الأزمة الديبلوماسيةما من شك انّ المأزق الداخلي عميق جداً، ولعلّ ما يزيده عمقاً، هو نُذُر الأزمة الديبلوماسية مع دول الخليج الناشئة، على خلفية موقف وزير الاعلام من الحرب في اليمن، والذي كما هو واضح، جاء بصدى شديد السلبية على مستوى تلك الدول، التي انطلقت في حركة مضادة اعتراضاً على هذا الموقف. فيما سعت السلطات اللبنانية الى احتواء موقف قرداحي وإدراجه كموقف شخصي صدر عنه قبل تولّيه الوزارة، ولا يعبّر عن موقف الحكومة اللبنانية وحرصها على أمتن وافضل العلاقات مع الاشقاء العرب.
اعتراض خليجي
وفيما استدعت وزارة الخارجية السعودية السفير اللبناني وسلّمته مذكرة احتجاج رسمية، معتبرة انّ تصريحات وزير إعلام لبنان تتنافى مع الأعراف السياسية، وكذلك فعلت الخارجية الإماراتية والخارجية البحرينية التي سلّمت كتاب احتجاج الى السفير اللبناني، وايضاً الخارجية الكويتية التي استدعت امس القائم بالأعمال اللبناني للاحتجاج على تصريحات وزير الاعلام بخصوص الدور السعودي والاماراتي في اليمن، وجّه سفير اليمن في لبنان عبدالله الدعيس، الذي التقى أمس السفير السعودي في لبنان وليد البخاري، رسالة الى وزارة الخارجية استنكاراً لتصريحات قرداحي، فيما اعتبر وزير الخارجية اليمني أحمد بن مبارك تصريحات قرداحي “خروجاً عن الموقف اللبناني الواضح تجاه العلاقات بين البلدين”.
واللافت للانتباه في هذا السياق، انّ السفير السعودي في لبنان وليد البخاري قد أعاد نشر تغريدة لرئيس مجلس إدارة مشروع مسجد ومجمّع أبي بكر الصديق ورئيس الجمعية الخيرية للعطاء د. أحمد المزوّق، على حسابه، وفيها: “تصريحات مخزية لوزير الإعلام في الحكومة اللبنانية جورج قرداحي، وكأنّ لبنان ينقصه مثل تلك المواقف لندخل في أزمة ديبلوماسية جديدة بعد أزمة الوزير السفيه شربل وهبه”. وتابع: “وزير الإعلام هذا يجب أن يعتذر من السعودية حكومة وشعباً، ويجب أن يستقيل من الحكومة. لبنان لا يتحمّل حوثيين داخل حكومته”. كما أعاد البخاري نشر تغريدة لـ”SMM ARABIC” عبر حسابه على “تويتر”، “تُنسب لمصادر مطلعة أنّ العاملين اللبنانيين في القنوات السعودية قد يواجهون الاستبعاد بسبب تصريحات قرداحي”
وفي تصريح له أكّد البخاري “على موقف المملكة بشأن دعم الشرعية في اليمن، لإنهاء الأزمة اليمنية والتوصل إلى حل سياسي”، لافتاً الى “مواصلة الحوثيين المدعومين من إيران للأعمال العدائية و”العمليات الإرهابية” بإطلاق الصواريخ البالستية والطائرات المسيّرة المفخخة، لاستهداف المدنيين والأعيان المدنية في المملكة العربية السعودية”، ومشدّداً “على الحق المشروع لقيادة تحالف دعم الشرعية في اليمن، لاتخاذ وتنفيذ الإجراءات والتدابير اللازمة للتعامل مع هذه “الأعمال العدائية والإرهابية”
الى ذلك، أعلنت وكالة الأنباء السعودية انّ المملكة ممثلة برئاسة أمن الدولة، تصنّف جمعية “القرض الحسن” ومقرّها لبنان، كياناً إرهابياً لارتباطها بأنشطة داعمة لـ”حزب الله”.
وحظّر أمن الدولة التعامل بشكل مباشر أو غير مباشر أو لصالح جمعية “القرض الحسن”. “ونواصل التنسيق مع الدول الأخرى لاستهداف مصادر دعم “حزب الله” المالية”.
وفي السياق، شجب رئيس مجلس إدارة “مجموعة mbc” الشيخ وليد بن ابراهيم آل ابراهيم بأشد العبارات المواقف الأخيرة التي أطلقها وزير الإعلام جورج قرداحي في مقابلات تلفزيونية، مستنكراً “ما ساقه من اتهامات مغرضة استهدفت المملكة العربية السعودية تحديداً، وكذلك دولة الإمارات العربية المتحدة”
كما اعتبر آل ابراهيم تلك المواقف الصادرة عن قرداحي بأنّها “مستغرَبة جداً وغير مقبولة بتاتاً، وهي لا تُعبّر إلّا عن الآراء السياسية المنحازة والمنحرفة لمطلقيها، والمجحفة بحق ثوابتنا وتضحياتنا ومواجهتنا شبه اليومية للاعتداءات الإرهابية على أهلنا وأراضينا في المملكة، والعابرة للحدود والقيود، في لبنان واليمن والعراق وغيرها من الدول العربية التي تخضع لمنطق الإرهاب وسطوة السلاح”.
مجلس التعاون
وعبّر الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية نايف فلاح مبارك الحجرف، عن رفضه التام جملة وتفصيلاً لتصريحات قرداحي، وطالبه بعدم قلب الحقائق، والاعتذار عمّا صدر منه من تصريحات مرفوضة، مؤكّداً أنّ على الدولة اللبنانية أن توضح موقفها تجاه تلك التصريحات.
الموقف اللبناني
وكان هذا الموضوع محل بحث امس، بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي قال: “تطرّقنا خلال اللقاء الى ما تمّ تداوله بالأمس عن المقابلة التي بُثت اخيراً لوزير الاعلام، وكان تمّ تسجيلها قبل تشكيل الحكومة بأكثر من شهر. وقد عبّر فخامة الرئيس، كما اكّدت من ناحيتي ايضاً، انّ هذه المقابلة تعبّر عن رأي الوزير الشخصي، وليس عن رأي الحكومة ولا عن رأي فخامة الرئيس، ونحن نحرص على أطيب العلاقات مع الدول العربية. صحيح اننا ننأى بأنفسنا عن الصراعات، ولكننا لا ننأى بأنفسنا عن أي موقف عربي متضامن مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج، وهذا الموقف ثابت، كما نتطلع الى أطيب العلاقات واحسنها. انّ ما قاله معالي الوزير لن يؤثر على المسار العام، خصوصاً انّ ثوابت الموقف اللبناني من العلاقات مع الدول العربية وردت في البيان الوزاري. وقد اكّد فخامة الرئيس على هذا الموضوع، وانا هنا اشدّد على موقفنا الواحد من انّ هذا التصريح لا يمثل رأي الحكومة، بل نابع من رأي شخصي عبّر عنه الوزير قبل تشكيل الحكومة ولم نسمع به، وقد أُذيعت المقابلة بالأمس. هذا هو المسار الذي قرّرناه لناحية اننا تواقون الى اطيب العلاقات واحسنها مع الدول العربية، ونأمل ان يكون هذا الموضوع قد طوي”.
من جهتها، أعلنت وزارة الخارجية انّه “صدر كلام شخصي سابقاً” عن وزير الاعلام اللبناني جورج قرداحي قبل تعيينه وزيراً ونُشر بالأمس (الاول)، وهو لا يعكس موقف الحكومة اللبنانية الذي عبّر عنه رئيسها في البيان الصادر بالأمس (الاول)، ولا بيانها الوزاري الذي يتمسّك بروابط الأخوة مع الأشقاء العرب. كما وكانت وزارة الخارجية اللبنانية قد ادانت مراراً وتكراراً الهجمات الإرهابية التي استهدفت المملكة العربية السعودية، وهي ما زالت عند موقفها في المدافعة عن أمن وسلامة اشقائها الخليجيين التي تكن لهم كل محبة واحترام وتقدير، وتنأى عن التدخّل في سياساتهم الداخلية والخارجية”.
قرداحي
وقال الوزير قرداحي بعد إجتماع المجلس الوطني للإعلام: “الحلقة التي أثارت الجدل مؤخراً تمّ تصويرها في الخامس من آب، أي قبل تعييني وزيراً”.
وأضاف: “اتهموني بأنني آتٍ لقمع الإعلام، وإذا بهم امس واليوم يحاولون قمع رأيي وإدانتي على ما قلته قبل ان اصبح وزيراً”.
وتابع قرداحي: “ما قلته عن حرب اليمن لم أكن طرفاً فيه بل قلته كصديق، فأنا ضدّ الحرب العربية العربية، وأنا لم أهاجم ولم أشتم يوماً السعودية، والإمارات أعتبرها بلدي الثاني”. وأردف: “عندما يطالبني أحدهم بالاستقالة أقول له إنني اليوم جزء من حكومة متراصّة، ولا يمكن أن أتخذ قراراً لوحدي”. وختم قائلاً إنّه “لا يجوز أن يكون هناك من يُملي علينا ما يجب القيام به من بقاء وزير في الحكومة من عدمه، ألسنا في بلد سيادي؟ وأنا لم أخطئ لأعتذر”.
وفي وقت لاحق، صدر عن الوزير قرداحي توضيح قال فيه: “أود التأكيد مجدّداً على أنني ملتزم تماماً بالبيان الوزاري للحكومة، الذي كنت مشاركاً في إعداده ، وبسياسة الحكومة الخارجية، خصوصاً لجهة الحفاظ على افضل العلاقات مع الدول العربية الشقيقة، لاسيما المملكة العربية السعودية ودول الخليج واليمن التي أكن لها ولشعوبها عاطفة خاصة .. أما بالنسبة للحديث الذي أجرته معي محطة “الجزيرة اونلاين”، وبثته منذ يومين، فيعود تاريخه الى الخامس من شهر آب ، في اسطنبول، اي قبل اسابيع من تشكيل الحكومة وكنت أدليت به بصفة خاصة. تبقى مسألة الاعتذار، فأنا لديّ الشجاعة الأدبية لأن أعتذر عن خطأ ارتكبته اثناء وجودي في الوزارة بصفة رسمية”.
الجمهورية
**