بعد تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة نجيب ميقاتي تراجع سعر صرف الدولار من ١٩الف ليرة الى ١٦الف ليرة ووصل خلال التشكيل الى ما دون الـ ١٥الف ليرة لبنانية وهذا ان دل على شىء فأن الطابع السياسي للازمة التي تعصف بنا منذ حوالي السنتين هو الاكثر تأثيرا في حياة لبنان واقتصاده .
واذا كان البعض من المواطنين قد سارع الى التخلص من دولاراته تحسبا وتخوفا من خسائر جسيمة قد يتعرض لها بعد تشكيل الحكومة فأن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو:هل يتخلى المواطنون عن حوالي ٨مليارات دولار ما تزال موجودة في خزائنهم في منازلهم ويعيدونها الى المصارف ام يفضلون الانتظار لمعرفة الاتجاهات التي ستسلكها الحكومة خصوصا بالنسبة لتطبيق الاصلاحات والمفاوضات مع صندوق النقد الدولي مع العلم ان الحكومة والقطاع المصرفي سيصبان اهتمامهما على هذه الاموال الموضوعة في المنازل لان حجم هذه الاموال كبير جدا ويمكن اذا تمكنت الحكومة من استعادة الثقة المفقودة لدى المواطنين ان تكون هذه الاموال بتصرف الاستهلاك والاقتصاد الوطني.
ولكن المؤمن لا يلدغ من الجحر مرتين : المرة الاولى عندما حجزت المصارف اموال المودعين دون وجه حق وتركتهم يشحذون اموالهم بالقطارة ومن تمكن من تسريب بعض امواله لن يفرط بها اليوم ولن يخرجها من خزائنه الا متى اطمئن الى وضع المسيرة الاصلاحية على السكة الحقيقية ،لان تشكيل الحكومة لا تعني ان الاوضاع الاقتصادية عادت الى دورتها المعتادة خصوصا عندما يكون هناك متربصون ينتظرون الانقضاض على فريستهم اي الذين ما يزالون يملكون الدولارات ويتحينون الفرص من خلال بعض الايجابيات السياسية كتشكيل الحكومة كي يستولواعلى دولاراتهم الموضوعة في منازلهم .
لا يمكن لهؤلاء الذين يملكون الدولارات في خزائنهم ان يتخلوا عنها بهذه السهولة خصوصا ان التجارب علمتهم «هين فلوسك ولا تهين نفوسك»عندما تركوا وحيدين لا حكومة تسأل عنهم ولا صوت يلبي استغاثاتهم في ظل الارتفاع الجنوني لاسعار السلع والمواد الغذائية والطوابير التي كانت تقف لساعات امام محطات البنزين الذي كان يهرّب او يحتكر او يخزن ،وبالتالي فأن اكثرية هؤلاء ما زالوا متمسكين بدولاراتهم بأنتظار جملة من المعطيات التي يجب ان تتكون لديهم لكي يتخلوا عن دولاراتهم وليس كما حصل امس عند اول هبة باردة ايجابية سارع البعض الى الصرافين الذين ما يزالون يمسكون جيدا لعبة السوق السوداء لذلك فهم اشتروا الدولارات من المواطنين لكنهم تريثوا في بيعها من اجل تحقيق الارباح عند اول سقطة لهذه الحكومة .
وتطالب المصادر المالية المطلعة من هذه الحكومة استعادة الثقة بينها وبين المواطنين وحسنا فعل الرئيس ميقاتي عندما تخلى عن القرأة وتوجه بلغة القلب الى المواطنين الذين لا يريدون سوى تأمين الرغيف والكهرباء والمازوت والاستشفاء والتربية فهل هذا كثير عليهم ؟
المطلوب من هذه الوزارة بدء المفاوضات مع صندوق النقد الدولي لتأمين الاموال لاسترجاع الثقة اولا والبدء بالاصلاح الممهد لولوج ابواب دولية اخرى تساعد لبنان على النهوض الاقتصادي وعيون الحكومة ستتجه بالتأكيد الى الـ ١١مليار دولار التي خصصها مؤتمر سيدر لكن السؤال هل ستتابع الحكومة ما بدأته الحكومة السابقة في مفاوضاتها مع الصندوق مع العلم ان اعتراضات كثيرة صدرت ضد هذه الخطة خصوصا من قبل مصرف لبنان والمصارف حيث لم يبت حتى الان بالخسائر المالية والفجوة المالية ومن يتحملها .
لا بد من وضع خارطة طريق لا تعتمد على جمال الوزراء بل على ادائهم وكيفية ممارستهم لمهامهم التي يتعلق عليها الامال للخروج من النفق المظلم الذي يعيشه اللبنانيون وخصوصا تأمين لقمة عيشهم دون اذلال وتعتير.
لا بد لهذه الحكومة ان تسارع الى وضع الحلول لازمة طوابير المحروقات بالغاء الدعم عنها واطلاق البطاقة التمويلية لمستحقيها واعادة التغذية الى التيار الكهربائي ولعل الاهم اعادة الدولار الى مستويات اقتصادية او يهذب من العوامل السياسية كي يتمكن المواطن من التأقلم مع الواقع الجديد .
صحيح ان الاصلاحات تعتبر ضرورية ولكن من يعارضها يكتشف ان ما كان يدفعه للمحروقات والكهرباء بات اضعاف اسعارها الحقيقية وبالتالي من المفروض ان تتكامل هذه الاصلاحات مع خطة اجتماعية متكاملة بعد ان وصل اكثر من نصف اللبنانيين الى خط الفقر .
واذا كان تعميم مصرف لبنان رقم ١٥٤المتعلق بأعادة هيكلة القطاع المصرفي فأنه ان الاوان ان يكشف مصرف لبنان عن هذا الموضوع ومن سيبقى ومن سيخلي الساحة المصرفية لان القطاع المصرفي يبقى العامود الفقري للاقتصاد الوطني والممول لمختلف القطاعات الاقتصادية وبالتالي سيكون مواكبا لاي عملية نهوض اقتصادي .
صحيح ان الرئيس ميقاتي ذرف دمعة على الام التي لم تستطع تأمين الحليب لطفلها ولكنه سيذرف دموع الفرح اذا تمكن من النجاح في اعادة الوطن الى حضن ابنائه .
هل نعلق الامال الكبيرة على هذه الحكومة ؟تبقى افضل من العدم والارتطام الكبير واللبنانيون امتهنوا الاحلام الصغيرة وليس لهم سواها والامل كبير
سألنا احد الاختصاصيين في موضوع الدولار والليرة اللبنانية فأجابنا :بعد بكير لننتظر توحيد سعر الصرف والمفاوضات مع صندوق النقد الدولي وامكانية تطبيق الاصلاحات.
المصدر: “الديار – جوزف فرح”
**