توضع الدساتير القانونية على مستوى العالم وفقا للكثير من المعايير الهامة والتي من بينها الحصانة البرلمانية التي تعطيها الحكومة لأعضاء مجلس النواب، حيث يتم تأمين ذلك النائب ضد أي تهديد خارجي من الممكن أن يتعرض له من أي جهة من جهات المجتمع أو تأمينة ضد الأفراد في المجتمع، وعلى الرغم من استغلال بعض النواب لتلك الحصانة بطريقة خاطئة إلا أن الهدف الأول حمايتهم ضد التهديدات التي من الممكن أن يتعرض لها بناء على آرائه في المجلس.
خلال عام 1866 ظهرت أول حصانة برلماني في انجلترا بعد قيام الثورة الإنجليزية وقد تم إقرار الوثيقة التي تعرف تحت مسمى قانون الحقوق والتي نصت على حرية القول والعمل على المناقشات وأن جميع الإجراءات التي تتم داخل البرلمان ليست موضع للتدخل القضائي أو المشاكل، وسبب ظهور تلك الحصانة في إنجلترا كانت لحماية نواب المجلس من الملوك وليس للحماية من المواطنين، وقد تم إستثناء الكثير من الأشياء من تلك الحصانة في القانون الإنجليزي.
حيث يمنع وضع بنود الخيانة ضمن الحصانة البرلمانية أو الإخلال بالأمن العام وكان من الممكن أن يتم القبض على الأعضاء في البرلمان بدون رفع الحصانة عنهم، كما كان هناك قوانين موضوعة من جانب القانون الإنجليزي والذي يخص مخاصمة النواب أمام المحاكم والذي كان يعرف تحت مسمى قانون إهانة المحاكم ولكن خلال القرن الثامن عشر شهد الأمر تطور كبير حيث تم وضع المزيد من الأحكام والضوابط بهدف تقنين أوضاع مجلس النواب والحصانة الخاصة بهم..
كما ظهرت الحصانة النيابية في فرنسا منذ الساعات الأولى لإعلان الثورة الفرنسية العام 1789، وتمّ إقرار مبدأ عدم مسؤولية النائب في الجمعية الوطنية الفرنسية العام 1790. ومع انتشار الأنظمة الديموقراطية في العالم، انتشرت الحصانة النيابية لتصبح من أهم المبادئ الجوهرية لهذه الأنظمة، وإن كانت تختلف بين دولة وأخرى من حيث نطاقها ودرجتها.
ثمة مبدأ قانوني جوهري هو انّ جميع الناس متساوون أمام القانون. لكن عدداً من الاستثناءات وردت على هذا المبدأ وشكّلت نوعا من الخرق له وتُعرف هذه الاستثناءات بإسم الحصانة القضائية.
انّ منشأ هذه الحصانة ليس واحداً. فبعضها متصلّ بانتظام العلاقات الدولية (الحصانة الدبلوماسية)، وبعضها يتصلّ بالعمل التمثيلي (الحصانة النيابية)، وبعضها بالعمل الحكومي أو السياسي (رؤساء الحكومة والوزراء)، وبعضها بالعمل الوظيفي (الموظفون الإداريون، رؤساء البلديات وأعضاء المجالس البلدية، الكتاب العدول، المختارون، ولجنة التحقيق الخاصة في جرائم تبييض الأموال)، ومنها ما يتصل بالمهنة (المحامون).
وترفع يد النيابة العامة عن الملاحقة في حالتين: حالة الحصانة الدبلوماسية وحالة الحصانة السياسية والاجرائية للنواب التي تشكل موضوع دراستنا.
الحصانة النيابية:
يعتبر النائب، وفقاً للمادة 27 من الدستور اللبناني، ممثلاً للأمة جمعاء، ولا يجوز أن تُربط وكالته بقيد أو شرط من قبل منتخبيه. فالنائب يمثّل الشعب اللبناني بكامله على الرغم من إنتمائه الى طائفة معينة، وانتخابه من مواطنين في دائرة إنتخابية محدّدة. فالدستور اللبناني تبنّى نظرية الوكالة التمثيلية التي ترتكز على مبدأ سيادة الأمة، رافضاً نظرية الوكالة الإلزامية التي تقيّد إرادة النائب بإرادة ناخبيه الذين يستطيعون فرض قيود وشروط على وكالته وعزله إذا خالف إرادتهم(1).
وقد حرص الدستور اللبناني على توفير الطمأنينة للنائب وهو ممثل الشعب ليقوم بدوره دون ان يخشى الملاحقة على ما يبديه من آراء وافكار خلال مدة نيابته فمنع ملاحقته على ما يبديه منها.
كما حرص على ان يكون النائب في حمى من اي ضغط او تهديد فمنع اتخاذ اجراءات جزائية بحقه او القاء القبض عليه اثناء دور الانعقاد اذا اقترف جرما جزائيا الا باذن من المجلس باستثناء حالة الجرم المشهود.
وهكذا يكون الدستور قد وفر للنائب حماية دائمة من جهة لجهة عدم جواز ملاحقته بسبب الآراء والأفكار التي يبديها وحماية مؤقتة بعدم جواز اتخاذ أية إجراءات جزائية بحقه او القاء القبض عليه اثناء دور الانعقاد من جهة أخرى.(2)
ان هذه العلاقة بين الحصانة والوظيفة واضحة في تكريس الحصانة التامة، بمعنى إنعدام المسؤولية، للنوّاب بالنسبة إلى الآراء والأفكار التي يبدونها خلال مدّة ولايتهم النيابية وتتصّل هذه الحماية المطلقة بالنسبة إلى الآراء والأفكار بوظيفة النوّاب الأساسية وهي التعبير عن الإرادة العامة.
أمأ بالنسبة إلى سائر الأفعال التي قد يتّهمون بها، يتمتّع النوّاب بحصانة إجرائية وهي عدم إمكانيّة ملاحقتهم خلال الجلسة التشريعية إلاّ بعد طلب وقبول رفع الحصانة النيابيّة من قبل مجلس النوّاب تترتّب عدّة نتائج عن هذه الصلة بين الحصانات والوظيفة النيابيّة:
- فيرتبط مثلا مبدأ حصانة النوّاب بالإنتظام العام ، وهذا يعني عدم إمكانيّة النائب التخلي عن حصانته وإخضاع نفسه إلى القضاء 1999 لأنّ هذه الحصانة ليست حقّاً شخصياً له بل أداة لحماية مهامه.
- يربط الدستور حصانة النوّاب بإنعقاد الدورة التشريعيّة أي أثناء تولي النائب وظيفته، مع الملاحظة أن هذا كان أيضا النظام المعتمد في فرنسا قبل التعديل الدستوري في عام 1995 الذي أزال حصانة النوّاب في ما يخص الملاحقة. ومن أسباب التعديل أنّ إطالة فترة الدورات العاديّة لمجلس النوّاب في فرنسا، أدّت عملياً إلى تحصين النوّاب ضدّ الملاحقات طيلة مدّة ولايتهم، ما لم يتم رفع حصانتهم من قبل مجلس النوّاب(3).
لماذا الحصانة النيابية:
من أجل إعطاء النائب الحرية والإستقلالية في التعبير عن آرائه وأفكاره وممارسة مهامه النيابية، نصت المادتان 39 و40 من الدستور اللبناني على الحصانة النيابية. فنصت المادة 39 على أنه “لا يجوز إقامة دعوى جزائية على أي عضو من أعضاء المجلس بسبب الآراء والأفكار التي يبديها مدة نيابته”. كما نصت المادة 40 على أنه “لا تجوز في أثناء دور الإنعقاد إتخاذ إجراءات جزائية في حق أي عضو من أعضاء المجلس، أو إلقاء القبض عليه إذا اقترف جرماً جزائياً، إلا بإذن المجلس ما خلا حالة التلبّس بالجريمة (الجرم المشهود)”(4).
مفهوم الحصانة النيابية:
يمكن تعريف الحصانة النيابية بأنها مجموع الأحكام الدستورية التي تؤمن للنواب نظاماً قانونياً يختلف عن النظام القانوني العادي الذي يطبّق على عامة الناس في ما خص علاقاتهم، بهدف الحفاظ على حريتهم واستقلاليتهم.
فالهدف من إعطاء النائب هذه الحصانة هو تأمين الضمانات اللازمة لحمايته في أداء مهمته التمثيلية بكل حرية واستقلال. وهي تبدو للوهلة الأولى، متعارضة مع مبدأ المساواة أمام القانون، ولكن سرعان ما يتضح أن الهدف منها هو حماية الأمة من خلال حماية ممثلها (النائب) في ممارسة مهامه التي كفلها له الدستور.
أنواع الحصانة النيابية:
يمكن التمييز بين نوعين من الحصانة النيابية: الحماية الدائمة والحماية المؤقتة .
- الحماية الدائمة:
تشكل هذه الحماية حصانة مطلقة للنائب طوال ولايته التمثيلية، تمنع ملاحقته بسبب أعماله النيابية والتشريعية والرقابية، وتصريحاته وأقواله والتعبير عن أفكاره وآرائه المرتبطة بمهامه النيابية وما يتعلّق بها.
وسنداً الى المادة 39 من الدستور اللبناني لا تجوز إقامة دعوى جزائية على أي عضو من أعضاء المجلس بسبب الآراء والأفكار التي يبديها مدة نيابته»، أي لا تجوز ملاحقة النائب جزائياً بسبب ما يبديه من أفكار وآراء وأقوال، سواء أكانت كتابية أم شفهية، طوال مدة ولايته النيابية، وسواء أكانت داخل البرلمان أم خارجه، حتى ولو تضمّنت سباً أو قدحاً أو ذماً أو إهانة، وحتى ولو شكّلت هذه الأفعال جريمة يعاقب عليها قانون العقوبات.
ان مبرر هذه الحصانة هي توفير الطمأنينة للنائب طيلة مدة نيابته للتعبير عن آرائه وأفكاره التي تمكنه من القيام بمهمته في تمثيل الشعب الذي انتخبه دون ان يخشى اي ملاحقة جزائية من اجل هذه الآراء ؤالأفكار(5)
الا ان هذه الحصانة الدائمة بسبب الآراء والأفكار التي يبديها النائب مدة نيابته، يجب أن تتصل إتصالاً واضحاً ووثيقاً بتأدية مهامه كنائب عن الأمة، وأن يبدو بمثابة الأب الصالح الساهر بدقة على حريات المواطنين وكل ما له علاقة بكرامة عيشهم والمحافظة على أخلاقهم المرتكزة على المبادئ الأخلاقية والمثل العليا، فيكون بمثابة الرجل المثالي لشعبه، من دون أن يعني ذلك حقه بالتلفّظ بكلمات نابية ومشينة بحق أشخاص معينين. فلا يجوز للنائب التلفّظ بعبارات تؤلف جرائم القدح والذم والتحقير المعاقب عليها في المادة 584 من قانون العقوبات، لتحقيق مصالح شخصية لا علاقة لها بممارسة مهامه النيابية، وإلا يزول مبرر الحماية الدستورية إستناداً الى مبدأ تنزيه المشترع من حماية الأحقاد والكراهية وإلغاء جرائم الذم والقدح والتحقير في ما خص أعضاء مجلس النواب.
وتمتد حصانة النائب عن الآراء والأفكار التي يبديها مدة نيابته لتحميه بعد انتهاء ولايته النيابية، فلا يجوز التقدّم ضده بدعوى جزائية عن تلك الآراء والأفكار والتصريحات التي عبّر عنها خلال مدة نيابته.
إلا أن ما تقدم لا يمنع مساءلة النائب تأديبياً أمام مجلس النواب عندما يتعدى حدوده المشروعة وينتهك المبادئ التي يجب أن يتحلّى بها، من دون أن تصل هذه المساءلة الى ملاحقته جزائياً. وحصانة النائب بسبب الآراء والأفكار التي يبديها مدة نيابته سنداً الى المادة 39 من الدستور اللبناني، ليست مطلقة، ولا تشمل جميع الآراء والأفكار التي يبديها مدة نيابته، بل تنحصر بالآراء والأفكار التي تصدر عنه وتكون متصلة بعمله النيابي ومتعلقة بالمواضيع والمصالح الوطنية العامة، المكلّف بمعالجتها بحكم ولايته النيابية وبدون تجاوز، وإلا لما كان هناك من حاجة الى وضع المادة 40 من الدستور التي تجيز ملاحقة النائب جزائياً عند اقترافه جريمة يعاقب عليها القانون.
يلاحظ بأن المادة 39 من الدستور حصرت الحصانة المعطاة للنائب بالنسبة للدعوى الجزائية فقط دون الدعوى المدنية مما يعني انه يمكن اقامة الدعاوى المدنية بحق النائب ودون حاجة لأي اذن ودون ان يكون للنائب ان يتذرع باي حصانة، وهذا يعني انه للمتضرر حق إقامة دعوى مدنية لمطالبة النائب بالتعويض، بل يحق لكل متضرر من أعماله وتصريحاته أن يتقدّم ضده بدعوى مدنية إستناداً الى مسؤوليته المدنية عن الأضرار اللاحقة بالمتضرر سنداً الى المواد 122 و123 و124 من قانون الموجبات والعقود. فقد نصت المادة 122 موجبات وعقود على أن «كل عمل من أحد الناس ينجم عنه ضرر غير مشروع بمصلحة الغير، يجبر فاعله إذا كان مميزاً على التعويض». كما نصت المادة 123 موجبات وعقود على أنه «يُسأل المرء عن الضرر الناجم عن إهماله أو عدم تبصره كما يُسأل عن الضرر الناشئ عن فعل يرتكبه»، وكذلك نصت المادة 124 موجبات وعقود على أنه «يُلزم بالتعويض من يضر الغير بتجاوزه، في أثناء إستعمال حقه حدود حسن النية أو الغرض الذي من أجله مُنح هذا الحق».
وبناءً عليه، إذا تعرض النائب لكرامة أحد الناس وسمعته وشرفه، بالتجريح أو السب أو الإهانة أو الإتهام غير المشروع، جاز للمتضرر التقدّم بدعوى مدنية ضده ومطالبته بالتعويض عن العطل والضرر المعنوي اللاحق به وبشرفه وبسمعته وبكرامته، إذ يعتد بالضرر الأدبي كما يعتد بالضرر المادي سنداً الى المادة 124 من قانون الموجبات والعقود.
ولكن اذا كانت المادة 39 المذكورة قد حصرت عدم جواز الملاحقة بسبب الآراء والأفكار التي يبديها النائب مدة نيابته، ولكن المسألة التي اثارت جدلا هو معرفة ما اذا كان يمكن التوسع في تفسير الحصانة او حصرها في مجالها الضيق فقط اي بما يتطلبه عمله كنائب ام لانها تمتد لتشمل جميع الآراء والأفكار التي يبديها؟
من المتفق عليه ان النائب يسأل جزائيا عن الجرائم التي يرتكبها في غير مجال عمله النيابي وان ظهر بوصفه نائب: فلو ارتكب مثلا جرم رشوة موظف، لاتمام معاملة ادارية تخص احد انصاره او تخدم مصالحه الانتخابية فان الحماية لا تشمل فعله هذه لأن لا علاقة له بابداء آرائه وافكاره النيابية دون ان يؤثر هذا الراي على مسألة وجوب الاستحصال على اذن المجلس بالملاحقة وما اذا كان الامر قد جرى خارج دور الانعقاد(6).
- الحصانة المؤقتة:
تعتبر هذه الحصانة بأنها حصانة نسبية تهدف الى منع ملاحقة النائب جزائياً في أثناء دور إنعقاد مجلس النواب إذا إقترف جرماً جزائياً، من دون أن تضفي الطابع الشرعي على الأفعال التي إرتكبها. وهي تهدف الى الحيلولة دون إعاقة النائب عن القيام بمهامه النيابية عبر إختلاق إتهامات كيدية ملفقة لأسباب سياسية، بهدف حرمانه من حضور جلسات مجلس النواب وممارسة دوره التشريعي والرقابي.
وهذه الحصانة هي حصانة قاصرة، تشكّل قيداً على حرية النيابة العامة بملاحقة النائب عن الجرائم الجزائية التي يقترفها، فلا يمكن تحريك الدعوى العامة ضد النائب في هذه الجرائم إلا بعد الحصول على إذن مجلس النواب بذلك، ما عدا حالة الجرم المشهود. فهذه الحصانة هي محض إجرائية، ليس من شأنها تبرير الفعل الجرمي أو الإعفاء من العقاب، إنما يقتصر مفعولها على الإجراءات التي لا يجوز إتخاذها ضد النائب إلا بعد الحصول على إذن مجلس النواب بملاحقته. وهي تختلف إختلافاً كلياً عن الحصانة الشاملة التي تمنع إقامة الدعوى الجزائية ضد النائب بسبب الآراء والأفكار التي يبديها مدة نيابته، سنداً الى المادة 39 من الدستور.
وقد نصت المادة 40 من الدستور اللبناني على أنه «لا يجوز في أثناء دور الإنعقاد إتخاذ إجراءات جزائية في حق أي عضو من أعضاء المجلس أو إلقاء القبض عليه إذا اقترف جرماً جزائياً إلا بإذن المجلس ما خلا حالة التلبس بالجريمة (الجرم المشهود)». كما نصت المادة 90 من النظام الداخلي لمجلس النواب (الصادر بتاريخ 21/10/2003) على أنه «لا تجوز خلال دورات إنعقاد المجلس، ملاحقة النائب جزائياً أو إتخاذ إجراءات جزائية بحقه أو إلقاء القبض عليه أو توقيفه إلا بإذن المجلس ما خلا حالة التلبس بالجريمة (الجرم المشهود)».
بذلك تكون هذه المواد قد ميّزت بين ثلاث حالات، وهي: وجود المجلس في دور الإنعقاد، وجود المجلس خارج دور الإنعقاد، الجرم المشهود.
- وجود مجلس النواب في دور الإنعقاد:
إذا إقترف النائب جرماً جزائياً يعاقب عليه القانون، وكان مجلس النواب في دور إنعقاد، لا يجوز إتخاذ أية إجراءات جزائية بحق النائب أو إلقاء القبض عليه، إلا بإذن المجلس. وقد نظّمت المادة 91 وما يليها من النظام الداخلي لمجلس النواب كيفية طلب الإذن بالملاحقة، فنصت على أنه يقدّم وزير العدل طلب الإذن بالملاحقة، مرفقاً بمذكرة من النائب العام لدى محكمة التمييز، تشتمل على نوع الجرم وزمان ارتكابه، وعلى خلاصة عن الأدلة التي تستلزم إتخاذ إجراءات عاجلة.
عندما تريد النيابة العامة التقدم بطلب الاذن من المجلس النيابي فان النائب العام التمييزي يحضر ملفا للقضية يرسله الى وزير العدل الذي يحيله بدوره الى رئيس امجلس النواب الذي يدعو هيئة مكتب المجلس ولجنة الإدارة والعدل الى جلسة مشتركة لدرس الطلب، وعلى هذه الهيئة تقديم تبرير بشأنه في مهلة أقصاها أسبوعان (م92 من النظام الداخلي لمجلس النواب). وإذا لم تقدّم الهيئة المشتركة تقريرها في هذه المهلة، يجب على رئاسة المجلس إعطاء علم بذلك للمجلس في أول جلسة يعقدها، وللمجلس أن يقرر منح الهيئة المشتركة مهلة إضافية بالقدر الذي يراه كافياً أو وضع يده على الطلب والبت به مباشرة (م93 من النظام الداخلي). وعندما يباشر المجلس البحث في طلب رفع الحصانة يجب استمرار المناقشة حتى البت نهائياً بالموضوع (م94 من النظام الداخلي).
اما اذا كان قبض على النائب بالجرم المشهود فان هذه الحصانة تزول لأن التلبس بالجرم المشهود يكفي لتوفير الدليل بحق النائب ولا يبقى امامه من مجال للتذرع بأن للملاحقة خلفيات سياسية او حزبية او غيرهما، او انها ترمي للضغط عليه(7)
لكن الافتراض جدلا أن الدفوع الشكلية التي يقدمها المدعى عليه اوصلت الى قرار قضائي مبرم باعتبار أن الفعل مشمول بالحصانة النيابية ولا يدخل ضمن مفهوم الجرم المشهود فعندها يكون لا بد، من طلب اذن المجلس النيابي للملاحقة الجزائية.وعندئد سيدعو رئيس البرلمان بعد تلقيه طلب رفع الحصانة وفق المادة 92 من نظامه الداخلي هيئة مكتب المجلس ولجنة الإدارة والعدل إلى جلسة مشتركة لدرس الطلب، وعلى هذه الهيئة تقديم تقرير بشأنه في مهلة أقصاها أسبوعان. واذا لم تقدم الهيئة المشتركة تقريرها في المهلة المعنية في المادة السابقة، وجب على رئاسة المجلس بحسب المادة 93 إعطاء علم بذلك للمجلس في أول جلسة يعقدها، وللمجلس أن يقرر منح الهيئة المشتركة مهلة إضافية بالقدر الذي يراه كافياً أو وضع يده على الطلب والبت به مباشرةً. وعندما يباشر المجلس البحث في طلب رفع الحصانة يجب استمرار المناقشة حتى البت نهائياً بالموضوع بحسب المادة 94، مع ضرورة التقيد بنص المادة 95: للإذن بالملاحقة مفعول حصري ولا يسري إلا على الفعل المعين في طلب رفع الحصانة الذي وفق المادة 96 يتخذ بالأكثرية النسبية وفقاً للمادة 34 من الدستور، مع الاشارة الى ان للهيئة المشتركة وللمجلس عند درس ومناقشة طلب رفع الحصانة تقدير جدية الملاحقة والتأكد من أن الطلب بعيد عن الغايات الحزبية والسياسية ولا يستهدف حرمان النائب من ممارسة عمله النيابي.(8)
وللهيئة المشتركة (هيئة مكتب المجلس ولجنة الإدارة والعدل) وللمجلس، عند درس ومناقشة رفع الحصانة تقدير جدية الملاحقة والتأكد من أن الطلب بعيد عن الغايات الحزبية والسياسية ولا يستهدف حرمان النائب من ممارسة عمله النيابي (م98 من النظام الداخلي).
- وجود مجلس النواب خارج دور الإنعقاد:
سنداً الى المادة 40 من الدستور، إذا إقترف النائب جرماً جزائياً، تجوز ملاحقته جزائياً خارج دور إنعقاد مجلس النواب، وإلقاء القبض عليه وتوقيفه، خلافاً لما هي عليه الحال في فرنسا، حيث تشترط المادة 26 من الدستور الفرنسي الحصول على ترخيص من مكتب مجلس النواب لملاحقته جزائياً. إلا أن التعامل في لبنان إستقر على عدم ملاحقة النائب جزائياً، حتى خارج دور إنعقاد مجلس النواب إلا بعد الحصول على إذن المجلس.(9) - حالة الجرم المشهود:
عرّفت المادة 9 من قانون أصول المحاكمات الجزائية الجرم المشهود، بما يلي:
– الجريمة التي تشاهد عند وقوعها، الجريمة التي يقبض على فاعلها في أثناء أو فور ارتكابها، الجريمة التي يلاحق فيها المشتبه فيه بناءً على صراخ الناس، الجريمة التي يتم اكتشافها فور الإنتهاء من ارتكابها في وقت تدل آثارها عليها بشكل واضح، الجريمة التي يضبط فيها مع شخص أشياء أو أسلحة أو أوراق يستدل منها على أنه مرتكبها، وذلك خلال 24 ساعة من وقوعها. كما نص القانون المذكور في المادة 30 منه على حالة تنزل منزلة الجريمة المشهودة وهي تلك التي تقع داخل بيت فيطلب صاحبه أو أحد شاغليه في مهلة 24 ساعة من تاريخ اكتشافها، من النيابة العامة التحقيق فيها، سواء أكانت جناية أو جنحة(10)
ففي حالة الجرم المشهود تسقط حرمة النائب الشخصية، ولا يبقى لها أي مبرر، إذ تجوز ملاحقته جزائياً وإلقاء القبض عليه، سواء أكان مجلس النواب في حالة إنعقاد أو خارج دور الإنعقاد، وفقاً لصراحة نص المادة 40 من الدستور والمادة 90 من النظام الداخلي لمجلس النواب. وبالتالي تجوز ملاحقة النائب جزائياً واتخاذ إجراءات جزائية بحقه وإلقاء القبض عليه وتوقيفه في أثناء أو خارج دور إنعقاد المجلس من دون الحصول على إذن المجلس.
وإذا لوحق النائب بالجرم المشهود أو خارج دورة الإنعقاد أو قبل إنتخابه نائباً، تستمر الملاحقة في دورات الإنعقاد اللاحقة، من دون الحاجة الى طلب إذن المجلس، ولكن على وزير العدل أن يحيط المجلس علماً بالأمر في أول جلسة يعقدها. وللمجلس الحق بأن يقرر عند الإقتضاء بناءً على تقرير الهيئة المشتركة، وقف الملاحقة بحق النائب وإخلاء سبيله مؤقتاً في أثناء الدورة إذا كان موقوفاً، وذلك الى ما بعد دور الإنعقاد (م97 من النظام الداخلي لمجلس النواب).
تعلّق الحصانة النيابية بالنظام العام:
إن المصلحة العامة هي التي تفرض إعطاء النائب الحصانة النيابية، لذلك فهي تتعلّق بالنظام العام. وقد نصت المادة 89 من النظام الداخلي لمجلس النواب على أن «مبدأ الحصانة النيابية متعلّق بالإنتظام العام». فلا يستطيع النائب أن يتنازل عن حصانته لأنها ليست ضمانة أو تأميناً لحقوقه الشخصية، بل حماية للمصلحة العامة التي يمثّلها النائب بصفته وكيلاً عن الإرادة الشعبية.
إنما يجوز للنائب أن يبادر الى قبول رفع الحصانة عنه في موضوع معين لكي يمثل أمام القضاء بعد موافقة مجلس النواب على مبادرته برفع الحصانة عنه؛ أي إن موافقة النائب على رفع الحصانة عنه لا تكفي في الحالات التي يوجب فيها الدستور الحصول على إذن مجلس النواب للملاحقة الجزائية.
-هل تحقق في لبنان حالة رفعت فيها الحصانة عن نائب ما وتمت ملاحقته جزائياً ومحاسبته عن أفعال جرمية ارتكبها؟
شهد لبنان ثلاث حالات تم فيها رفع الحصانة النيابية، الأولى في العام 1952 حين اتُهم النائب رفعت قزعون بقتل أحد الصحافيين، وفي العام 1994 رُفعت الحصانة عن النائب يحيى شمص لإتهامه بالإتجار بالمخدرات، فأصدرت محكمة الجنايات في بيروت بتاريخ 12/6/1996 حكمها بسجنه أربع سنوات، وبقي في السجن إلى حين صدور قانون عفو عام عن جرائم المخدرات، والثالثة في العام 1999 عندما رُفعت الحصانة عن النائب حبيب حكيم لإتهامه بإهدار المال العام في قضية محرقة برج حمود.
وخلاصة القول : تعتبر الحصانة النيابية إجراء استثنائي تقتضيه ضرورة جعل البرلمان بمنأى عن اعتداءات السلطات الأخرى وطغيانها , وهي وإن كانت في ظاهرها تخل بمبدأ المساواة بين الأفراد , إلا أن عدم المساواة هنا لم يقرر في حقيقة الأمر لمصلحة النائب الشخصية , بل لمصلحة سلطة الأمة ولحفظ كيان التمثيل النيابي وصيانته من كل اعتداء . ولكن هذا لا يعني أن يصبح أعضاء البرلمان دون بقية الأفراد – فوق القانون لا حسيب ولا رقيب عليهم – فالحصانة في الحقيقة ليست طليقة من كل قيد أو حد , بل هناك ضوابط وقيود عديدة تحد من نطاقها , فإذا ما تجاوز عضو البرلمان الحدود المسموح بها أو المشروعة لها تعرض للمسؤولية الكاملة .
و تجدر الإشارة هنا إلى أن السياق الجديد الذي تعيشه المجالس البرلمانية العالمية ظرفيته المتميزة , يدعو إلى اعتماد منظور جديد للحصانة النيابية يقوم على التمسك بالحصانة الموضوعية مقابل التقليص التدريجي من نطاق الحصانة الإجرائية , وذلك مع مراعاة الدور الحاسم الذي يمكن للقضاء أن يقوم به في تفعيل مفهوم و مضمون الديمقراطية و بناء دولة الحق بضمان سيادة القانون و مساواة الجميع أمامه في جميع الظروف و الأحوال. وعندئذ ستصبح المحاكمة العادلة, الحصانة الحقيقية ليس فقط للنواب , بل للناخبين أيضا, تكريسا لمبدأ المساواة بين الأفراد.
**