بمناسبة مرور سنة على جريمة تفجير مرفأ بيروت، أصدر مكتب الإدعاء التابع لنقابة المحامين في بيروت بيانا يتعلق بنتيجة متابعته للتحقيقات منذ سنة وحتى اليوم بصورة حثيثة ومتواصلة، وجاء فيه:
“لا تخفي النقابة ولا مكتب الإدعاء إنطباعاتهما عن سير التحقيقات في هذه الذكرى الأليمة، والميزة الأساسية لهذه الإنطباعات هي عدم الرضى والإطمئنان على مسار التحقيقات وتخوف جدي على إمكانية إحقاق الحق وتحقيق العدالة الكاملة في جريمة العصر هذه.
ويمكن في هذا المجال تسجيل العيوب والزلات التالية، سواء في مسارات التحقيق الداخلي، أم في التعاون الدولي مع التحقيق، أم في الشق المتعلق بتعويض الضحايا وأهالي الضحايا والمتضررين.
1- على صعيد مسار التحقيقات في الداخل، يمكن تسجيل الزلات التالية:
– تنحّي المدعي العام لدى المجلس العدلي بحجة إرتباطه بأحد النواب المطلوب رفع الحصانة عنهم. وتولي متابعة التحقيقات أحد معاونيه أو إثنين من معاونيه.
يضاف إلى هذا المعطى المعلن عنه عن أسباب التنحي، معطى إضافي يتمثل بتولي حضرة النائب العام التمييزي توجيه التحقيق الذي أجراه الرائد جوزف النداف خلال شهري أيار وحزيران 2020 بشأن تخزين كمية النيترات امونيوم في العنبر رقم 12 في مرفأ بيروت، وهو تحقيق إنتهى إلى إعطاء حضرة النائب العام التمييزي إشارة تتعلق بتدابير لمنع سرقة العنبر أكثر من تعلقها بمعالجة خطورة تخزين هذه المادة. وقد تبع هذه الإشارة إصدار حضرة المحامي العام التمييزي، الذي يتولى هذه القضية منذ تنحي حضرة النائب العام التمييزي، قراراً بحفظ ملف القضية التي تولى التحقيق فيها الرائد النداف.
وقد أدت هذه الظروف إلى تخلي النيابة العامة لدى المجلس العدلي عملياً عن دورها كسلطة ملاحقة.
وعلى سبيل المثال:
– فقد وافق أحد المحامين العامين خلال شهر كانون الأول 2020 على طلب تخلية سبيل مشتبه بهما أساسيين في القضية (رئيس إدارة وإستثمار مرفأ بيروت السيد حسن قريطم ومسؤول الأمن المرفأ في إدارة وإستثمار مرفأ بيروت السيد سامر العوف) وذلك لأسباب غير مفهومة، قبل أن يرد المحقق العدلي طلب تخلية سبيلهما.
تجدر الإشارة إلى أن النيابة العامة عادت وناقضت موقفها المتخذ خلال شهر كانون الأول 2020 عندما رأت رد طلب تخلية سبيل السيدين قريطم والعوف لاحقا لدى تقديمهما طلب تخلية سبيل خلال شهر آذار 2021.
مما يدعو للتساؤل عن مبررات الموافقة على طلب تخلية سبيلهما في المرة الأولى ومعارضة ذلك في المرة الثانية.
– إتخاذ النيابة العامة موقفاً من الحصانات ومن المرجع المختص لمحاكمة الوزراء، إذ إعتبر المحامي العام التمييزي في مذكرة تقدم بها رداً على طلب نقل الدعوى من أمام المحقق صوّان، أن القضاء العدلي ليس مختصاً لمحاكمة رئيس وزراء ووزراء، بحيث أنه بدل فتح المجال أمام الهيئة العامة أو المحقق العدلي أو مرجع قضاء حكم للبت بمسألة الصلاحية، تلكأت سلطة الملاحقة سلفاً عن أي إجراء ملاحقة مع الرؤساء والوزراء.
– إتخاذ النيابة العامة موقفاً من سلطة المحقق العدلي الإستثنائية في سماع الموظفين كمدعى عليهم سنداً للمادة 362 أ.م.ج (حتى ولو كانت النيابة العامة لم تدعِ عليهم)، بحيث فسرت النيابة العامة المادة 362 أ.م.ج تفسيراً ينزع من المحقق العدلي سلطة سماع مشتبه به كمدعى عليه إذا كان موظفاً إذا لم تكن النيابة العامة بالذات قد إدعت أو إتخذت إجراءات ملاحقة بحقه.
إن مواقف النيابة العامة هذه أدت عملياً بالتالي إلى تعطيل دورها كسلطة ملاحقة.
– إلصاق تهمة الإرتياب المشروع بالمحقق العدلي القاضي فادي صوان بمجرد أن وسع مروحة تحقيقاته لتشمل سياسيين من رئيس وزراء حالي ووزراء سابقين أو نواب، حتى بلغ الأمر إصدار محكمة التمييز قراراً بنقل الدعوى للإرتياب المشروع بالمحققق العدلي بذريعة واهية وهي أن المحقق العدلي تضرر منزله من جراء الإنفجار وتقاضى تعويضاً عن هذه الأضرار.
– تحرك السياسيين وإستنهاض قواهم وحضورهم السياسي بصورة تلقائية لحماية مواقع سياسية وإبقائها بمنأى عن الحقيقات العدلية. وهذا ما حصل مثلاً مع مسألة الإدعاء على رئيس الوزراء في الحكومة المستقيلة.
– إستنفار أكثرية الكتل النيابية لحجب إختصاص المحقق العدلي في التحقيق مع الرؤساء والوزراء وإبقاء التحقيق معهم ضمن إطار لجنة تحقيق برلمانية والمجلس النيابي ومجلس محاكمة الرؤساء والوزراء غير المشكّل أصلاً.
ويمكن التساؤل في هذا المجال، لماذا لم يتحرك المجلس النيابي لحظة وقوع الإنفجار لتشكيل لجنة تحقيق برلمانية، ولماذا إنتظر وصول طلب رفع حصانات عن بعض الوزراء السابقين النواب الحاليين للسير بإجراءات تصب في خانة حفظ صلاحية المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء الذي لم يمارس أية مهام قضائية في أي يوم من الأيام.
– مزايدة السياسيين لإدخال مسألة الحصانات في التجاذبات السياسية وتعديل الدستور لوضع العوائق أمام شمولية التحقيق العدلي.
– تعقيد آلية إعطاء إذن ملاحقة بعض كبار مسؤولي القادة الأمنيين.
2- أما على الصعيد الخارجي، فأمكن تسجيل بعض العوائق على الشكل التالي:
– ما زال المحقق العدلي بإنتظار نتيجة عدة إستنابات قضائية وجهت الى السلطات القضائية في أكثر من بلد في الشرق وفي الغرب، في أوروبا كما في إفريقيا.
– وكذلك لم يتم تزويدنا بأية صور جوية أو Satellite تظهر موقع الإنفجار خلال فترة الحريق والإنفجار أو حتى قبله أو بعده لحجج ليست مقنعة. رغم مطالبتنا حضرة الأمين العام للأمم المتحدة بذلك.
وبالتالي، فلا تعاون دولي جدي مع التحقيقات لكشف كل جوانب الحريق والتفجير اللذين وقعا في 4 آب 2020.
٣- أما على صعيد التعويض عن الضحايا وأهالي الضحايا والمتضررين:
فلا زالت مسألة التعويض الجدي للضحايا وأهالي الضحايا وللمتضررين، كل المتضررين، غير واضحة لغاية تاريخه، أمام غياب الدولة التي إكتفت بتعويضات رمزية لبعض المتضررين، وبقيت المدينة مدمرة، وبقي الضحايا وأهالي الضحايا والمتضررين بدون أي تعويض جدي رغم مضي سنة على جريمة العصر، وبقي المصابون والمعاقون من جراء هذه الجريمة في مواجهة الظروف الإقتصادية الصعبة وتكاليف العلاج الباهظة، ولولا دعم بعض الجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني لبقيت المدينة المدمرة والمهجورة على حالها منذ سنة ولغاية تاريخه.
**