ركّزت الخطابات السياسية بعد ثورة 17 تشرين وبدء الأزمة المالية واحتجاز الودائع على ان الأولوية لحماية اموال صغار المودعين وان إيداعاتهم خط احمر، ليتبيّن بعد عامين على بدء الأزمة ان المودع وحده من دفع الثمن والكارثة المقبلة ستتمثّل بإعادة الودائع المحولة الى دولار بعد تاريخ 17 تشرين 2019 الى ليرة مجددا، على ان سعر الصرف الذي سيعتمد في حينه، لا يزال موضع تكهنات.
بعدما أيقن المودع ان ما قبل 17 تشرين ليس كما بعده، إبتدع عدة طرق لإنقاذ وديعته وجنى عمره من المصارف، الطريق الاسهل كان تحويل امواله من الليرة اللبنانية (بعدما وثق على مر السنين بتطمينه ان «الليرة بخير») الى دولار، بموافقة المصارف ومباركة مصرف لبنان. ولأن المصارف في حينه فرضت قيودا على السحب منعت بموجبه المودعين من الحصول على اموالهم بالليرة كاملة لاستبدالها بالدولار من السوق السوداء، ما كان امام المودع سوى تحويل وديعته من الليرة الى دولار عبر المصارف وفق سعر صرف 1500 ليرة والقبول بالشرط الذي فرضته المصارف يومها ألا وهو تجميد الوديعة لمدة عام.
في السياق، يقول رئيس لجنة حماية المودعين ورئيس الجمعية اللبنانية لحقوق المكلفين كريم ضاهر لـ»الجمهورية» انه لا يمكن اتخاذ قرار بإعادة الأرصدة المحولة الى دولار بعد تاريخ 17 تشرين 2019 الى ليرة في معزل عن خطة وطروحات متكاملة لاعادة توزيع عادلة للخسائر، وإلا فإن المودع وحده يستمر في تحمّل الخسارة، عدا عن انّ هذا التدبير لا يؤمّن استدامة خفض الدين لأنه لا يلحظ اي تخفيض في النفقات غير المجدية لرفع ايرادات الدولة حتى تتمكن الدولة من تأمين اقتراح للتفاوض مع الدائنين حاملي سندات الخزينة اليوروبوند او الجهات التي تنوي رفد لبنان بالاموال اللازمة لإطلاق عجلة الاقتصاد وادخال عملة صعبة الى البلد مثل صندوق النقد الدولي او غيره، وفي غياب هذه الخطوة كيف يمكن للمودعين ان يسترجعوا ودائعهم بالعملة الصعبة؟
ورأى انه لا يمكن تحميل المودع، الذي حوّل اموالهم من ليرة الى دولار، الثمن وحده، فهل لأن هذه الخطوة كانت الاسهل على المودع يجب معاقبته؟ على ان هذه الخطوة تستوجب الأسئلة التالية:بعد 17 تشرين وحتى اليوم لم توضع اي قيود قانونية تمنع التحويل الى الخارج بينما المصارف لم تسمح بذلك لماذا؟ هل يجوز ان يكون من حوّل امواله الى دولار في 15 تشرين الاول خارج اطار هذا التدبير امّا من حولها بعد 17 تشرين فيطاله هذا التدبير؟ انطلاقا من ذلك، يمكن الطعن او المساءلة في مدى تطبيق مبدأ المساواة ما بين المودعين والمواطنين، فتحميل المودعين وحدهم الخسارة وكأنها عبء ضريبي على طرف معين او فئة من المكلفين دون غيرهم يتعارض مع احكام الفقرة «ج» والمادة السابعة من الدستور اللبناني حيث ان المجلس الدستوري اصدر قرارين متتاليين الاول في العام 2017 والثاني في العام 2018 لحماية مبدأ المساواة امام الاعباء العامة.
كذلك يمكن الطعن بهذا القرار انطلاقا من مخالفة مبدأ دستوري آخر يتعلق بالملكية الخاصة والذي تصونه الفقرة «و» والمادة 15 من الدستور. على سبيل المثال، هل باستطاعة المصارف ان تسترجع اموال المودع الذي حولها من ليرة الى دولار بعد 17 تشرين وعاد وحولها الى الخارج؟
وردا على سؤال، قال ضاهر ان المصارف خلال هذه الأزمة اعتمدت الاستنسابية في السماح بتحويل اموال المودعين الى الخارج ومنعها عن البعض الاخر. واليوم، وفي ظل غياب التدقيق في الحسابات لا تزال المصارف تستفيد من السرية المصرفية لتحويل الاموال الى الخارج، فهل يجوز، متذرعين بالسرية المصرفية، ضرب فئة من المودعين على حساب أخرى بحيث يستحيل الكشف عمّن حوّل امواله الى الخارج في مقابل استسهال الكشف عن المودعين الذين حولوا أموالهم في الداخل من الليرة الى الدولار بعد 17 تشرين؟ خصوصا ان هذه الفئة من الناس كانت تظن حتى الأمس انها تمكنت من انقاذ جزء يسير من قيمة وديعتها؟
ولفت ضاهر الى ان اعتماد بعض الدول لمثل هذه التدابير كان يقابل برفع القيود عن سحب الاموال من المصارف أما اعتماد هذه الخطوة في لبنان مع قيود او من دونها فسيكون وقعها كارثياً على المودع، إذ في حال تحويل الودائع الدولارية الى ليرة وسمح بسحبها وفق سعر 8000 ليرة او وفق سعر منصة صيرفة 22 الفا مع قيود على السحب سيضرب القدرة الشرائية للمواطنين وسيزيد من فقرهم، ومن دون قيود سيدفع بالمودعين الى الاسراع بسحب اموالهم بالليرة من المصارف والذهاب بها الى السوق السوداء لشراء الدولار ما سينعكس ارتفاعا في الكتلة النقدية، وتضخما إضافيا ومزيدا من التدهور في العملة.