كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول: على الرغم من أنّ إسم الرئيس نجيب ميقاتي، هو المتقدّم في نادي المرشحين لتشكيل آخر حكومة في عهد الرئيس ميشال عون، فإنّ الأجواء السابقة لاستشارات التكليف المحدّدة بعد ثلاثة ايام، تصعّب إمكانية الحسم المسبق لإسم الشخصية التي سيرسو عليها التكليف بعد ظهر الخميس المقبل.
هي المرة الأولى في تاريخ الاستشارات النيابية الملزمة التي يبقى فيها اسم الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة في عالم المجهول، وإن كانت الترجيحات المرتبطة بهذا الإستحقاق ما زالت تغلّب إمكان إعادة تكليف الرئيس ميقاتي، الّا انّ لا شيء محسوماً حتى الآن، في ظلّ الغموض الذي يحيط بمواقف غالبية الكتل والتوجّهات النيابية. وكذلك في ظلّ زحمة اتصالات تجري على أكثر من صعيد للتنقيب عن تلك الشخصيّة من بين مجموعة من أسماء يتمّ التداول فيها داخل الغرف المغلقة.
الواضح حتى الآن، انّ هذه الإتصالات لم ترسُ بعد، على شخصية معيّنة، وخصوصاً انّ أطرافها، وإن كانوا يشكّلون جبهة اعتراضية في وجه ميقاتي، تمتدّ من «التيار الوطني الحر» إلى سائر القوى التي تسمّي نفسها سيادية وتغييرية، لا يتقاطعون على اسم شخصية محدّدة، حيث انّ كل طرف يسعى الى تمرير مرشّحه، على اعتبار انّه يمتلك المواصفات التغييرية التي تؤهّله لقيادة المرحلة وتحدّياتها.
أوراق مستورة
وعلى ما تقول مصادر سياسيّة مطلعة لـ«الجمهورية»، انّ «استشارات الخميس تبدو وكأنّها قد أُدخلت في لعبة «أوراق مستورة»، يُظهر فيها كل طرف نفسه وكأنّه ينام على إسم معيّن ليفرج عنه يوم الاستشارات. الّا انّ الاجواء السائدة في هذه اللعبة لا توحي حتى الآن بوجود شخصيّة يمكن اعتبارها منافساً جّدياً للرئيس ميقاتي في استشارات الخميس، وربما يكون مرد ذلك انتظار «كلمة سرّ» تهمس بها «مصادر الوحي» الداخلية والخارجية.
وضمن سياق هذه اللعبة، تعكس الوقائع المتلاحقة على مشهد الاستشارات، انّ الجسم النيابي منقسم على نفسه. وفي هذا السياق، تتحدث مصادر واسعة الاطلاع لـ»الجمهورية» عن ضفتين:
– الضفة الاولى، حسمت خيارها مع ميقاتي، يتقدّمها الثنائي الشيعي وحلفاؤهما المباشرون، وترى ضرورة إعادة تكليفه تشكيل الحكومة، بما يمثله، وهو وإن كان خارج البرلمان، فذلك لا يعني انّه لا يمثّل بعداً شعبيّاً وسنيّاً مشهوداً له، خلافاً لشخصيات أخرى بعضها «مغمورة» لا وزن لها ضمن طائفتها، وبعضها الآخر «مطواعة»، يجري إسقاطها بـ«باراشوت السياسة والحسابات الشخصية» على رئاسة الحكومة، ليس فقط من باب النكاية الشخصية بميقاتي، بل من باب أخطر، وهو الاستئثار بالحكومة واحتواء رئيسها في هذه المرحلة، وهذا من شأنه ان يشكّل استفزازاً صارخاً للطائفة السنّية.
ماذا يريد التيار؟
وإذا كان ثمة في هذه الضفّة من يقارب استشارات الخميس بتفاؤل حذر حيال إمكان نيل الرئيس ميقاتي أكثرية توجب تكليفه تشكيل الحكومة، الّا انّ هؤلاء يرسمون علامات استفهام حول موقف «التيار الوطني الحر» ورئيسه جبران باسيل، «فحتى الآن لا نعرف ماذا يريد من تصعيده الذي بدأه مع انتخابات رئاسة المجلس النيابي، ويكمله الآن في استشارات التكليف، بالحملة الشرسة على الرئيس ميقاتي في الوقت الحرج الذي يتطلب فيه البلد أعلى درجات الهدوء والاستقرار السياسي».
كما انّ هؤلاء الذين يتفهمون مواقف «القوات» و«الكتائب» و«التغييريين»، يعكسون شعورهم بـ»النقزة» من موقف «الحزب التقدمي الاشتراكي» ورئيسه وليد جنبلاط، ولا يخفون خشيتهم من ان تجري رياح «اللقاء الديموقراطي» يوم الاستشارات النيابية الملزمة في الاتجاه الآخر. حيث انّ من شأن ذلك ان يفتح البلد، ليس فقط على تكليف جديد، بل على واقع جديد حافل بتداعيات واحتمالات، أقلّها وضع مصير الحكومة الجديدة في دائرة التعطيل.
– الضفة الثانية، إعتراضية لاسباب مختلفة، منها ما هو مرتبط بالعاملين السياسي والشخصي، كما هو الحال بين «التيار الوطني الحر» وميقاتي، ومنها ما هو مرتبط بمواقف وبعوامل سياسية، لا تقتصر امتداداتها على الداخل فقط، وهنا يندرج موقفا «القوات اللبنانية» و«الحزب التقدمي الاشتراكي». ومنها ايضاً ما يرتبط بالاعتراض المبدئي والمعلن سابقاً، الذي عبّر عنه فريق النواب «التغييريين»، بأنّهم لن يسمّوا أي شخصية سبق أن كان لها دور او موقع في السلطة وفي التسبّب بالأزمة على ما يقولون.
بازار .. ومناورات!
على أنّ اللافت للانتباه، ضمن الضفة الثانية، ما بدا أنّه بازار مفتوح على محاولة صياغة تحالفات معلنة او غير معلنة، بين الأضداد، لقطع طريق التكليف أمام ميقاتي.
ويتبدّى ذلك جلياً في محاولات مباشرة وغير مباشرة للتقاطع حول اسم معيّن بين «التيار الوطني الحر» وقوى تغييريّة وسيادية. وتردّدت معلومات عن انّ الاتصالات بين «التيار» ونواب تغييريين قد بلغت مرحلة متقدّمة.
ويتزامن ذلك مع ما تبدو أنّها «مناورات» يقوم بها بعض الاطراف، عبر طرح اسماء معيّنة، لتقدير مدى قدرتها على جذب أطراف لتسميتها، وخصوصاً انّ لبعض هذه الاسماء مقبولية لدى بعض الأطراف. وكانت لافتة للانتباه امس، بادرة نواب تغييريّين إلى طرح اسم السفير السابق نواف سلام، في الوقت الذي تجري فيه محاولات في هذا الجانب لتسويق مجموعة اسماء مثل صالح النصولي، خالد زيادة، والمسؤول في صندوق النقد الدولي عامر البساط، الذي قيل انّه يُجري لقاءات واتصالات لبحث إمكانية تسميته لرئاسة الحكومة.
هل ستجري الاستشارات؟
وإذا كانت الصالونات السياسية على اختلافها منهمكة بالهمس بأسماء المرشحين لرئاسة الحكومة، الّا انّه في موازاة ذلك، فإنّ بعض الاوساط السياسية، لا تزال تزرع شكوكاً حول إمكان إجراء الاستشارات في موعدها، وذلك ربطاً بالتناغم الكلي بين موقف رئيس الجمهورية وموقف تياره السياسي الذي يعارض إعادة تكليف ميقاتي.
وبحسب ما يتردّد في تلك الاوساط، فإنّ عدم وجود مرشح قوي في وجه ميقاتي متبنّى من غالبية نيابية مرجحة له، كما انّ وجود اكثر من مرشّح، فمعنى ذلك انّ كفّة التكليف في الحالتين ستميل حتماً لصالح ميقاتي، وهو امر قد يعزز احتمال ان يبادر رئيس الجمهورية ميشال عون، انسجاماً مع موقف تياره، إلى تأجيل موعد الاستشارات، بذريعة إجراء المزيد من الاتصالات والمشاورات، كما فعل في حالات سابقة، وتحديداً مع الاستشارات الملزمة التي سبقت تكليف الرئيس سعد الحريري. ويومها أجّل الاستشارات بناءً على رغبة كتلة حزب «الطاشناق».
إلى ذلك، قال مرجع مسؤول لـ«الجمهورية»: «نسمع الكثير من التساؤلات حول مصير الاستشارات الملزمة، وما إذا كانت ستجري في موعدها، او انّ امراً ما سيطرأ في آخر لحظة يضعها امام احتمال التأجيل، وإن كانت هذه الاسئلة مبرّرة، فإننا لا نرى ما يوجب التأجيل، علماً انّه حتى الآن لا توحي اجواء القصر الجمهوري بشيء من هذا القبيل، ولكن لدينا تجارب سابقة، تبقي كل الاحتمالات واردة، وأي تأجيل معناه المزيد من التعقيد».
موقف دار الفتوى
وفيما تكثفت اللقاءات النيابية التي يجريها السفير السعودي في لبنان وليد البخاري في هذه الفترة، شهدت دار الفتوى حركة زيارات نيابية ملحوظة في الساعات الماضية، سعياً للوقوف على موقف دار الفتوى من الاستشارات الملزمة، وأي المرشحين لرئاسة الحكومة الذي يحظى برعايتها.
وفي وقت اكّدت فيه مصادر قريبة من دار الفتوى لـ«الجمهورية»، انّ «الدار تنأى بنفسها عن موضوع الاستشارات ولا تتبنى مرشّحاً معيناً»، لفت ما صدر عن مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، حيث اكّد «انّ «الاستشارات النيابية في القصر الجمهوري لتسمية رئيس مكلّف بتشكيل الحكومة هي أمانة لاختيار من لديه حكمة ومعرفة، ولديه رؤية واضحة لمعالجة الوضع الصعب الذي يمرّ فيه لبنان».
وشدّد دريان على «انّ دار الفتوى هي «حاضنة لكل اللبنانيين، ولا تفرّق بين أحد من أبنائها، وتتعامل معهم على أساس الإخوة والمحبة والاحترام والإرشاد والتوجيه، لتأكيد ما تسعى إليه من احتضان مختلف الطاقات والقدرات والكفاءات اللبنانية المميزة، في سبيل النهوض بلبنان من كبوته وأزماته، التي نسأل الله تعالى أن يجعل لها فرجاً ومخرجاً عمّا قريب».
ودعا المفتي دريان الأطياف السياسية كافة التي تتمثل في المجلس النيابي، إلى «توحيد الصف والكلمة لتمرير تسمية رئيس مكلّف لتشكيل الحكومة، التي يكون على عاتقها متابعة تحقيق الإصلاحات المطلوبة لإخراج لبنان من أزماته المالية والاقتصادية والاجتماعية والمعيشية والوصول الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية».
وتوجّه الى النواب بالقول:«عززوا وحدتكم وتضامنوا وتكاتفوا، واجعلوا مصلحة لبنان نصب أعينكم وأول أهدافكم».
«أمل»
إلى ذلك، ومع اقتراب الاستشارات الملزمة، دعت حركة «أمل» في بيان لمكتبها السياسي أمس، إلى عدم تضييع الوقت الذي لا يملك لبنان ترفه، وإلى عدم الدخول في متاهات التسويف والمماطلة والشروط والشروط المضادة في الفترة المتبقية للاستحقاق الرئاسي، لأنّ البلد لم يعد يحتمل خسارة أي فرصة».
ودعت الاطراف السياسية إالى «وضع عنوان للمرحلة المقبلة هو ماذا نريد من الحكومة العتيدة؟ وليس بحث كل طرف عن مصلحته في اي حكومة، خصوصاً انّ الوضع الاجتماعي المتأزّم الى أقصى الحدود، والانهيار الاقتصادي الذي يضرب كل القطاعات، يستوجبان الإسراع في ورشة حكومية جدّية، تضع خارطة طريق واضحة للاصلاحات الداخلية والمطلوبة من المجتمع الدولي، وإعادة النزر سريعاً في خطة التعافي الاقتصادي وإقرارها وفق الاصول، بما يسمح بقيامة لبنان من عثراته وحفظ حقوق الناس».
واستغربت طريقة تعاطي حكومة تصريف الاعمال مع الأزمات وتجاهل اضراب موظفي القطاع العام، ودعت إلى تفعيل أجهزة الرقابة والمحاسبة الفورية للتجار والمحتكرين وللكارتيلات التي تستسهل المتاجرة بلقمة عيش المواطن.
وحذّرت من «خطورة المرحلة المتأزّمة التي تستوجب تضامناً وطنياً جامعاً، لمواجهة ما يُرسم في دوائر القرار للمنطقة، والسعي الفعلي والجدّي لحفظ لبنان وثرواته ومصالحه الحيوية ودوره وموقعه». وشدّدت على «ضرورة تماسك الموقف اللبناني في مقاربة ملف ترسيم الحدود وحماية الحقوق، والمباشرة فوراً في الإجراءات التطبيقية للبدء في التنقيب عن الغاز».
«حزب الله»
من جهته، أعلن رئيس «كتلة الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد حول موضوع الاستشارات النيابية، انّ الكتلة «سوف تدلي بدلوها وتسمّي الرئيس الذي تراه مناسبًا لإدارة المرحلة الحكومية الراهنة دون توهّم، أنّه سيكون من الأولياء أو من الملائكة، لكن من الضروري أن يكون منفتحًا على المعالجات الواقعية وفي الوقت نفسه أن يعرف قدر وأهمية المقاومة في حماية البلاد وخطورة أيّ تفريط برصيدها ودورها الوطني الضروري للبنان واللبنانيين».
واشار الى أنّ «لبنان يعاني من أزمة على الصّعد كافة». وقال: «من المفروض علينا بعد انتهاء الانتخابات النيابية أن نتصدّى لهذه الأزمة ونجد الحلول للمشاكل التي تدهم كل بيت، بدءًا من غلاء المعيشة وارتفاع اسعار السّلع والمواد وتفلّت سعر صرف الدولار وعدم استقرار الوضع الاجتماعي والاقتصادي والتربوي، وصولاً إلى أزمة أقساط المدارس وكلفة النّقل ومستحقات المعلمين، إضافةً الى عجز الكثيرين عن تسجيل أولادهم في المدارس».
أضاف: «إنّ حسن استثمارنا لثروة الغاز الواعدة في مياهنا الإقليمية هو المدخل المتاح والمعوَّل عليه قي السّنوات المقبلة لحل مشاكل بلدنا والنهوض بأوضاعه».
ودعا الى «الكفّ عن تعطيل المشاريع وعرقلة تنفيذها»، معتبراً أنّ «تأمين الكهرباء هو أوّل الأولويات، وعلى الحكومة أخذ ذلك على عاتقها بأقل كلفة وأسرع وقت».
ميقاتي: النازحون
من جهة ثانية، دعا رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، «المجتمع الدولي، إلى التعاون مع لبنان لإعادة النازحين السوريين إلى بلدهم، والّا فسيكون للبنان موقف ليس مستحباً على دول الغرب، وهو العمل على إخراج السوريين من لبنان بالطرق القانونية ، من خلال تطبيق القوانين اللبنانية بحزم».
وقال ميقاتي الذي كان يتحدث خلال رعايته في السرايا الحكومية امس، اطلاق «خطة لبنان للاستجابة للأزمة لعام 2022-2023» بدعوة من وزارة الشؤون الاجتماعية، «تحمّل لبنان عبئًا ضاغطاً لا يُحتمل بسبب وجود أكثر من 1.7 مليون نازح سوري ولاجئ فلسطيني يعيشون في جميع أنحاء البلاد اي في 97% من البلديات في كل لبنان. واستقبلنا النازحين السوريين بحفاوة وقناعة، هذا هو واجبنا الإنساني. وقد أظهر لبنان أعلى مستويات الاحتضان والضيافة للنازحين السوريين، على الرغم من حقيقة ضعف وهشاشة مجتمعاتنا المضيفة التي تزداد حاجة وعوزاً».