كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول: يدخل لبنان اسبوع تأليف الحكومة الجديدة استناداً الى المشاورات النيابية والسياسية غير الملزمة التي سيجريها الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي في مجلس النواب وخارجه اليوم وغداً وبعده، وسط توجّه إلى الأسراع في التأليف لأنّ “ترف الوقت” لم يعد متاحاً امام الجميع، حسبما كان أعلن ميقاتي إثر تكليفه، وهو يطمح الى تأليف حكومة جامعة اذا تسنّى له، وإذا تعذّر عليه ذلك سيذهب الى خيارات اخرى، منها ان تكون حكومته الحالية منقّحة او معدّلة بتغيير بعض الوجوه فيها تبعاً لطبيعة المرحلة والمشاورات التي سيجريها مع المعنيين، وذلك في حال ظلّ الذين لم يسمّوه في الاستشارات على رفضهم المشاركة في الحكومة حسبما كانوا اعلنوا قبل اعلانه “اليد الممدودة” وبعده. ويُنتظر ان تجري المشاورات على وقع اضراب موظفي الإدارات العامة المفتوح، الذي من شأنه إذا لم يُعالج، ان يحول دون قبض الموظفين في القطاع العام والمؤسسات العسكرية والأمنية رواتبهم نهاية الشهر الجاري.
علمت “الجمهورية”، انّ ميقاتي سيستمع في الاستشارات النيابية اليوم في مقرّ المجلس النيابي في ساحة النجمة إلى مقاربات الكتل والنواب لشكل الحكومة الجديدة ومهماتها، علماً انّ التجارب دلّت الى أنّ الأهم يكمن في المشاورات السياسية التي تبدأ في الكواليس بعد انتهاء الاستشارات البروتوكولية.
وعُلم ايضاً انّ استشارات ميقاتي ستشمل 129 نائباً وليس 128، اما النائب الإضافي “مجازاً”، فهو المجلس الاقتصادي الاجتماعي الذي سيحضر بهيئته الادارية بناءً على دعوة الرئيس المكلّف الذي أراد توسيع بيكار المداولات والاستماع الى رأي المجلس المعني، انطلاقاً من موقعه وتركيبته، بالمساهمة في الخروج من النفق.
إلى ذلك، قالت اوساط سياسية معارضة لـ”الجمهورية”، انّ استشارات التأليف ستنطلق اليوم وسط ثلاثة سيناريوهات أساسية يتمّ الحديث عنها في الصالونات السياسية والإعلام:
ـ السيناريو الأول، يرتكز على فكرة انّ الرئيس المكلّف لن يشكّل حكومته الرابعة، فيحافظ على صفتي رئيس مكلّف ورئيس حكومة تصريف أعمال لثلاثة أسباب أساسية:
ـ السبب الأول، كونه يدرك تعقيدات التأليف وما يثيره من انقسامات وخلافات سعياً إلى حكومة ستتحوّل سريعاً حكومة تصريف أعمال، فيما حكومته الحالية في إمكانها القيام بهذه المهمة على أفضل وجه، خصوصاً انّها منسجمة ولم تبرز الخلافات داخلها، فلماذا يستبدلها بحكومة سياسية وغير مضمونة والوقت لن يسعفها لممارسة دورها الأصيل.
ـ السبب الثاني، كون ميقاتي يفضِّل التفرُّغ لمعالجة الأزمة المالية والتفاوض مع صندوق النقد الدولي بدلاً من التفاوض مع القوى السياسية حول تأليف حكومة غير مضمون تأليفها في هذه الفترة القصيرة الفاصلة عن نهاية ولاية الرئيس ميشال عون، لأنّ التفاوض الأول قد يخفِّف من حدّة الأزمة المالية، فيما التفاوض الثاني يؤدي حكماً إلى مفاقمتها.
ـ السبب الثالث، كونه يدرك انّ مطالب فريق العهد لا تعدّ ولا تحصى في آخر حكومة في هذا العهد، ومجرّد التفاوض معه يعني الاصطدام بشروطه ومطالبه، والوصول إلى تأليف حكومة سيعطي الانطباع بأنّه انصاع لشروط العهد، الأمر الذي ينعكس سلباً على ميقاتي داخل البيئة السنّية وامتداداتها الخليجية.
ـ السيناريو الثاني، ان يتقاطع “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” على ممارسة الضغوط السياسية على الرئيس المكلّف من أجل تأليف حكومة تلبّي شروطهما السياسية، حيث انّ الحزب يريد ان يطوي صفحة حكومات الاختصاصيين التي فرضتها الثورة ولو مع حكومة عمرها قصير، والهدف من القطع مع هذا النوع من الحكومات هو الربط مع العهد المقبل الذي يجب ان تبدأ انطلاقته بحكومة سياسية بامتياز، فيما حسابات التيار تتلخّص بخوض الاستحقاق الرئاسي من موقع متقدِّم حكومياً، وانتزاع ما يمكن انتزاعه من تعيينات تدعِّم وضعيته في المرحلة المقبلة، وان يكون النائب جبران باسيل في موقع من ينوب عن العهد في مرحلة الفراغ الرئاسي. وكل المواقف الصادرة عن “الحزب” و”التيار” تشدِّد على ضرورة التأليف، ولم يُعرف بعد ما إذا كان “الحزب” سيذهب حتى النهاية في سعيه للتأليف، أم سيكتفي بمسايرة التيار، ولن يكون منزعجاً في حال تألفت حكومة جديدة ام لم تتألف.
ـ السيناريو الثالث، ان تتظاهر معظم القوى السياسية بحرصها على تأليف حكومة جديدة تطبيقاً للدستور وتفعيلاً للحياة السياسية وتصدّياً للأزمة المالية، لأنّ حكومة تصريف الأعمال غير قادرة على تحمُّل أعباء الأزمة وتحدّياتها، فيما معظم هذه القوى تدرك في قرارة نفسها صعوبة التأليف في مدة قصيرة، فضلاً عن انّ الأولوية تحولت إلى الانتخابات الرئاسية، التي ستتصدّر من الآن فصاعداً كل المتابعة والنقاش والتحضير والتهيئة السياسية.
وورأت الاوساط المعارضة نفسها، انّه “في مطلق الحالات فإنّ عنوان التأليف سيبقى من العناوين المطروحة بقوة إلى حين الدخول في المدة الدستورية لانتخاب رئيس للجمهورية مطلع ايلول المقبل”.
ميقاتي ولجنة المال
من جهة ثانية، عُلم انّ ميقاتي سيحضر اليوم اجتماع لجنة المال والموازنة النيابية قبل بدء الاستشارات في مقر المجلس النيابي.
ويهدف ميقاتي من المشاركة في هذا الاجتماع إلى حضّ النواب على ضرورة التعجيل في إقرار الموازنة العامة للسنة الحالية ومشاريع أخرى، على قاعدة انّ المطلوب بإلحاح الآن استكمال متطلبات انجاز الاتفاق النهائي مع صندوق النقد الدولي وبالتالي وقف الانحدار نزولاً “وبعد ذلك نختلف حول ما اذا كان يجب أن نتوجّه يميناً او شمالاً”.
ساعات حاسمة للرواتب
إلى ذلك، وفي ذروة الأزمة المعيشية وتردّداتها على مختلف وجوه حياة اللبنانيين، انشغل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ومعه المسؤولون الكبار، من أجل فك الاضراب الذي ينفّذه موظفو وزارة المال المكلّفين إعداد اللوائح الخاصة برواتب القطاع العام من العسكريين في مختلف الاجهزة العسكرية والامنية كما المدنيين منهم، لاستثناء المكلفين بهذه المهمّة من استمرارهم في الإضراب بغية تأمينها في الموعد المعتاد من كل شهر، مع التحذير من أي تأخير في البت بها اياً كانت الظروف الصعبة لا بل المأسوية التي يعيشها موظفو القطاع العام التي تسمح لهم بمثل هذا الاضراب نتيجة انهيار العملة الوطنية وتبخّر قيمة رواتبهم الشهرية.
وكشفت مراجع رسمية معنية بالملف لـ “الجمهورية”، انّ عدم توفير الرواتب سينعكس على المضربين قبل زملائهم من الموظفين في مختلف المؤسسات العامة، وانّ الإتصالات جارية لترتيب بعض الحوافز ولو كانت مؤقتة تمهيداً لإعادة النظر في هذه الرواتب في اسرع وقت ممكن عند أولى المؤشرات على تحسن موارد الدولة المالية.
تمدّد الإضراب
وفي هذه الاجواء، يبدو انّ الإضراب الذي ينفّذه موظفو الوزارات والمؤسسات العامة سيتمدّد للأسبوع الثالث على التوالي، وانّ الاتصالات التي أُجريت حتى اليوم لم تؤتِ ثمارها لإعادة الحركة الى مختلف دوائر الدولة ومؤسساتها العامة والهيئات المستقلة.
وإلى ذلك، أعلنت الهيئة الإدارية لرابطة موظفي الإدارة العامة في بيان، الاستمرار في الاضراب المفتوح، ودعت الى المشاركة في الاعتصام المركزي أمام مرفأ بيروت غداً، وقالت: “اما وقد انقضى الأسبوع الثاني من الإضراب المفتوح بحزم وثبات للموظفين المدافعين عن لقمة عيشهم، وللأسف لم نسمع الّا تذمّراً وتأففاً وانزعاجاً لدى المعنيين بسبب الإضراب، بدلاً من اللجوء الى معالجة اسبابه، ونحن في بداية اسبوعه الثالث نؤكّد مطالبنا المحقّة الواردة في بياناتنا السابقة، ونذكّر من نسي اننا مظلومون ونُسمِع من لم يسمع بعد اننا مصممون على تحصيل حقوقنا”. وشدّدت الهيئة على الاستمرار في الإضراب المفتوح، ودعت الى الاعتصام المركزي الذي سيقام امام مرفأ بيروت عند الساعة 11 من قبل ظهر غد. ودعت كافة روابط وشرائح القطاع العام إلى المشاركة الكثيفة، “كي نكون يداً واحدة للدفاع عن هذا القطاع وضمان استمراريته”.
وفي الوقت الذي اعلنت فيه هيئة إدارة السير والآليات والمركبات عن “إقفال أبوابها للأسبوع الثالث على التوالي بفعل استمرار إضراب موظفي المالية التزاماً بقرار رابطة موظفي القطاع العام”، إعتذرت عن “استقبال كافة أنواع المعاملات باستثناء إجراء امتحانات السوق المحدّدة سابقاً في كافة المراكز لمنع تراكمها، على أن يصدر بيان حول ظروف العمل للأسبوع المقبل في حينه”.
تزامناً، كشف أمين “الهيئة الوطنية لمتقاعدي القوى المسلحة” عماد عواضة في بيان، أنّ “المتقاعدين العسكريين يستعدون لتحركات واسعة في كل المناطق وإقامة خيم والبدء باعتصامات مفتوحة، بالتنسيق مع الاتحاد العمالي العام والنقابات العمالية والمهنية ومتقاعدي القطاع العام في الإدارات العامة والأساتذة.
إضراب تحذيري
وعلى المستوى عينه، دعت نقابة موظفي مصرف لبنان إلى جمعية عمومية طارئة صباح اليوم، وذلك للتشاور واتخاذ الموقف الذي تراه مناسباً للموظفين إزاء “الإجراءات التي تُتخذ في حق مصرف لبنان وموظفيه على يد القاضية غادة عون، والتي تتعارض مع الأصول القانونية”، وفق البيان.
وفي هذا الاطار، قالت مصادر النقابة انّها تتجّه الى التوقف عن العمل ليوم واحد تمهيداً لإضراب مفتوح يشلّ الحياة المصرفية في لبنان ما لم يتدخّل مجلس القضاء الأعلى ووزير العدل لوضع حدّ لتصرفات القاضية عون، “خصوصاً وأنّ هناك طلبات ردّ لا تقبلها، وهناك دعوى مخاصمة مقدمة ضدّها ترفض استلامها، ولا تحترم القانون خلال التحقيقات التي تكون مذلّة مع المدراء والموظفين، ونواب حاكم مصرف لبنان”.
زيارة دوكان
وفي الوقت الذي تردّدت معلومات عن رسالة فرنسية جديدة هي في طريقها الى لبنان يحملها المكلّف تنفيذ مقرّرات مؤتمر “سيدر واحد” بيار دوكان الى بيروت، شكّكت مراجع رسمية عبر “الجمهورية” بوجود أي موعد محّدد لهذه الزيارة. وقالت انّ زيارة دوكان واردة في اي وقت. فهو يتابع أي تطور على خط العلاقات بين بيروت وباريس، بما يعني الشؤون الاصلاحية والمالية والادارية، لكن ليس هناك أي معلومات عن زيارة له في ظلّ استقالة الحكومة وفي مثل الظروف الحالية.