كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول: يشهد الأسبوع الطالع جملة من التطورات التي ستراوح بين استكمال إنجاز مشروع الموازنة العامة للدولة لسنة 2022 وإحالتها الى مجلس النواب، وبين الاهتمام باستحقاق الانتخابات النيابية التي بدأت الاستعدادات السياسية والانتخابية لها ترتفع وتيرتها، على وقع مواقف دولية تحذّر من عواقب تعطيلها، وبين استكشاف مصير ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، من خلال زيارة الوسيط الاميركي في المفاوضات غير المباشرة بين لبنان واسرائيل في شأن هذه الحدود. وكل ذلك يجري في ظل استمرار الانهيار المالي والاقتصادي، وما يرافقه من تدهور في اوضاع اللبنانيين المعيشية والمالية نتيجة الجشع المستفحل في الاسعار، في ظلّ عجز السلطة الفاضح عن وضع حدّ له.
دخل مجلس الأمن الدولي على خط دعوة السلطة في لبنان إلى «إجراء انتخابات حرّة ونزيهة وشفافة وشاملة كما هو مقرّر في 15 أيار 2022»، وتُضاف هذه الدعوة إلى المواقف الدولية الصادرة بالمفرّق عن مسؤولين غربيين يشدّدون على ضرورة إتمام الانتخابات في وقتها، رفضاً لأي تمديد للمجلس النيابي الحالي تحت اي عنوان.
ومن الواضح، انّ التشديد الدولي على إجراء الانتخابات ستّتسع رقعته في ظل المخاوف من تطييرها من ثلاثة أبواب كَثر الحديث عنها أخيراً:
ـ الباب الأمني، مع حصول اغتيالات او أحداث أمنية تطيح الانتخابات التي لا يمكن إجراؤها وسط أوضاع غير مستقرة أمنيًا.
ـ الباب الاجتماعي، مع دفع الأوضاع المالية والاقتصادية نحو مزيد من التأزُّم وجرّ البلاد إلى فوضى اجتماعية تطيح الانتخابات.
ـ الباب الاغترابي، مع تطيير تصويت المغتربين والعودة إلى الدائرة 16 وما تعنيه من إعادة فتح باب المِهل والتسجيل، فيما الفترة القصيرة الفاصلة عن الانتخابات لا تسمح بذلك، ما يعني تأجيل الانتخابات من هذا الباب او حرمان المغتربين من التصويت في بلدهم ودوائرهم.
حماوة سياسية
وفي موازاة المخاوف من التمديد لمجلس النواب، فإنّ عنوان المرحلة المقبلة سيكون الحماوة السياسية على ثلاثة مستويات أساسية:
ـ المستوى الأول بين القوى السياسية مع الاقتراب أكثر فأكثر من موعد الانتخابات، حيث من المتوقّع ان تستعر الحملات السياسية كون الانتخابات تجري على وقع انقسام سياسي كبير.
ـ المستوى الثاني شعبي بامتياز، بسبب استمرار التدهور المالي والاقتصادي وغلاء الأسعار وغياب المعالجات، حيث من المتوقّع ان تتواصل حركة الاحتجاجات والتظاهرات وتزيد وتيرتها.
ـ المستوى الثالث دولي بامتياز، مع بيان مجلس الأمن الذي دعا إلى ضرورة الالتزام بقرارات الشرعية الدولية، والورقة الخليجية التي تبنّت القرارات الدولية وفي طليعتها القرار 1559، والمواقف الدولية الصادرة عن مرجعيات دولية تُظهر انّ لبنان في قلب الاهتمام الدولي، وهناك من يتوقّع اتساع رقعة هذه المواقف وتقدّمها، بالتزامن مع تقدُّم المفاوضات النووية، خصوصاً مع اعتبار الدول الخليجية انّ سلاح «حزب الله» أصبح يشكّل خطراً على استقرار المنطقة ولم يعد ممكنًا التغاضي عنه.
جلستان لمجلس الوزراء
وفي هذه الاجواء، يستعد لبنان للخوض في ملفات عدة أبرزها ملف الموازنة العامة للعام 2022، التي سينهي مجلس الوزراء البت بأرقامها النهائية الخاصة بالرسوم الجديدة قياسًا على الدولار الجمركي ولوائح الإعفاءات للمواد الغذائية والأدوية والمواد الأولية المستوردة للصناعة الوطنية، في جلسة تُعقد غدًا الثلثاء في السرايا الحكومية، الى جانب جدول أعمال حافل بالقضايا الإدارية والمالية المتراكمة نتيجة الشلل الذي أصاب الحكومة على مدى ثلاثة أشهر متواصلة.
وكان رئيس الجمهورية ميشال عون توافق ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي الأسبوع الماضي على جلسة لمجلس الوزراء الخميس المقبل في القصر الجمهوري، للبت بالصيغة النهائية لمشروع قانون الموازنة وإحالته الى مجلس النواب، حيث سيخضع للنقاش في لجنة المال والموازنة ثم في لجنة الادارة والعدل قبل اللجان المشتركة فالجلسة العامة للمجلس.
الثنائي
وقالت مصادر «الثنائي الشيعي» لـ «الجمهورية»، انّ موقفه الذي عاود على أساسه المشاركة في جلسات مجلس الوزراء واضح ولا لبس فيه. وزراؤه سيشاركون في كل جلسة للمجلس تدخل محاورها في إطار الموازنة العامة للدولة او خطة التعافي الاقتصادي او في الإطار الأوسع، وهو كل ما يساهم في تحسين الاوضاع الحياتية والاجتماعية والصحية للبنانيين.
وإنّ البنود المطروحة على جلسة غد الثلاثاء تدخل في شكل او آخر ضمن تلك الأطر الثلاثة، ولهذا وجبت المشاركة.
وعلمت «الجمهورية»، انّ البند 16 من جدول اعمال الجلسة، والذي وضعه رئيس الجمهورية ويتعلق بانتزاع بعض صلاحيات المدّعي العام التمييزي وإعادتها الى وزير العدل كما كانت عليه عام 2001، لن يقرّه المجلس، لأنّ بعض القوى السياسية الأساسية غير موافقة عليه. فيما ينتظر ان يوافق المجلس على التمديد لشركة «ليبان بوست».
هوكشتاين والترسيم
على صعيد آخر، انتهت الإتصالات الجارية الى تحديد موعد جديد لزيارة الوسيط الأميركي في المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية الجنوبية بين لبنان وإسرائيل عاموس هوكشتاين إلى لبنان عصر غدٍ الثلثاء، وذلك لاستئناف البحث في مصير هذه المفاوضات التي تُجرى في الناقورة حيث مقر قيادة قوات حفظ السلام الدولية العاملة في الجنوب (اليونيفيل) برعاية اميركية.
وفي المعلومات، انّ الجانب الاميركي اضطر الى استعجال تحديد موعد وصول هوكشتاين إلى بيروت، في أول ردّ فعل يمكن استكشافه نتيجة الرسالة التي أودعها لبنان لدى مجلس الأمن الدولي وكشف عنها نهاية الأسبوع الماضي، وبعدما أنهى هوكشتاين لقاءاته في اسرائيل التي امضى فيها اياماً عدة، وقد طلب مواعيد رسمية بدءاً من بعد غد الأربعاء على الرغم من كونه يوم عطلة لمصادفته عيد القديس مار مارون.
وعشية وصوله الى بيروت نُشرت الرسالة الرسمية التي اعدّتها وزارة الخارجية ورفعتها مندوبة لبنان الدائمة لدى الأمم المتحدة امال مدللي الى المنظمة الدولية، وهي الأولى من نوعها منذ عام 2011 ، وذلك بناءً على توجيهات رئاسة الجمهورية، وتمثّل إعلاناً رسمياً صريحاً بنقل التفاوض في شأن الحدود البحرية اللبنانية الجنوبية من الخطّ 23 إلى الخط 29، مع الإحتفاظ بحق تعديل المرسوم الرقم 6433 في حال المماطلة وعدم التوصّل إلى حل عادل.
وقالت مصادر مواكبة لحركة المفاوضات ليل امس لــ «الجمهورية»، إنّ الرسالة شكّلت خطوة ستغيّر من مهمّة هوكشتاين وتعطيها أبعاداً أخرى ذات تأثيرات بالغة الدقة والأهمية بالنسبة الى الموقف اللبناني، بعدما أدّت الى وقف كل التحضيرات الاسرائيلية المتصلة في منطقة انتقلت من اعتبارها بالمنطق الاسرائيلي «منطقة اسرائيلية اقتصادية خالصة « إلى صفة أخرى سبغتها عليها الرسالة وحوّلتها إلى «منطقة متنازع عليها» لا يمكن ان تشهد اي عمليات استكشاف وتنقيب لأي شركة أياً كانت هويتها.
وعلمت «الجمهورية» انّ مرجعاً بارزاً في 8 آذار أبدى ارتياباً حيال الوقائع التي رافقت توجيه مندوبة لبنان في الأمم المتحدة رسالة الى مجلس الأمن حول المفاوضات على الحدود البحرية مع الكيان الاسرائيلي.
واعتبر المرجع، انّ الرسالة «ملتبسة»، متسائلاً عن سبب إبقائها طي الكتمان منذ بدء تحضيرها في بعض الكواليس الى حين الكشف عنها عند توجيهها رسمياً الى مجلس الأمن. وأشار إلى أنّه يبدو أنّ عون وميقاتي شاركا في تحضير الرسالة، بينما لم يكن رئيس مجلس النواب نبيه بري مطلعاً على فحواها، ما يرسم بعض علامات الاستفهام حولها في الشكل والمضمون.
وإلى ذلك اصدرت وزارة الخارجية والمغتربين بياناً قالت فيه:
«تداولت وسائل الإعلام رسالة موقّعة من قِبل مندوبة لبنان لدى الأمم المتحدة في نيويورك رداً على الرسالة الاسرائيلية التي تعترض على دورة التراخيص اللبنانية في المنطقة الاقتصادية الخالصة التابعة للبنان، ملمّحة بأنّها وثيقة سرّية تمّ تسريبها. يهمّ وزارة الخارجية والمغتربين التأكيد أنّ الرسالة التي أودعها لبنان الى مجلس الأمن ليست وثيقة سرية، بل هي ورقة رسمية صدرت وعُمّمت على كافة أعضاء مجلس الأمن كوثيقة من وثائق مجلس الأمن تحت الرقم S/2022/84 تاريخ 2 شباط 2022، وتمّ نشرها حسب الاصول».