كتبت “الجمهورية” تقول: بات المشهد الداخلي محكوماً لقرار سياسي غير مُعلن بتطويب التعطيل حاكماً للفترة المتبقية من عهد الرئيس ميشال عون. وإخضاع البلد لفراغ حكومي بأضيق حدود تصريف الاعمال، من الآن وحتى انتخاب الرئيس الجديد للجمهورية.
إزاء هذا المشهد برزت التفاتة من قداسة البابا فرنسيس جاءت عبر رسالة وجّهها الى حفل تخريج طلبة الجامعة الانظونية، قال فيها: «في ظلّ الظروف الصعبة التي يعيشها بلدكم لبنان، يدعو قداسته الشباب الكثيرين الى عدم فقدان الأمل في مستقبل أفضل، مهما صعبت الأحوال، وأظلمت الآفاق. أنتم برجائكم وبشجاعتكم ستبنون بلدكم من جديد، وتعيدون إليه كامل كرامته، ومعناه الفريد بين بلدان الشرق الأوسط. كونوا أقوياء. واعلموا أنّ الله قريب منكم، ويسير إلى جانبكم. آمنوا بحضوره بينكم، وبأمانته لكم وللبنان. ومثل الأرز، الذي لا تقهره العواصف، يسألكم أن ترفعوا نظركم إلى العلى لتروا نور الله ونور الأمل في ظلام الليل، وتثابروا بإيمان ومحبّة من أجل بناء بلدكم من جديد، لأنّكم أنتم المستقبل، وأنتم صانعوه. .أنتهز هذه الفرصة لأقدّم لكم التهاني القلبية، طالبًا من الربّ يسوع أن يأخذ بيدكم ويؤيّدكم لكلّ ما هو خير وسلام وفرح».
مشهد آخر
أما المشهد الآخر باستسلام من يفترض بهم أنّهم أصحاب الحلّ والربط، لهذا الفراغ، وخضوعهم الفاضح لحساباتهم الشخصيّة والحزبيّة، ومعاييرهم المعطّلة تأليف حكومة جديدة، يعكس بما لا يقبل أدنى شك تخلّياً صريحاً ومتعمّداً عن هذا البلد المنكوب، وتركه يصارع، والشعب اللبناني بكل فئاته، مستقبلاً مظلماً وسط وضع اقليمي ودولي يغلي بالتطوّرات والاحتمالات والسيناريوهات المجهولة، لا يُعرف ماذا يخبىء له، في الوقت الذي انزلقت فيه أزمته الداخلية؛ الاقتصادية والمالية والمعيشية في انهيارات كارثية مُفجعة على كل المستويات.
على انّ مرارة هذا الوضع تبدو أقل حدّة من المرارة التي يتذوقها اللبنانيون من كلام الحرص الكاذب على وطن، وشعب مكسور يعاني الأمرّين في كل مفاصل حياته، الذي يدحضه التمترس خلف المصالح الذاتية، والتخلّف عن التصدي للأزمة وما تتطلّبه من علاجات فورية، والسعي الفاضح والمستميت الى الإمساك بناصية القرار السياسي والحكومي على ما هو حاصل في ملف تشكيل الحكومة. والامعان في المنحى الذي أقفل الآفاق الداخلية كلها، وصَعّب التفاهمات الصادقة على حلول، ولو موضعية أو محدودة لبعض مفاصل الأزمة، وبات تبعاً لذلك محل إدانة استحقوها من الشقيق العربي والصديق الدولي، وقبلهما الشعب اللبناني.
حثٌ متجدد
في هذا الواقع، برز في الساعات الأخيرة حضور غربي في المشهد السياسي، تجلّى من جهة في متابعة السفيرة الفرنسية في لبنان آن غريو لتحرّكها في اتجاه المسؤولين، وتزامنت مع تحرك مماثل للسفيرة الاميركية في بيروت دوروثي شيا.
ووفق معلومات «الجمهورية» فإنّ زيارة السفيرة الفرنسية للرئيس المكلف نجيب ميقاتي، أمس، شكلت فرصة جديدة لتأكيد الموقف الفرنسي الداعم للبنان، وضرورة التعجيل في تشكيل حكومة تدير الواقع اللبناني، وتباشر في تنفيذ المهمة العلاجية والانقاذية التي يتوقف عليها خروج لبنان من أزمته. وتواكب الملفات الحيوية للبنان، لا سيما ما يتعلق بترسيم الحدود البحرية بين ولبنان واسرائيل، والذي تشجّع باريس على الوصول الى تفاهمات سريعة حوله تَرتدّ بالفائدة على الطرفين. وتحضّر في الوقت نفسه الارضية الواجبة لإتمام الاستحقاقات الدستورية في مواعيدها، وفي مقدمها انتخاب رئيس جديد للجمهورية. والامر نفسه اكدت عليه الديبلوماسية السويسرية التي شدّدت على اتخاذ الخطوات التي تعزز الاستقرار والامن في لبنان.
نصيحة اميركية
امّا من جهة ثانية، فكان لافتاً الحضور الاميركي في هذا التوقيت، في زيارة وفد «مجموعة العمل الأميركية من اجل لبنان» وجولته على الرؤساء الثلاثة. حيث عكس الوفد الموقف الاميركي من الازمة في لبنان، عبر مجموعة تأكيدات استهلت بتأكيد الوقوف الى جانب، واستتبعت بالتشديد على ما يلي:
– أهمية الاسراع في إحداث التغييرات والاصلاحات اللازمة لأنّ الوقت لم يعد عاملا مساعدا. فواقع لبنان مقلق يوجِب التحرك بسرعة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي قبل فوات الاوان، وهذا الوقت يقترب بسرعة.
– مبادرة الحكومة الى خطوات سريعة تجاه البرنامج الاصلاحي لصندوق النقد الدولي والبرامج والسياسات الاخرى التي تتعلق بحاجة اللبنانيين. وهذا يوجب السرعة في العمل من جانب الحكومة والمجلس النيابي لإنجاز القوانين والسياسات لجهة دفع المفاوضات قدماً مع صندوق النقد الدولي. حيث لم يعد هناك متّسع من الوقت، ومن الآن حتى نهاية السنة يجب على البرلمان والحكومة الإسراع في اطلاق مسار تشريعي من اجل إنقاذ لبنان ومساعدة اللبنانيين، واتخاذ العديد من الخطوات. والولايات المتحدة بدأت تشعر بضغط المجتمع الدولي لذلك، وعلى المسؤولين في لبنان أن يقوموا بشيء من اجل دعم الشعب اللبناني. واذا لم تتصرف الحكومة والمجلس النيابي بسرعة فلبنان مهدد بكارثة.
– على لبنان أن يتخذ المبادرة ويعمد الى التغيير السياسي قبل فوات الاوان، فالوقت يقترب.
الترسيم… عون
وفي جانب آخر، أثار الوفد الاميركي ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل، فأشار رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى «عدم جواز تأخير عملية ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، مركّزاً على ضرورة تفعيل الوساطة الأميركية التي يقوم بها السفير آموس هوكشتاين للوصول الى خواتيم سريعة وتمكين لبنان من استثمار حقوقه من النفط والغاز في مياهه من جهة، مع المحافظة على استقرار الحدود من جهة اخرى وعلى اهمية عامل الوقت في هذا المجال».
وفي الجانب السياسي، أبلغ عون الوفد بأنّ «الاحداث الراهنة هي نتيجة واقع سبّب عقماً في عمل المؤسسات السياسية في البلاد، والفساد الذي نَخر المؤسسات والادارات الرسمية وامتناع المسؤولين على مرّ السنوات الماضية عن معالجته، ما زاد الامور تعقيداً». واشار الى انه «لم يوفّر جهداً الّا وبَذله من اجل تحقيق الاصلاح المنشود، لكنه كان يصطدم في كل مرة بمعوقات داخلية تركت آثارها السلبية على تطور الاوضاع».
ولفتَ الى انّ المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وصلت الى نتائج محددة لا بد من استكمالها، مشدداً على «ضرورة تشكيل حكومة جديدة لمتابعة هذا الملف الاساسي والحيوي بالنسبة الى مستقبل النهوض الاقتصادي.
بري
امّا حول الموقف من موضوع ترسيم الحدود، فقال رئيس مجلس النواب نبيه بري بعد لقائه الوفد الاميركي في عين التينة: «بدورنا، عَبّرنا عن انه لم يعد من وقت للمماطلة والتأخير في ترسيم الحدود البحرية، والسماح للشركات التي رَست عليها المناقصات بمباشرة عملها. ولا مبرّر على الاطلاق لهذا التأخير او المنع».
«أمل» للثبات على الحق
وفي جانب متصل بالترسيم لفتت حركة «أمل»، في بيان لمكتبها السياسي امس، الى «أنّ ما يُثار حول موضوع ترسيم الحدود مع فلسطين المحتلة يستوجِب ثبات لبنان على حقه وموقفه بما يحمي ثرواته، ويمنع الاستيلاء عليها، وأي تأخير في إنجاز هذا الملف وفق ثوابت لبنان سيؤدي إلى تداعيات كبيرة».
وأكدت «أنّ إنجاز الاستحقاق الدستوري الرئاسي هو مسؤولية وطنية تؤكد على حرص لبنان على مسيرته الديمقراطية وتنعكس ایجاباً على صورته الدولية».
وشدّدت من جهة ثانية على «ضرورة الابتعاد عن سياسة المناكفات والمماطلة وطرح الشروط في موضوع تشكيل الحكومة العتيدة، والالتفات إلى ضرورة قيام حكومة قادرة على الحد من الانهيارات التي يشهدها البلد، وتبدأ برسم خريطة واضحة لخطة التعافي الاقتصادي وبدء مسيرة خروج لبنان من نفق الأزمات».
واعتبرت أنّ «التلكؤ والتجاهل والتأجيل تجاه حالة التردي الاقتصادي والمالي والازمات المتوالدة التي تثقل كاهل اللبنانيين جميعهم، تستوجب وقف حالة الشلل المؤسساتي والاداري الناتج عن إضراب موظفي القطاع العام من خلال معالجات مبنية على أسس واضحة ورؤية شاملة بعيدة عن الانتقائية وازدواجية المعايير وارتجال زیادات لقطاع القضاة من دون غيره». ودعت حكومة تصريف الاعمال إلى «القيام بواجباتها ومسؤولياتها لوقف النزف الاقتصادي ومنع تفاقم الانهيارات والتخبط، وإعادة تسيير مرافق الدولة عبر إنصاف جميع القطاعات دونما تمييز أو حصر في فئة دون أخرى بما يتلاءم مع تأمين العدالة الاجتماعية وضرورات الحد الأدنى للعيش الكريم».
جلسة تشريعية قريبة
من جهة ثانية، يحضر الرئيس بري لعقد جلسة تشريعية لمجلس النواب مطلع الاسبوع المقبل، وهو ترأس لهذه الغاية في مقر رئاسة المجلس في عين التينة امس، اجتماعاً لهيئة مكتب المجلس، قال على أثره نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب: درسنا اليوم جدول الاعمال الذي من المفترض ان يكون امام الهيئة العامة في الجلسة القادمة، وارتأى الرئيس بري ان تحدد جلسة اوائل اسبوع المقبل لأنّ هناك عدداً من القوانين ومشاريع القوانين لا زالت قيد الدرس لكنها وصلت الى خواتيمها. وبالتالي، سيكون اجتماع للهيئة العامة الاسبوع المقبل وستكون هناك جلسة للجان المشتركة يوم الخميس، حيث سيطرح فيها بعض القوانين كي تكون مُنجزة وتطرح على الجلسة العامة.
السرية المصرفية
وفي سياق مجلسي متصل، أقرّت لجنة المال والموازنة مشروع قانون السرية المصرفية مُعدلاً، حيث جاءت التعديلات وفق ما يلي:
– توسيع قاعدة رفع هذه السرية لتشمل مراجع رسمية.
– إخضاع فتح الحسابات المرقّمة وتأجير الخزائن للإجراءات ذاتها المعتمدة في فتح الحسابات العادية لجهة أنموذج فتح الحساب واستطلاع رأي دائرة الامتثال في المصرف، وإخضاع كل عملية إيداع فيها أو تحويل إليها لإجراءات التدقيق المقررة بموجب قانون مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب» من جهة ثانية.
– في ما خَص عدم جواز إلقاء الحجز على أموال وموجودات الزبائن في المصارف إلّا بإذن خطي من أصحابها، جرى النص على «إمكانية تجميد هذه الأموال والموجودات وحجزها» في حالة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب من جهة، وفي حالة جرائم الفساد والإثراء غير المشروع، من جهة ثانية.
– توسيع نطاق حالات رفع السرية، وتوسيع عدد المراجع التي يحقّ لها طلب رفع السرية، ليصبح ذلك متاحاً الى جانب السلطات القضائية، للقضاء المختص في دعاوى الفساد والجرائم المالية ودعاوى الإثراء غير المشروع. وهيئة التحقيق الخاصة في ما خَص مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب.. والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في ما خَص مكافحة الفساد استناداً إلى قانون إنشائها.. والادارة الضريبية بهدف مكافحة التهرب الضريبي استناداً إلى قانون الإجراءات الضريبية.
– اضافة غرامة مالية على عقوبة الحبس في حال مخالفة قانون السرية المصرفية عن قصد، تتراوح ما بين 300 و500 مليون ليرة كعقوبة، وإمكانية مضاعفة الغرامة في حال تكرار المخالفة أو التمادي فيها. وامكانية إحالة المصارف المخالفة على الهيئة المصرفية العليا وتحديد مهلة أسبوعين لها لكي تتخذ الإجراءات القانونية المناسبة. وإمكانية تحريك دعوى الحق العام بناءً على طلب الجهات المختصة بطلب المعلومات عن الحسابات المصرفية بعد أن كانت تقتصر على شكوى يتقدم بها المتضرر.
– تعديل المادة 150 من قانون النقد والتسليف بإضافة الفقرات الثلاث التالية إليها: لا تحول أحكام قانون سرية المصارف الصادر بتاريخ 3/9/1956 دون قيام أية إدارة أو أي موظف من موظفي المصرف المركزي ولجنة الرقابة على المصارف بواجباتهم.
– يمكن للجنة الرقابة على المصارف والمصرف المركزي الطلب من المصارف تقديم معلومات محمية بالسرية المصرفية.
– تحدد دقائق تطبيق هذه المادة بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناءً على اقتراح وزير المالية وبعد استطلاع رأي المجلس المركزي لمصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف. ممّا يعزّز صلاحية مراقبي المصرف المركزي ولجنة الرقابة على المصارف من جهة، ويحصر صلاحية تحديد دقائق التطبيق بمجلس الوزراء بوصفه المرجع المسؤول أمام السلطة التشريعية.
– تعديل المادة 23 من قانون الإجراءات الضريبية بما يتيح تعزيز الامتثال الضريبي من جهة والكشف عن التهرّب الضريبي من جهة ثانية، ويحصر صلاحية تحديد دقائق التطبيق بمجلس الوزراء بوصفه المرجع المسؤول أمام السلطة التشريعية.
– تعديل نص المادة 103 من قانون ضريبة الدخل بحيث حذفت منه الفقرة الثانية التي كانت تحول دون حق الإدارة الضريبية بالاطلاع لدى المصارف على المعلومات اللازمة لمكافحة التهرب الضريبي من قبل المكلفين أو المكتومين.
فضل الله
الى ذلك، دعا النائب حسن فضل الله، خلال اجتماع لجنة المال والموازنة، إلى إحداث خرق ما على الصعيد المالي والاقتصادي لأنّ الدولة معطلة وتنهار شيئا فشيئا، والقطاع العام في حالة شلل، وموظفو وزارة المالية في حالة إضراب مما يعني أنّ رواتب موظفي القطاع العام لن تُدفع آخر الشهر، وعلى أقل تقدير ستتأخر إذا لم يعد الموظفون إلى عملهم، بينما الموازنة مجمدة بانتظار أن تتحمّل الحكومة مسؤولية إيجاد معالجة لسعر الصرف، وحل الإشكالية البنيوية في المعايير المعتمدة في النفقات والإيرادات، وهي لا تخطو أي خطوة للأمام، بل ترمي المسؤوليات على غيرها، والمركب يغرق ولا توجد مبادرات فعلية، بما فيها السعي الجدي لتشكيل حكومة جديدة لتقوم بمسؤولياتها، وكأنّ البلد في حالة طبيعية، ويتحمل استنزاف الوقت والاسترخاء.
اضاف: اللبنانيون بحاجة إلى خطوة ما، ولو للتخفيف من حالة الإهتراء والشلل، وإعطاء فرصة أمل للإنقاذ، ونحن جميعاً معنيون بالعمل للحد من حالة الإنهيار، فالناس لا تستطيع انتظار ترف بعض المسؤولين غير المكترثين بما يحصل، ولذلك علينا القيام بخطوات عملية، وأقترح أن نبادر ونفتش عن أي ثغرة في هذا الجدار، بما فيها معاودة البحث داخل اللجنة في مصير الموازنة لأهميتها، ووضع الحكومة أمام مسؤولياتها الدستورية والقانونية.
وحول مشروع قانون رفع السرية المصرفية، قال: نحن مع إقراره، لأنه من القوانين التي طالبنا بها منذ سنوات، كي لا يبقى هذا الأمر ستارًا لحماية الفاسدين خصوصًا ممّن بَنوا ثرواتهم من المال العام وخبّأوها أو هرّبوها مستفيدين من السرية المصرفية.