بعد فشل المبادرة التي أطلقها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في آب الماضي لتشكيل حكومة لبنانية جديدة، وعلى وقع تحديات داخلية وإقليمية كبيرة، عاد رئيس الوزراء الأسبق نجيب ميقاتي إلى المشهد مجدداً، بعدما كلّفته الكتل النيابية بأغلبية 72 صوتا بتشكيل الحكومة المنتظرة. الاستشارات.
استطاع ميقاتي أن ينال التكليف بأصوات الكتل النيابية التابعة لكل من تيار المستقبل، وكتلة الوسط التي يترأسها، وحركة أمل وحزب الله ، والحزب التقدمي الاشتراكي، وكذلك تيار المردة، والحزب القومي السوري الاجتماعي ونصف عدد أعضاء اللقاء التشاوري، مع مستقلين آخرين.
في حين امتنع عن تسميته كل من التكتلين المسيحيين الكبيرين “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية”، وآخرون.
ويعتبر ميقاتي، بشكل أو بآخر، الحليف السياسي للسعودية في لبنان الذي تلعب فيه الطائفية دوراً رئيسياً في تشكيل حكوماته، بل وفي أغلب أزماته إجمالاً.
ويأتي التكليف الجديد لميقاتي في وقت يعيش فيه لبنان أزمة سياسية واقتصادية هي الأسوأ على الإطلاق منذ انتهاء الحرب الأهلية عام 1990. وقد وقفت به هذه الأزمة على حافة الانهيار المالي والسياسي، وجعلت شبح الفوضى الداخلية تلوح مجدداً في الأفق. وفي خضم هذه الأزمة التي تعصف بالبلد، ما تزال الحسابات الطائفية والتوازنات السياسية والتفاهمات الدولية والإقليمية وصراع النفوذ، تسيطر على الملفات كافة، وتحكم كل شيء بغض النظر عما يعانيه المواطن من مخاوف وما يعتصره من أزمات.
فالبلد الذي يمثل حصّة فرنسا في المنطقة، كما يقول البعض، هو أيضاً الحديقة الخلفية لبعض الدول الإقليمية. وبعد لقائه رئيس الجمهورية ميشال عون، أعلن ميقاتي فور تكليفه أنه عازم على تشكيل حكومة اختصاصيين من غير الحزبيين، مهمتها تطبيق الإصلاحات الاقتصادية والمالية والإدارية الواردة في ورقة المبادرة الفرنسية، والعمل على إعادة إعمار ما دمره انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس الماضي.
وتعتبر إعادة الدعم السعودي إلى لبنان واحدة من أهم القضايا التي سيكون على ميقاتي خوضها؛ لكونه الأقدر على نيل ثقة ودعم الرياض، لكن هذه الثقة ربما تصطدم بقدرته على تشكيل حكومة تحوز على موافقة الرياض التي تعارض على وجود حزب الله في الحكومة.
بالمقابل ترى مصادر مطلعة أن هذا الموقف السعودي من عودة ميقاتي لرئاسة الحكومة مرتبط بعدّة تطوّرات؛ منها الموقف الأمريكي والفرنسي الداعم لميقاتي، فضلاً عن رغبة الرياض في ترسيخ نوع من الاستقرار في لبنان لإتاحة المجال للدفع قدماً بعملية اعادة العلاقات العربية – العربية على وقع التطورات الحاصلة في المنطقة وتحديدا في العراق وتونس حيث بدأت الترتيبات الإقليمية لما بعد حقبة “داعش” وتنظيم “الاخوان المسلمين” في منطقتنا العربية.
وأضافت المصادر، في تصريح لـ”موقع التوحيد العربي”، أن السعودية ترغب في العودة لممارسة دور فاعل في لبنان، إضافة إلى رغبتها في التأثير ربما في مرحلة ترسيم الحدود البحرية بين لبنان و”إسرائيل”.
وترى المصادر أن ميقاتي أمام تحدّ كبير؛ لأنه من الصعب مواجهة المحاصصة وتقاسم الوزارات مع أحزاب السلطة، لا سيما الثنائي الشيعي ، مشيرة إلى أن ميقاتي اصبح حاجة ملحة للمنظومة الحاكمة كغطاء للحصول على مساعدات دولية ومنع الانهيار الكامل للدولة.
ولفتت المصادر إلى أن هذا الأمر حدث في حكومات سابقة لميقاتي، لكنها ما لبثت أن انهارت تحت وطأة تضارب المصالح.
وإذا كان السؤال الذي يطرح بقوة مع فتح صفحة التأليف هو: هل يعطي الرئيس ميشال عون لـ «ميقاتي» ما لم يعطه لـ «الحريري؟ فإن السؤال الآخر الذي ينافسه بقوة هو: لماذا ينجح ميقاتي حيث أخفق الحريري؟ ماذا تغير في الوضع والمعطيات؟ وما عناصر النجاح التي يرتكز إليها ويستقوي بها؟
ان العنصر الأول في العناصر المكونة لنجاح ميقاتي يكمن في موقف المجتمع الدولي الذي صارت الأولوية لديه في لبنان هو تشكيل حكومة لاحتواء الأزمة ووقف الانهيار المتسارع في ظل حكومة تصريف الأعمال المتخاذلة. ولكن يبقى أن الدعم الدولي ليس «شيكا على بياض»، وإنما مشروط بحكومة تلتزم الإصلاحات وقادرة على اتخاذ قرارات صعبة.
هذا الغطاء الدولي يكمله غطاء عربي كان واضحا من جهة مصر التي دعمت بقوة سعد الحريري لرئاسة الحكومة ولكنها عادت ودعمت أو تفهمت اعتذاره . أما من جهة المملكة العربية السعودية، فلم يكن ثمة من غطاء ودعم مسبق، وإنما كان هناك تقبل وتفهم وعدم ممانعة لرئاسة ميقاتي. أما الدعم فيظل مشروطا بنوعية الحكومة الجديدة وسياستها الإقليمية.
إذا كان العامل الخارجي مساعدا للرئيس المكلف الجديد الذي جاء في توقيت ملائم، فإن العوامل الداخلية المساعدة تبقى هي الأهم. وإذا وضعنا جانبا التغطية «السنية» الكثيفة التي حاز عليها ميقاتي وكان الحريري في أساسها، والحماية السياسية التي يؤمنها الرئيس نبيه بري مهندس عملية تكليف ميقاتي ، فإننا نتحدث عن عوامل اساسية تدفع إلى إنجاح مهمة ميقاتي والتعجيل بولادة الحكومة وهي:
العامل الأول: يتعلق بموقف الرئيس ميشال عون الذي كان متشددا مع الحريري وأصبح متساهلا وإيجابيا مع ميقاتي.
العامل الثاني: الأزمة الاقتصادية والمالية التي تجاوزت الخط الأحمر وخرجت عن سيطرة حكومة تصريف الأعمال.
العامل الثالث: التبدل الحاصل عند الرئيس عون يرتبط بالتغيير الملموس في موقف حزب الله المؤيد لتكليف ميقاتي والدافع إلى تشكيل الحكومة في أسرع وقت.
العامل الرابع: التبدل الحاصل في موقف حزب الله،الذي تربطه علاقة جيدة مع ميقاتي الذي نجح في تقطيع مرحلتين أساسيتين الأولى في العام 2005 بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري والخروج السوري من لبنان والثانية في العام 2010 بعد أحداث 7 ايار واتفاق الدوحة. يضاف إلى ذلك أن ميقاتي هو المرشح الأنسب وربما الأوحد بعد الحريري، والحزب يتماهى مع الرئيس نبيه بري على السير بمن يسميه الحريري وتتأمن له التغطية السنية، وعلى تفادي أن تكون الحكومة أو رئاستها سببا لمشكلة وتوترات بين الشيعة والسنة.
العامل الخامس. وصول المنظومة الحاكمة لخلاصة أن الوضع لم يعد يحتمل فراغا حكوميا، ولم تعد حكومة حسان دياب صالحة للاستخدام، وأن لبنان يسلك طريق الانهيار لا بل وصلت السلطة الحاكمة إلى قناعة بأن الوضع بات يتطلب مقاربة مختلفة للملفات وطريقة في التعاطي أكثر حزما وجدية خاصة وان الانتخابات النيابية على الأبواب.
**