لفت رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، إلى “أنّنا وصلنا إلى وضع سيّئ، نتيجة التخلّف عن الدّفع منذ سنتين، حتّى بتنا عاجزين عن الاقتراض، رغم أنّ الاقتراض صار جزءًا من تراكمات حتّى وقعنا في عجز في الموازنة”، مبيّنًا أنّ “اسم العاصفة الثّلجيّة “هبة” مؤشّر إلى أنّ لبنان صار يعيش على الهِبات حتّى في العواصف، وهذه هي حقيقة الدّولة بواقعها الرّاهن والتراكم على امتداد السنوات الماضية، والاتّكال على الهبات أو على مساعدة صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي أو الاتحاد الأوروبي ووكالات الأمم المتحدة”.
وأكّد، في حديث إلى صحيفة “نداء الوطن”، “أنّنا ولأوّل مرّة سنكون أمام موازنة حقيقيّة لا نتّكل فيها على الاستدانة، وسنذهب لبدء مناقشتها الأسبوع المقبل في مجلس الوزراء”، مشيرًا إلى أنّ “كلّ وزير من الوزراء سيعترض على ميزانيّة وزارته، ولكن هذه هي إمكانات الدّولة، ويجب أن نشدّ الأحزمة ونكون أمام مصاريف يمكن تحمّلها”.
ورفض ميقاتي القول إنّ عودة جلسات حكومته ستكون محصورة بمناقشة الموازنة، مركّزًا على أنّ “الحكومة ستلتئم لمناقشة الموازنة وجدول أعمال عادي”، مشدّدًا على أنّ “لا أحد، لا أحد ، لا أحد، وأقولها ثلاث مرّات، يستطيع أن يحدّد جدول أعمال مجلس الوزراء والمسّ بصلاحيّات رئيس الحكومة، الّذي انتظر ما يزيد على ثلاثة اشهر من دون دعوة لجلسة، احترامًا لمكوّن لبناني رفض أن يحضر. لا يحقّ لأحد أن يحدّد جدول الأعمال ويمسّ بشخصيّة رئيس مجلس الوزراء، الّذي احترم الميثاقيّة كي لا يتحدّى أحدًا، ورجاء لا يتحدّاه أحد بصلاحيّة إعداد جدول أعمال حكومته، لأنّها صلاحيّات دستوريّة”.
وذكر أنّه “يمكن لمن يرفض نقاش بنود غير الموازنة، أن يمتنع عن التّصويت أو أن يعلن عدم موافقته على أيّ بنود أخرى، لكن لا أوافق بأيّ شكل من الأشكال على تحديد جدول أعمال الحكومة”، واعدًا أنّ “لا ضرائب جديدة في الموازنة، بل على العكس ثمّة تسهيلات وإعفاءات بالدّفع، لأنّنا نشعر مع المواطن”.
وأعلن أنّ “الدّولة غير قادرة اليوم على الاستمرار في تأمين الخدمات الأساسيّة الّتي تقدّمها، ضمن التّعرفة الموجودة حاليًّا. ثمّة أمور ثلاثة أساسيّة في الحياة: الماء والكهرباء والهاتف، تقدّم خدماتها للمواطن مجّانًا من دون القدرة على رفع تعرفتها، رغم الحاجة الملحّة لذلك، ولكن هل بمقدورنا الزيادة؟ بالطبع لا، لأنّ لا قدرة للمواطن على تحمل أيّ زيادة”، كاشفًا أنّ “لذا، نحن ندرس كيفيّة تأمين التّوازن المطلوب لزيادة تدريجيّة كي لا نتسبّب بتضخّم كبير في الاقتصاد اللبناني، ونحاول القيام بما يجب فعله بطريقة منظمة ومقسطة وليس دفعة واحدة”.
وأوضح ميقاتي “أنّنا أُصبنا بتدهور اقتصادي، ويجب أن نخلق نوعاً من المواءمة بين الواقع الحالي والخدمات التي يجب ان نقدمها. اعرف مقدار العتب على الحكومة وعليّ كرئيس لهذه الحكومة، ولكن على العاتب ان يعلم ان الامور ليست سهلة. كنت وعدت بتسلم الموازنة من شهر تشرين الثاني الماضي، لكنها تأخرت بسبب عطل طرأ على كمبيوتر وزارة المالية استغرق اصلاحه أسابيع، ناهيك عن اوضاع كورونا”. وأفاد بأن “صحيحا اننا قطعنا وعوداً بشأن الكهرباء بتأمين التغذية قبل نهاية العام، لكن الموضوع لم يكن متوقفاً علينا بسبب قانون “قيصر”. من ناحيتنا لم نتأخر او نقصر بواجباتنا، بل على العكس فاننا نسرع خطواتنا لتسهيل كل الملفات”.
وبيّن “أنني لا اطلب من اللبناني عدم العتب ولا اطلب منه تفاؤلاً كبيراً، جل ما اطلبه هو ان ينظر الى الامور بإيجابية. الناس كلهم محبطون وفقدوا ثقتهم بالبلد لكن هناك اموراً تنجز”. وردّ على الانتقادات التي طاولته يوم تحدث عن فرق بين الحكومة ومجلس الوزراء، قائلًا: “قوبلت بالاستغراب يومها. نعم الحكومة كحكومة، يتابع وزراؤها شؤونها، كلّ في وزارته، اما مجلس الوزراء فاجتماعاته عادت وسنضع على جدول اعمال جلساته المواضيع التي تستوجب بحثاً في سبيل تسيير مسار الدولة وشؤونها”، منبهاً الى ان “انهيار البلد نهائياً واشتعاله سيحرق كل من فيه، فهل نرتاح حينذاك؟ ما الذي يريده المنتقدون والسلبيون؟ وما المطلوب اذن؟”.
كما انتقد كيف أن “كل فريق يتصرف وكأن البلد لا يعنيه”، متسائلاً: “هل البلد واموره تعني فريقا دون آخر؟ علينا اليوم ونحن في صدد الازمة ان نخطو خطوات في سياق المعالجة والنهوض مجدداً، واذا كنا نعاني من ازمة سياسية او ازمة نظام فلنبحث بها لاحقاً”، متمنيا ونحن على عتبة استحقاق الانتخابات النيابية، ان “ننتج طبقة سياسية جديدة تؤدي الى استنباط حلول جديدة. اما في الوقت الراهن فنحن نقوم بما في استطاعتنا فعله، وليس ما نتمناه لان ما نتمناه اكثر بكثير. افكارنا كثيرة ولكن الفجوة كبيرة ويجب ان نتساعد لتغطيتها كي نصل الى المرتجى، لان الواقع في مكان والمرتجى في مكان اخر”.
ولفت ميقاتي إلى “أنني حين انطلقت بتشكيل الحكومة قلت اني اعرف البلد وحقيقة ازمته. ليلة رأس السنة شكرت من كل قلبي القوى الامنية على ما انجزته لانها تقوم بعملها من دون حافز يجبرها على حماية الناس لولا حسها الوطني ويجب ان نعترف انها تعمل من قلبها في ظرف بالغ التعقيد”. وركز على “أننا لحظنا في الموازنة اوضاع القوى الامنية وموظفي الدولة في الاعتبار، وفي الجلسة المقبلة ستقوم الحكومة بزيادات على بدلات النقل وصرف منح اجتماعية ونسعى لتكون المساعدة اكثر من ذلك فضلاً عن اعطاء بدل نقل مقطوع للقوى الامنية والعسكرية”.
وأكد أن “خطة التعافي هي ذاتها الخطة التي ستقدم الى صندوق النقد الدولي، وستكون عبارة عن ثلاثة فروع: الارقام وكيفية تسديد هذه الخسائر، البنود الاصلاحية الضرورية وضرورة ان تتواءم مع هذه الارقام، واعادة هيكلة القطاع المصرفي. من دون قطاع مصرفي جيد وقادر لن نستطيع اعادة الحركة الاقتصادية للبلد”، معلنا أن “الاجتماعات مع وفد صندوق النقد سنبدأ يوم الاثنين اولى جلساتها ولمدة اسبوعين، لنبحث بالارقام تمهيداً للانتقال لبحث مواضيع اخرى”.
وفي معرض نفيه ما اثير عن عزمة انهاء العمل مع شركة “لازارد”، أعرب عن أسفه كيف أن “الواقع صار يستلزم مكتباً اعلامياً متخصصاً بنفي الاخبار اكثر من الاعلان عن العمل”. وأكد أن “شركة “لازارد” لا تزال مواكبة لعملنا ونستشيرها في كل المواضيع . ليس صحيحاً اني طلبت منها ترك عملها. انا ودولة نائب رئيس الحكومة على اتصال دائم مع لازارد ووزير المالية كذلك ونتابع عملنا معها وسيزورنا وفد منها الاسبوع المقبل لمواكبة الموازنة والاتصال مع صندوق النقد الدولي . نحتاج لمستشارين ولنسمع آراء الآخرين ولدينا اراؤنا بالمقابل”.
وأشار إلى أنه “يقال اننا ندافع عن المصارف وهذا غير صحيح بتاتاً. انما ادافع عن القطاع المصرفي لاننا نحتاج لقطاع مصرفي سليم حالما ينهض البلد من ازمته، كما نحتاج قطاعاً مصرفياً سليماً كي ينهض الاقتصاد. من مسلماتي عدم التدخل بالقضاء لان سلطته مستقلة، وحماية مصرف لبنان كمؤسسة”. وجزم أنه “ليس صحيحاً اني احمي اشخاصاً في مصرف لبنان، بل يهمني المؤسسة ككل ومصيرها. وليقل لي من يتناول واقع هذه المؤسسة ويطرح التغيير الفوري فيها ما هو البرنامج الذي يقترحه كي اسير به. اما رمي الكلام جزافاً من دون تقديم حلول فهذا امر لا يجوز. علينا ان ننتبه ان مصرف لبنان سلطة اصدار نقد وليس سلطة عادية وهو اهم سلطة في لبنان. واذا لم نقرر الخطوة الثانية لاي اجراء نريد اتخاذه نكون قد ادخلنا البلد في مأزق. انا اطالب بوضع خطة مسبقة قبل الاعلان عن اي اجراء في هذا الملف”.
إلى ذلك، كشف ان “المصرف المركزي يساهم معنا بخطة التعافي وخطة صندوق النقد الدولي، ونحن بحاجة لتعاونه لنصل الى بر الامان وحين ننتهي من هذا الملف تصبح كل المواضيع الاخرى قابلة للبحث، الاولوية للموازنة ولمفاوضات صندوق النقد وبعدها نبحث حيث يجب بموضوع مصرف لبنان”. ورأى أنه “ليس المهم الشخص وانما المؤسسة. ليقول لي احد ان الاتفاق على البديل حاصل وانا جاهز لطرح الموضوع. لست متمسكا بالشخص كائنا من كان هذا الشخص، ليتفقوا على شخص يقترحه وزير المالية والا دخلت السلطة المالية في الفراغ. وهل يجوز وضع حارس قضائي؟ وهل نتحدث عن لجنة بناية ام عن مصرف لبنان وحاكم مركزي؟ وكيف سيعمل مصرف لبنان بعد النيل من حاكمه”.
وعما اذا كان تم الاتفاق على توزيع الخسائر والخشية من تحميلها للمودعين، أعلن “أنني اقول للمودع اني شخصيا اهتم لوضعه، ولكن الامر الذي يجب الا ينكره الجميع انني، لا انا ولا حكومتي بددنا اموال المودعين بل نحن من اشد الحريصين على اعادة حقوق الناس. نحن نبحث في توزيع عادل يحمي خصوصاً صغار المودعين بحيث يحصلون على حقهم كاملاً وهنا لا اعني فقط صغار المودعين وانما اقصد مبلغاً معينا ينطبق على الجميع كحد ادنى اضمن اعطاءه للمودع”.