درجت في لبنان في الفترة الأخيرة عروضات يعلن فيها التجار قبول الدفع بالبطاقة المصرفية بنسبة 100 %، والمُلفت انّ هذه العروضات تلقى إقبالا كثيفا من قبل المواطنين الذين يتهافتون لإخراج اموالهم العالقة في المصرف بأي وسيلة، خالقين بذلك حركة اقتصادية صغيرة يستفيد منها بعض التجار لتحقيق اهداف محددة.
التاجر المحظوظ اليوم هو الذي لا يزال يقبل بأن تكون طريقة دفع الزبون لديه بواسطة البطاقة المصرفية، لذا تنحصر اختيارات المودع الذي يعاني من احتجاز امواله في البنك بالتسوّق من المتاجر التي ستساعده على اخراجها. وعليه، تغلب اليوم عروضات قبول الدفع بالكارت على غيرها من العروضات مثل حسومات لغاية 50 او 70% شرط الدفع كاش او عروضات «اشتري واحدة واحصل على الثانية مجاناً» شرط الدفع كاش.
وقد لوحظ انه في الآونة الاخيرة كثرت المتاجر التي تعرض قبول الدفع بواسطة البطاقة المصرفية بنسبة 100% لفترة محددة ولا سيما السوبرماركت، فيتهافت المواطنون على تخزين السلع الاستهلاكية والمواد الغذائية حتى لو لم تكن هناك حاجة فورية اليها، وما الضير في ذلك ما دامت كل البيوت تحوّلت منذ عامين الى سوبرماركت صغيرة، فهذا الحل يبقى افضل من ابقاء الاموال عالقة في المصارف. بمعنى آخر، باتت السلع الاستهلاكية ذات قيمة أكبر من اموال عالقة في المصرف تخسر يوميا من قيمتها. على سبيل المثال، مليون ليرة عالقة في البنك تشتري اليوم 10 سلع من السوبرماركت بينما اذا بقيت عالقة حتى الاسبوع المقبل فإنّ المبلغ نفسه يشتري 6. وقد اطاح الاقبال على عروضات الدفع الكامل بالكارت بعملية المقارنة بالاسعار بين سوبرماركت واخرى فما عاد المستهلك يكترث لفروقات الاسعار واين يجدها أرخص ولا للحسومات التي تعرضها سوبرماركت أخرى تقبل بـ 50% بالكارت فقط، فالأهم اخراج الاموال من المصرف بأي طريقة.
ويؤكد نقيب اصحاب السوبرماركت نبيل فهد انّ عروضات قبول الدفع بالكارت التي تقدمها بعض السوبرماركات تلقى تجاوبا كبيرا من المستهلكين لأنها تعكس حاجتهم لتسييل اموالهم العالقة في المصارف، كما هي مؤشر لصعوبة الاوضاع الاقتصادية وحاجتهم الكبيرة للسيولة.
وكشف فهد لـ«الجمهورية» انّ بعض المسؤولين سبق وطرحوا على اصحاب السوبرماركات اضافة عمولة على المستهلك الذي يريد ان يدفع فاتورته بالكامل بواسطة البطاقة المصرفية، الا اننا كنقابة رفضنا ذلك وشددنا على ان تبقى اسعارنا نفسها لكل الزبائن فمن غير المقبول ان تزيد الاسعار وفق طريقة الدفع.
ولاحظ فهد انه خلال فترة عروضات القبول بالكارت التي تقام في السوبرماركت يكون الاقبال على كل انواع السلع من دون استثناء، لا سيما اذا كانت هناك قدرة على شراء سلع لا تتقيّد بتاريخ استهلاك مثل: الشامبو وادوات التنظيف والمحارم اضافة الى الادوات المنزلية اذا توفّرت مثل الصحون والكبايات… تابع: بنتيجة الوضع يحاول المستهلك اخراج وديعته من المصرف بكل الوسائل المتاحة لأنه من جهة يخسر من قيمتها ومن جهة أخرى هو غير قادر على اخراجها بطريقة اخرى.
خارج الاقتصاد الطبيعي
من جهته، يقول عضو المجلس الاقتصادي الاجتماعي عدنان رمال لـ«الجمهورية»: في السابق لم تكن لدينا مشكلة مع الودائع ومع السيولة وكان النظام المالي يسير بسلاسة خصوصا النظام المصرفي اللبناني، ويومها كان كلما اراد التاجر ان يحرّك السوق او جَذب الزبائن او تحقيق الايرادات التي يصبو اليها يقدّم عروضات وحسومات على البضائع. اليوم في لبنان بتنا خارج النظام الاقتصادي الطبيعي المألوف وخارج اي معايير عالمية معروفة، وفي الوقت نفسه نعاني الركود الاقتصادي بسبب تراجع القدرة الشرائية. لذا، لا يمكن للتاجر ان يقدم حسومات على المبيع والقبول في الوقت عينه بالبطاقة المصرفية. لذا، وبهدف تشجيع المستهلكين على الشراء يعلن قبوله الدفع بالبطاقة المصرفية كمَن يقول للمستهلك تعال واصرف اموالك العالقة في المصرف لديّ فأنا اقبل بالبطاقة 100%.
وعن هدف التاجر من هذا النوع من العروضات يقول رمال: تلقى هذه الخطوة رواجا واقبالا من المستهلكين لا سيما في الاونة الاخيرة، فعوض ان يعرض التاجر حسومات على البضاعة بات يعرض قبول الدفع بالبطاقة المصرفية 100%. بدورها، تلجأ الشركات التجارية الى خيار من اثنين: امّا ان تبيع الاموال التي حصّلتها على شكل شيكات في السوق وفي هذه الخطوة خسارة ما بين 20 الى 30% حسب تسعيرة السوق، او تستعمل الشيكات لتسديد ديون متوجبة للمصارف او لدفع مستحقات تقبل الشيكات المصرفية مثل دفع الضرائب، الرسوم الجمركية والمرفئية، رسوم بلدية، فواتير الهاتف، الضمان الاجتماعي… لافتاً الى ان كل الجهات التي لا تزال تقبل الدفع بالبطاقة المصرفية او الشيكات هي في غالبيتها للقطاع العام.
أما عن قيمة المبالغ النقدية التي يسمح للشركات التجارية سحبها من المصارف شهرياً فيقول رمال: انها تتراوح ما بين 5 الى 25 مليون ليرة بالحد الاقصى وذلك وفق حجم الشركة، لذا ترفض غالبية الشركات القبول بالبطاقة المصرفية لأنّ هذه المبالغ تعتبر زهيدة جدا ولا تكفي حتى لتسديد ثمن المحروقات، مؤكداً ان السير بهذا النوع من العروضات بشكل دائم يكبّد التاجر خسائر لا يمكنه تحملها بحيث انّ تسييله لـ 100 مليون ليرة من البنك سيخسره 25 مليوناً، ولا توجد سلعة تؤمّن ربحاً للتاجر بنسبة 25% في المئة.
المصدر: الجمهورية – ايفا ابي حيدر
**