بيان «الإدانة» الذي تبرّع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبد الله بوحبيب بتقديمه في حق عملية مسيّرات المقاومة فوق حقل «كاريش» المتنازع عليه واعتبارها «أمراً غير مقبول وخارج إطار مسؤولية الدولة»، صوّر لبنان «معتدياً» على «إسرائيل» ومهرولاً لطلب الصفح منها، لكنه، في هذه الحالة تحديداً، نزع صفة الاعتداء عن دولة الاحتلال، ما يُعدّ خطيئة تقنية فادحة بحسب القانون الدولي، وليس وفق حقوق الشعوب في مقاومة الاحتلال فحسب.
فوفقاً لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار الصادرة عام 1982 وخصوصاً المواد المتعلقة بحريّة التحليق جواً، فإن «إسرائيل» هي من بادرت بالاعتداء على لبنان، حين اتخذت قراراً من طرف واحد بإسقاط مسيّرات تُعرّف تقنياً بأنها «طائرات مدنية غير مأهولة». ورغم أن جهة سياسية لبنانية ممثلة في مجلسَي النواب والوزراء هي من قامت بإطلاقها في مهمة «غير قتالية» وبغرض الاستطلاع، إلا أن ذلك لا يُغيّر في أصل القضية، كما أن المسيّرات، باعتراف الجهة المسؤولة عنها في بيان رسمي وباعتراف كيان الاحتلال أيضاً، لا تشكل أي خطر كونها «غير مسلحة»، وكانت تحلّق فوق المنطقة الاقتصادية الخالصة لغايات غير هجومية، في منطقة أعطى قانون البحار الدول حرية التحليق والملاحة فيها. إذ إن المادة 87 من «اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار» تعتبر أعالي البحار مساحة مفتوحة لجميع الدول، ولها حق ممارسة حرية التحليق والملاحة فيها، وحرية تمديد الكابلات وخطوط الأنابيب. وفسّرت المادة 57 من الاتفاقية نفسها ماهية المنطقة الاقتصادية الخالصة وحدّدت أنها تمتد إلى مسافة 200 ميل بحري من خط الأساس للدولة الساحلية.
عملياً، يقع حقل «كاريش» المتنازع عليه في المياه الاقتصادية الخالصة، أي خارج المياه الإقليمية لفلسطين المحتلة، ولا يرتّب أي تحليق لطائرات أو إبحار لمراكب لأيّ جهة كانت عواقب قانونية، كما لا يستدعي طلب إذن من أي جهة، شرط أن ينحسر أي نشاط بعيداً عن قطر 500 متر من المنشآت المقامة في هذه المنطقة، بحسب المادة 60 / الفقرة 5 من الاتفاقية التي أصبحت عرفاً في القانون الدولي على كل الدول احترام بنودها حتى لو لم تكن منضمة إليها. أما في حال وجود جزر اصطناعية أو منشآت (كمنشآت النفط والغاز) فتكون مسافة الـ 500 متر «منطقة عازلة» لتوفير خدمات الحماية. ومع أن العدو عمل على توسيع «منطقة الحماية» حول «كاريش» ومنصة الاستخراج ثلاثة أضعاف إلى قطر 1500 متر مخالفاً بذلك القانون الدولي، غير أن تحليق المسيرات، وفقاً لإعلام العدو نفسه، لم يبلغ منطقة الـ 1500 متر، مقراً بأن منطقة الاعتراض كانت جنوب الخط 23، أي عملياً إلى الشمال من الخط 29 اللبناني الوارد ذكره في محاضر مفاوضات الناقورة غير المباشرة، وفي المنطقة التي يعتبرها لبنان متنازعاً عليها بموجب رسالته إلى الأمم المتحدة بتاريخ 28 شباط 2021.
فكيف يسكت المسؤول اللبناني عن خرق «إسرائيل» والعمل في منطقة يعتبرها رسمياً «متنازعاً عليها»، ويعمد إلى تبرير انتهاك العدو للقانون الدولي بتدمير تحليق طائرات مدنية في المياه الدولية؟
التسرع في التقدير والانصياع للضغوط السياسية التي مارستها الولايات المتحدة، إضافة إلى عدم الإلمام بمحتوى القوانين والاتفاقيات الدولية من جانب المسؤولين اللبنانيين، حرم لبنان فرصة رفع شكوى أمام الأمم المتحدة بحق العدو الإسرائيلي لقيامه بـ:
1- إسقاط مسيّرات مدنية لبنانية غير مسلحة في المنطقة الاقتصادية الخالصة أو في المنطقة التي يعتبرها لبنان «موضع نِزاع».
2- الاعتداء على حرية الحركة والملاحة والتحليق التي يكفلها القانون الدولي (اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار).
3- تهديد المسؤولين الإسرائيليين باجتياح لبنان والتسبب بزيادة وتيرة التصعيد في المنطقة.
4- الإضرار بصورة لبنان أمام المجتمع الدولي.
5- ممارسة العدو حرّية التحليق والإبحار بطائراته ومراكبه المسلحة في منطقة يعتبرها لبنان رسمياً «متنازعاً عليها»، وحرمان لبنان من حق التأكد من أن العدو لا يسرق النفط والغاز من المنطقة التي له حقوق اقتصادية فيها.
المصدر: “الاخبار – عبدالله قمح”
**