لا تزال أحداث الطيّونة ترخي بظلالها على مجمل المشهد الداخلي في ظلّ التساؤلات من أكثر من جهة سياسية محلية وخارجية حول التداعيات المترتبة على الحكومة من جهة، والأمن في البلد من جهة أخرى، وذلك، في الوقت الذي تتوالى فيه التقارير والبرقيات من المبعوثين والسفراء الغربيين والعرب في بيروت إلى حكوماتهم، محذّرة من احتمال حصول حلقات توتّر جديدة قد تجرّ الساحة مجدداً إلى فتنة مذهبية وطائفية، وخصوصاً أن أفق التسوية لم يتّضح بعد. وفي هذا المجال، ترى مصادر سياسية مطّلعة، أن التحذيرات التي تطلقها بعض العواصم الغربية والعربية لرعاياها، محذرةً من السفر إلى لبنان أو للموجودين في بيروت لأخذ الحيطة، قد تبدو طبيعية كونها تأتي في سياق الاستعداد لأي تطوّرات أو تصعيد، في حال تأخّرت آليات التطويق والمبادرات التي تقوم بها أطراف ومرجعيات سياسية ودينية.
وفي الوقت الذي يطغى فيه الهاجس الأمني على ما عداه من هواجس وعناوين رغم أولويتها أيضاً كونها مرتبطة بالأمن الإجتماعي، تكشف المصادر نفسها، عن رسائل نقلها موفدون من خلال اتصالات هاتفية بمسؤولين لبنانيين، تحذّر من تدهور الوضع إلى حال من التعطيل والشلل، خصوصاً على مستوى الحكومة التي تبدو معطلة حالياً، وبالتالي، الانجرار إلى لعبة تصفية الحسابات السياسية الآنية بين العديد من القوى المتنافسة على حصد العدد الأكبر من الأصوات المؤيّدة في الإنتخابات النيابية المقبلة، وبصرف النظر عن الكلفة الباهظة المترتبة، والتي لن تقتصر فقط على تخريب السلم الأهلي، بل إلى تسريع الإرتطام الشامل للوضعين المالي والإقتصادي، فيكون الجميع قد بات أسير العاصفة التي لن توفّر فريقاً أو جهةً من حيث الإنعكاسات الكارثية.
ومن ضمن هذا السياق، تنقل المصادر السياسية، عن جهات ديبلوماسية، تحذيرها من أن تكون الحكومة الضحية المباشرة لموجة التصعيد السياسي والأمني الأخير، وبأن تنسف المستجدّات على الصعيدين القضائي والأمني كل المحاولات الجارية من أجل بناء جسور التواصل والتعاون مع المجتمع الدولي، تمهيداً للحصول على الدعم اللازم لإطلاق خطة الحكومة الإنقاذية. وتستدرك المصادر مشيرةً إلى أن حكومة الرئيس نجيب ميقاتي قد باتت اليوم محاصرة، ولا تملك القدرة على المبادرة وتجاوز اللغم الذي انفجر على طاولتها يوم الأربعاء الماضي، وما زال يضع نشاطها على المحكّ كون القرار بعودة الحكومة إلى الإجتماع غير موجود على طاولة هذه الحكومة، لا سيما بعدما اعتبر رئيسها أن لا جلسة لمجلس الوزراء قبل إيجاد الحلول للمشكلة الراهنة، وذلك من دون إسقاط ما اتفق عليه الرئيسان ميشال عون وميقاتي، على عدم التدخل في شؤون القضاء، والإلتزام بتطبيق الدستور ومراعاة القوانين في عملية التحقيق الجارية في جريمة تفجير مرفأ بيروت.
ومن هنا، فإن الوضع الداخلي، كما العمليات الجارية لتسوية الخلاف الحالي، هو موضع متابعة من المجتمع الدولي، كما تكشف المصادر السياسية نفسها، والتي تحذّر من أن الوعود الدولية بدعم حكومة ميقاتي قد تصبح متصلة بملف التحقيق في تفجير المرفأ.
**