أمّا وقد تعطّل المجلس الدستوري، كدليل آخر على أنهم لن يرحلوا ما دام هناك حجر على حجر، نستعيد ما قاله رولان دوما، وزير الخارجية السابق، لدى ترؤسه المجلس الدستوري في فرنسا، لفرنسواز جيرو، الصحافية والوزيرة السابقة أيضاً، حين سألته «وأنت على هذا الكرسي، كيف تنسى هويتك السياسية كاشتراكي» ؟أجاب «هنا نسيت حتى من هو رولان دوما»….
هذا الموت المبرمج في دولة تعاني من الاعتلال التاريخي كما من الاعتلال الفلسفي، أعاد الى الحياة كل أدبيات القرن التاسع عشر. في الأفق، ثمة سيناريو على الطاولة يقول بلبنان الآخر، ليس فقط بهيكليته السياسية والطائفية، وانما ايضاً بهيكليته الديموغرافية …
الطبقة السياسية، بقضّها وقضيضها، تتواطأ، بشكل أو بآخر، مع عرابي السيناريو، وهي التي ذهبت الى أبعد الحدود في تقويض المفهوم الحديث للدولة باغفالها، عن عمد، الحقيقة القائلة ان الجمهورية الثانية تبدأ بتطبيق المادة 95 من الدستور كمدخل لالغاء الطائفية السياسية، واحلال منطق المواطنة محل منطق الرعية.
منذ البداية، الاليزيه رفض أي طرح بتقسيم لبنان، أو باحداث أي تغيير بنيوي في الصيغة الدستورية، وتكريس نوع من الكونفديرالية، بالرغم من أن بعض الكرادلة يدعمون هذا الاتجاه بحجة أنه السبيل الوحيد لحماية من تبقى من المسيحيين في الشرق.
الدوائر الفرنسية، وان كانت ضالعة في بعض المشاريع الأميركية في المنطقة، تنظر بالكثير من الريبة والقلق، الى المعلومات القائلة ان «الاسرائيليين» يجرون «اتصالات فائقة الحساسية»مع حكومات عربية للبحث في مستقبل لبنان، كون الدولة فيه آيلة الى الاندثار، وكون حزب الله، كقوة عسكرية ضاربة، يهدد الأمن الاستراتيجي «لاسرائيل» كما الأمن الاستراتيجي للدول العربية.
ماذا حين تعبث اصابع «الحاخامات»، بكل تلك الهيستيريا التوراتية، بالجرح اللبناني؟ مرة أخرى يتعالى الكلام عن توطين اللاجئين الفلسطينيين داخل كانتون يستقطب فلسطينيين آخرين من الدياسبورا، أو من داخل الخط الأخضر، كذلك عن توطين النازحين السوريين ليكونوا بمثابة الشوكة في خاصرة دمشق. بطبيعة الحال بعد اعادة برمجتهم سياسياً، وطائفياً، وبالمال العربي اياه ..
ثمة قوى لبنانية ترى أن الخلاص في الانفتاح على ذلك السيناريو الذي لحظ اقامة كانتون أو كانتونات مسيحية، بضمانات دولية، وحتى بوجود دولي، ما دامت الكانتونات الأخرى ستكون، وبفعل تعدد الانتماءات والولاءات، وحتى التبعثر الايديولوجي (الذي يستتبع التبعثر السياسي) مشرّعة على كل الاحتمالات.
ألا يدري هؤلاء أن القوى الكبرى تستخدمهم كحالة انتقالية ريثما تتم بلورة الآليات، والظروف، الخاصة باعادة تركيب لبنان وفق معايير محددة، وانطلاقاً من سياسة الأبواب المفتوحة مع اسرائيل.
وسط هذه الضبابية، وفي ظل ذلك التقاطع العاصف، والتناقض العاصف، بين المصالح الدولية والاقليمية، كيف تمكن اعادة تركيب لبنان بمنأى عن اعادة تركيب المعادلات والعلاقات في المنطقة ؟ احتمالات كثيرة في طريقها الى الشرق الأوسط. هل ننزل الى الملاجئ أم الى الخنادق ؟!
المصدر”الديار – نبيه البرجي”
**