ليس هناك من هو محرج أكثر من «حزب الله» في هذه اللحظة السياسية، كونه يكاد يكون القاسم المشترك الوحيد بين حلفائه المتخاصمين. فكيف يقارب الواقع السياسي المستجد؟ وما ردّه على اللوم الذي يُوجّه إليه من الأقربين؟
على رغم «النيران الصديقة» التي يتعرّض لها «حزب الله» جرّاء قراره «النأي بالنفس» عن تجاذبات النزاع الحاد حول بنية الحكومة وتفسير الدستور، الّا انه مقتنع بتواجده في الموقع الصَح. والمفارقة، انّ كلفة الصَح في السياسة اللبنانية قد تكون أحياناً اكبر من كلفة الغلط، وهذا ما يشعر به الحزب حالياً بعدما وجد نفسه «عالقاً» بين حليفيه الرئيس ميشال عون والرئيس نبيه بري، وكذلك بين خياره الواقعي لهذه المرحلة الرئيس سعد الحريري وخياره الاستراتيجي النائب جبران باسيل.
واذا كان «حزب الله» قد أصبح خلال الآونة الأخيرة عرضة للاتهامات والانتقادات من قبل حلفاء اساسيين او شركاء في التسويات، فهو يعتبر انّ ذلك يُحسب له وليس عليه، كون هذه «الظاهرة» تشكل في رأيه مؤشراً واضحاً الى انّ موقفه سليم، وتَموضعه دقيق، على قاعدة رفض الانخراط في النزاعات الجانبية والعبثية، والامتناع عن الانحياز الى هذا الحليف او ذاك على حساب الآخر.
يشعر الحزب بأنّ كل طرف يريد أن يستقوي به ضد غريمه، وهو الأمر الذي لن يسمح به «لأننا لا نعمل عند أحد ولسنا في وارد الانجرار الى اصطفافات وسجالات لا طائل منها. وبالتالي، لن نخضع لمعادلة إمّا معنا وإمّا ضدنا، لأنّ الامور لا تقاس على هذا النحو في ظل تركيبة داخلية، معقدة ومرهفة».
الاولوية الاساسية بالنسبة الى الحزب حالياً، وخلافاً لتقديرات خصومه، هي تشكيل حكومة إنقاذ تكون قادرة على لجم الانهيار، وما دام الرئيس سعد الحريري لا يزال مكلفاً ولم يعتذر، فإنّ الحزب مستمر في دعم مساعي تأليف الحكومة برئاسته.
هذه المقاربة أصبحت تستفزّ رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر اللذين يستغربان موقف الحزب الداعم للحريري، بينما هما يفترضان انّ مقتضيات التحالف تستوجِب منه الوقوف الى جانب العهد وتياره في معركة الدفاع عن الصلاحيات والحقوق، وليس مؤازرة الرئيس المكلف او حتى البقاء على الحياد.
وفيما كانت مآخذ التيار على بعض مواقف الحزب خافتة الصوت نسبياً في السابق، بَدت نبرتها هذه المرة مرتفعة وحادّة، ولعل الرسالة الاعتراضية من النائب السابق نبيل نقولا الى الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله تعكس بوضوح هذا المنحى التصاعدي في طريقة مخاطبة الحزب وقيادته.
وتفيد المعلومات انّ الحزب كان مُمتعضاً من تصرّف نقولا وهو عاتَب شخصيات «برتقالية» على سلوكه، خصوصاً انّ من تقاليد العلاقة بين الجانبين مناقشة المسائل الخلافية في الغرَف المغلقة، فإذا تعذّر الاتفاق يتم تنظيم الخلاف الموضعي من دون السماح له بالتأثير على التحالف الاستراتيجي.
سمع الحزب من قيادة التيار تفسيرات توحي بأنّ بعض الآراء العالية السقف التي تصدر عن شخصيات تنتمي اليه إنما تنطوي في أحيان عدة على اجتهاد شخصي.
لم يقتنع الحزب كثيراً بهذا الطرح، متسائلاً عما اذا كان يمكن لأيٍّ من قيادييه او نوابه الحاليين والسابقين أن يتجرأ على توجيه رسالة نقدية من هذا النوع الى الرئيس ميشال عون؟ وهناك في الحزب من يستعيد تجربة النائب السابق نواف الموسوي الذي كان من بين أسباب استقالته كلامه في مجلس النواب عن دور سلاح المقاومة في إيصال عون الى رئاسة الجمهورية، ما أزعَج آنذاك الجنرال والتيار الحر، فكانت هذه الواقعة دافعاً اساسياً لاستقالة الموسوي لاحقاً، وإن لم تكن السبب المباشر.
لكن، وعلى رغم العتاب المتبادل بين طرفي تفاهم مار مخايل، يؤكد المعنيون في الحزب استمرار التمسّك بالتحالف مع التيار «البرتقالي» تحت سقف الخيارات المفصلية، والسعي المتواصل الى تثبيته وتطويره، من غير إغفال حق كل منهما في التمايز على مستوى بعض الملفات الداخلية.
ويلفت الحزب الى انه وكما انّ عون وباسيل يعتبران انه يُساير الحريري زيادة عن اللزوم، فإنّ الرئيس المكلف يتّهمه أيضاً بأنه لا يضغط على رئيسَي الجمهورية والتيار لدفعهما الى تسهيل تشكيل الحكومة. وهنا، يتساءل المعنيون في الحزب: ما تعريف «الضغط» على عون وباسيل وكيف يمكن ان يتم؟ ويضيفون: نحن ننصح، نقترح، نتوسّط، ندوّر الزوايا، ولكننا لسنا في وارد ان نفعل اكثر من ذلك.
ومع انفجار خلاف عون – بري، إشتدّت وطأة الحرج على حليف الخصمين، خصوصاً انّ «البرتقاليين» يطلبون من الحزب ان يتخلى عن رئيس المجلس النيابي، وهو أمر مستحيل وغير وارد بالنسبة إليه.
وانطلاقاً من هذه الاستحالة، يتصرف الحزب على اساس انّ عون وبري هما حليفاه، كلٌ من موقعه، ولا مجال للمفاضلة بينهما، اما حين يختلفان فإنّ الحزب يرى انّ دوره هو السعي الى مصالحتهما ورأب الصدع، كما يستعد أن يفعل في القريب العاجل عندما تهدأ النفوس وتبرد الانفعالات بعد جولة السجال الاخير.
وتستغرب أوساط قريبة من «حزب الله» الإلحاح على فرط تحالفه مع بري، بينما لم يعترض من جهته على اتفاق معراب الذي أبرمه التيار «البرتقالي» بقيادة عون مع القوات اللبنانية ولم يطلب الاختيار بينه وبين سمير جعجع، «فلماذا يضغطون علينا ويخيروننا بين عون وبري؟».
**