لا شك في أنّ هناك مسؤولية جسيمة على المصارف في الإنهيار المالي والنقدي، وحجز أموال المودعين. ومن الواضح أن المصارف التجارية أخذت على عاتقها المخاطر السيادية للدولة اللبنانية، واستثمرت منذ سنوات بل منذ عقود في سندات الخزينة بالعملة الوطنية أو بالاوروبوندز بالعملات الصعبة، واستفادت من فوائد وأرباح باهظة.
كانت المصارف تمتلك إيداعات واحتياطياً في البنك المركزي. وكان من المستحيل إستثمار هذه الأموال في الخارج. وعلينا أيضاً أن نذكّر أنه حين لوّحت جمعية المصارف في العام 2014 بوقف تمويل الدولة، دُعي البعض إلى التحقيق الجزائي وحتى التهديد المباشر.
إن هدف أكثرية اللبنانيين اليوم هو لا شك استرجاع الودائع، ولو حتى على المدى المتوسط والبعيد. لكن هناك هدفاً آخر، هو إفلاس المصارف والقطاع المصرفي لأغراض مشبوهة، تتناقض مباشرة مع هدفنا الأساسي. فالهجوم المبرمج والممنهج الأخير، وتحرّك القضاء في هذا الوقت، لا شك في أنه لأسباب شعبوية وليس لأهداف موضوعية.
فبعد سنتين ونصف سنة من الجمود التام بهذه المسالة المصيرية، بعصا سحرية إسمها استحقاقات مقبلة، تحرّك بعض القضاء لإلهاء الناس وإعطائهم وعوداً وهمية من دون أي مردود حتى الآن. لكن هذا الضغط على القطاع المصرفي، يُمكن أن يكون لديه تداعيات خطرة جداً على ما تبقّى من أموال المودعين. لأن هذا الهجوم المؤذي يُمكن أن يُطيح بالعلاقات مع المصارف المراسلة التي تستطيع بدورها وقف التعامل مع المصارف اللبنانية. وهذا يعني النهاية، والقضاء على هذا القطاع المصرفي.
من جهة أخرى، من دون قطاع مصرفي، إنه من المستحيلات، إعادة الدورة الإقتصادية في كل المجالات والقطاعات المنتجة. ومن دون مصارف لن نستطيع أن ندفع ونقبض رواتب وأجورا، ولا نستورد ولا نصدّر ولا نبيع ولا نشتري. فإذا كان إقتصاد الكاش هو الحل المرتقب فهذا أقصى ما يُمكن أن يحدث للبنان والمودعين، لأنه حتى الكاش بالعملات الصعبة سيكون ملوثاً بأيادي التهريب وغسل الاموال وتمويل الإرهاب، ولاستخدامه في الخارج وحتى لإيداعه في أي مصرف دولي.
إن في مشروع الحكومة السابقة، بمساعدة شركات دولية، كان هناك نية لإعطاء 5 رخص جديدة لمصارف تجارية جديدة، لكن حتى هذه الساعة لم نسمع عن أي مغامرة جدية بمؤسسات إقليمية ودولية لتدخل السوق المحلية.
فإذا أردنا حقاً استرجاع الودائع، وحماية المودعين، فهذا المشروع يبدأ لإعادة الدورة الإقتصادية، وإعادة الثقة والنهوض بالشركات الخاصة، ودمج وإنخراط المصارف لتمكينها وتحصينها، ولجذب من جديد استثمارات من الخارج والسيولة بالعملات الصعبة، وإعادة بناء أهم العلاقات مع كل البلدان المجاورة والمستثمرين، لإسترجاع التحويلات في قطاعنا المصرفي، والذي سيؤدي إلى إسترجاع الودائع خطوة بعد خطوة.
إن الهدف الحقيقي لا يجوز أن يكون هجوماً أو دفاعاً عن القطاع المصرفي، لأن إفلاسه سيُفيد فقط أعداء لبنان في الداخل والخارج، ولن يخدم أبداً مصلحة المودعين. فإذا كان ذلك الهدف الأساسي، فهذا لا يستطيع أن يُنجز إلاّ من خلال اقتصاد حرّ ومتين وقطاع خاص متحرّك ومنتج.
**