ظهر الانقسام العربي واضحا وحاسما للمرة الاولى حول مشاركة سوريا في القمة العربية المزمع عقدها في الجزائر في تشرين، ولم يتمكن وزراء الخارجية العرب في بيروت من التوافق حول هذه القضية، فرفعوها الى الرؤساء العرب لأتخاذ القرار النهائي واجراء المزيد من الاتصالات التي لم تؤد الى قرار بعد. هذا الخلاف قد يفرض تأجيلا جديدا للقمة العربية بعد ان أبلغ الرئيس الجزائري الرؤساء العرب قراره «لا قمة عربية في الجزائر دون حضور سوريا والرئيس بشار الاسد شخصيا»، كما ابلغ الرئيس التونسي قيس سعيد وزير خارجية سوريا فيصل المقداد الموقف ذاته، فيما يعمل رئيس الحكومة العراقية الكاظمي مع الرياض لتذليل اعتراضها على مشاركة دمشق. علما ان الجزائر شهدت مصالحة فلسطينية – فلسطينية رعاها الرئيس الجزائري بين محمود عباس واسماعيل هنية، وهذا ما يؤشر الى دور جزائري في لمّ الشمل العربي، واستعادة الدور المحوري في القضايا العربية، وتعرف الجزائر مكانة سوريا في الصراع العربي – «الاسرائيلي»، ومواجهة اكبر قوة ارهابية عالمية حاولت تدمير الجزائر قبل سوريا بسنوات وفشلت.
وفي المعلومات، ان سوريا تدرك جيدا أهمية علاقاتها بالدول العربية، لكنها تعلم ان الحرب عليها كانت حربا اميركية – فرنسية – سعودية – قطرية عالمية لم تحقق اهدافها، بفضل تضحيات الجيش العربي السوري والرئيس بشار الاسد والقيادة السورية ، وقدم الجيش العربي السوري عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى، وصنع التحولات الكبرى والمتغيرات الكونية، وبعدها دخل حزب الله الى القصير ثم الايرانيون والروس الذين استعادوا من خلال الحرب السورية مجد الاتحاد السوفياتي.
علما ان الحرب الكونية على سوريا بدأت ولم يكن لايران اي نفوذ يذكر، والعلاقة مع روسيا عادية، وجاء الدخول العسكري من الحلفاء نتيجة الحرب الكونية عليها، وعندما تنتهي الحرب كليا، فان الايرانيين وحزب الله سيغادرون في اليوم الثاني، والشهيد الحاج قاسم سليماني هو من أقنع بوتين بالدخول الى سوريا، فكيف يكون لايران مطامع بحجم ما تتحدث عنه الرياض، وبالتالي فان الحجج السعودية واهية، وها هي الامارات والبحرين وعمان والاردن ومصر والعالم بمعظمه عاد الى سوريا، والعديد من هذه الدول ليس على علاقة جيدة مطلقا مع ايران، و في المقابل «تلهث» الرياض اليوم وراء عودة علاقاتها مع طهران، وعليها ان تدرك ان «التحولات الكبرى في المنطقة ليست لصالحها وادوارها العربية والفلسطينية والاسلامية تراجعت وفقدت رياديتها، ولا تملك القدرة على فرض شروطها»، اما بالنسبة لقطر، فان سوريا ترفض كل المحاولات والمبادرات القطرية الايجابية تجاهها، وغير متحمسة لأعادة العلاقات معها حاليا أو فتح اية خطوط مباشرة او غير مباشرة، رغم علاقات ايران الجيدة مع الدوحة، وهذا تأكيد على استقلالية النهج السوري، وهو السبب الاساسي للرفض القطري حضور دمشق للقمة العربية.
وفي الخلاصة، سوريا تعرف جيدا ماذا تريد، وتعرف المتغيرات، ومنفتحة على كل الجهود التي تساهم في استقرارها دون التخلي عن ثوابتها، وتعاملت بايجابية مع الجهود الايرانية لفتح خطوط التواصل مع انقرة، ومنفتحة ايضا على الجهود العربية لاعادة علاقاتها مع الرياض وكل الدول العربية بشروطها ايضا، لكن المشكلة ان صمود سوريا يزعج الآخرين، كونها الدولة الوحيدة القادرة حتى الآن رغم كل ما اصابها، على اسقاط مشاريع التطبيع وتعرية كل اللاهثين وراء الصلح مع كيان العدو. وهنا المشكلة الحقيقية.
المصدر:”الديار – رضوان الديب”
**