناك ما يُخمد قوة نزلاء السجون ويحول دون إعلانهم “الثورة”. قبل أيام، اندلع حريق داخل المبنى “دال” في سجن رومية، بعد عصيان عدد من النزلاء على خلفية انهيار أحد الموقوفين لعدم سوقه إلى جلسة استجوابه. سريعاً، كبحت القوى الأمنية العصيان ونقلت الموقوف إلى المبنى “واو” حيث الزنازين الانفرادية”.
وبيّنت انّ “بالتالي، يعزو البعض تأخر انتفاضة السجناء إلى الخوف من التعذيب ودخول فرق مكافحة الشغب، التي سببت الكسور والأزمات الصحية لعددٍ كبير من السجناء أثناء اقتحامها الأجنحة سابقاً. فيما آخرون واثقون بأن “أبّة باط” حصلت، لإدخال كميات كبيرة من المخدّرات بهدف تخديرهم ومنعهم من العصيان. ويؤكد كثير من السجناء وجود الحبوب المخدّرة بكثرة بين الزنازين ولا سيما في رومية، فيما يتحدّث بعض أهالي سجناء عن شعورهم بعدم اتزان أبنائهم أثناء المشاهدة أو التواصل عبر الهاتف، رغم أن هؤلاء لم يكونوا يتعاطون المخدرات قبل سجنهم”.