بدأت السقوف المحددة للسحب من الودائع الدولارية على سعر الـ3900 ليرة للدولار تؤثر سلباً في الحياة اليومية للعائلات بسبب عدم كفايتها. هذا الانعكاس بات يؤثر بدوره على مجمل الحركة التجارية في البلد، الأمر الذي يزيد في نسَب الانكماش الاقتصادي، فهل من حلول لهذه الأزمة؟
بعد فترة من بدء تطبيق تعميم مصرف لبنان 151 الذي أجاز للمودعين سحب أموالهم من حساباتهم بالدولار على سعر صرف 3900 ليرة لبنانية للدولار الواحد ضمن سقوف شهرية محددة، عَمد معظم المودعين الى تقليص حجم استهلاكه الشهري الى حدود تلك السقوف لئلا يضطر الى سحب دولارات اضافية من حساباته على سعر صرف الرسمي عند 1500 ليرة، الأمر الذي سيفاقم حجم الخسارة التي مُني بها، علماً انّ السقوف المحددة بـ1000 أو 2000 دولار شهرياً للسحب النقدي على سعر صرف الـ3900 ليرة لا تكفي لتغطية نفقات معظم العائلات.
رغم ذلك، تستنفد نسبة كبيرة من المودعين المبالغ الشهرية المسحوبة على سعر صرف الـ3900 ليرة، وتُحجم بالتالي عن شراء الكماليات بل تنحصر مشترياتها بالاساسيات فقط لغاية حلول الشهر المقبل، ما دفع عددا كبيرا من المؤسسات التجارية بدءاً من السوبرماركت والصيدليات والمحال التجارية الصغيرة وصولاً الى المراكز التجارية مؤخراً الى اعتماد إمّا سعر صرف مماثل للسعر المحدد للسحوبات المصرفية النقدية عند 3900 ليرة للدولار أو سعر صرف قريب منه يتراوح بين 3000 و3600 ليرة، وذلك لتحفيز المستهلكين وحَثّهم على استخدام ودائعهم الدولارية المحتجزة لدى المصارف من خلال الدفع ببطاقاتهم الائتمانية، ما يساهم في تقليص نسبة الـ haircut التي يتعرض لها المودع عند سحب اية اموال اضافية تفوق السقف المحدد للسحب النقدي على سعر صرف الـ3900 ليرة، ويرفع من قدرته الشرائية الشهرية من ناحية حجم الاموال التي ينفقها شهرياً.
وفيما يتزايد يوماً بعد يوم عدد المؤسسات التجارية التي بات يعتمد سعر صرف خاص به قريب من السعر المحدد في التعميم 151، وبما انّ هذه الوسيلة في حال تعميمها على كافة مؤسسات القطاع الخاص ستؤدي الى تقلّص كبير في حجم الكتلة النقدية بالليرة المتداولة في السوق لأنها ستُغني عن عمليات السحب النقدية على سعر الصرف الـ3900 ليرة وتستبدلها كما كان هدف الشمول المالي في السابق، بتفعيل وسيلة الدفع عبر البطاقات الائتمانية، يبقى السؤال: لماذا لا تعتمد كافة مؤسسات القطاع الخاص سعر صرف الـ3900 ليرة؟ وما الذي يحول دون ذلك؟
في هذا الاطار، اوضح عضو لجنة القضايا الإنتاجية في المجلس الاقتصادي والاجتماعي عدنان رمّال لـ»الجمهورية» ان بعض المؤسسات، كلّ وفق وضعه المالي المصرفي، اعتمد سعر صرف يتراوح بين 3000 و3900 ليرة لكل دولار عند الدفع بوسيلة الشيك المصرفي او البطاقة الائتمانية. واشار الى انّ السبب وراء عدم قدرة كافة مؤسسات القطاع الخاص على اعتماد سعر الصرف هذا، يعود بشكل أساس الى المصارف ولأسباب عدّة منها:
– إقفال حسابات الشركات المصرفية واقتصار اعمالها على السيولة النقدية فقط.
– إحجام المصارف عن فتح حسابات مصرفية جديدة للشركات والافراد.
– السقوف المالية المحددة للسحب على سعر صرف الـ3900 ليرة للشركات والمماثلة للافراد والتي تبلغ 1000 دولار شهرياً، بما يعيق المؤسسات من اعادة سحب الاموال التي دخلت الى حساباتها بالدولار عبر الشيكات او البطاقات الائتمانية على سعر صرف الـ3900 ليرة.
– تعذّر وتأخير الشركات في اعادة سحب الاموال من حساباتها المصرفية بالدولار على سعر صرف الـ3900 ليرة، يؤدي الى فقدان تلك الاموال قيمتها الفعلية بسبب التدهور المستمرّ في سعر الصرف في السوق الموازية.
وأشار رمّال الى انّ اصحاب الودائع بالدولار يحق لهم استخدام ودائعهم، خصوصاً انهم رضخوا واقتنعوا بعملية الـhaircut التي يتعرّضون لها قسراً، وبالتالي عند تخطّي سقوف السحب النقدي المحدّدة لهم شهرياً، هم على استعداد لإنفاق المزيد من دولاراتهم من خلال شراء السلع وتسديد قيمتها عبر بطاقتهم الائتمانية شرط ان يحتسب دولارهم المحتجز بسعر صرف موازٍ او قريب من سعر الـ3900 ليرة.
في المقابل، شرح انه يتعذّر على كافة مؤسسات القطاع الخاص اعتماد سعر الصرف هذا، بسبب السقوف الشهرية المحددة من قبل المصارف لسحوباتهم النقدية على سعر صرف الـ3900 ليرة. أي انه على سبيل المثال، إذا دخل في حساب الشركات 50 الف دولار، فهي غير قادرة على سحب سوى 1000 دولار منها على سعر صرف الـ3900 ليرة، وهو مبلغ لا يكفي لتسديد أكلافها التشغيلية حتّى. وبالتالي، رأى رمّال انه في حال رفعت المصارف سقوف السحب للشركات التجارية على سعر صرف الـ3900 ليرة أو سمحت بسحب نسبة مئوية معينة من حجم الاموال التي تدخل في حساباتها شهرياً، تكون قد وضعت حلّاً للافراد والشركات على حدّ سواء.
وعَدّد النقاط الايجابية في اعتماد سعر صرف الـ3900 ليرة في مؤسسات القطاع الخاص، منها:
– السماح للمودعين بإعادة استخدام حساباتهم المصرفية بالدولار ورفع حجم إنفاقهم الشهري.
– تقليص حجم الكتلة النقدية بالليرة المتداولة في السوق، وبالتالي خفض الطلب على الدولار.
– تقليص اضافي لحجم الودائع بالدولار، وهو عامل ايجابي بالنسبة للمصارف.
– تراجع عمليات بيع الشيكات المصرفية، واستعادة الشيك المصرفي دوره الاساسي.
كما اعتبر رمّال انّ اعتماد طريقة تسعير السلع والبضائع في المحال التجارية بالدولار، يسهّل عملية الدفع بكافة الوسائل، نقداً بالدولار او بالليرة على سعر صرف السوق او عبر الشيكات المصرفية او البطاقات الائتمانية، بما يتيح استخدام دولارات المودعين المحتجزة من دون إجراء اي عملية اقتطاع اضافية على غرار السحب بالليرة، إن على سعر صرف الـ1500 او الـ3900 ليرة.
المصدر:”الجمهورية” – رنى سعرتي
**