يستمر الكباش السياسي على طاولة تشكيل الحكومة حيث يتمترس كل فريق سياسي وراء مطالبه ورؤيته لكيفية إخراج التشكيلة المزعومة من عنق الأزمة.
وعلى الرغم من موجات التفاؤل بقرب ولادة الحكومة، إلا أن الأمور سرعان ما عادت الى الوراء إثر اجتماع رؤساء الحكومات السابقين برئيس الحكومة المكلف سعد الحريري وتأكيدهم على تثبيت معادلة “لا اعتذار ولا تنازل” في محاولة أخيرة لشراء الوقت في ظل التعقيدات السياسية والاقتصادية الداخلية، تضاف الى تعقيدات المنطقة لتفجر أزمة يجب تداركها وإلا فلا أحد قادر على وقف مسلسل الإنهيار.
لدى غالبية اللبنانيين قناعة بأن الحريري لا يريد تشكيل حكومة، كما ليس في وارد الإعتذار عن عدم التأليف، ويمكن تصوره جالساً ينتظر استحقاق الإنتخابات النيابية المقبلة للخروج بخطاب تعبوي يحمّل فيه عهد الرئيس ميشال عون مسؤولية التعطيل. بالمقابل يطرح التيار الوطني الحر خيار الإستقالة من مجلس النواب لتعطيل تكليف الحريري حتى يتسنى لرئيس الجمهورية إكمال عهده والقيام بالإصلاحات التشريعية ووضع خطة مع صندوق النقد الدولي للحد من وقع الإنهيار الاقتصادي والمالي.
وأمام كل هذه الوقائع تشير مصادر مطلعة الى “الفيتو” السعودي على الحريري، الذي سيجبره في نهاية الأمر على الإعتذار مقابل الإتفاق على المضي قدماً نحو تشكيل حكومة انتقالية تدير الإنتخابات النيابية وتحوز على موافقة الفرنسيين، وتكون مؤلفة من وزراء غير مرشحين للإستحقاق النيابي، وسط همس بدأ يدور في بعض الصالونات السياسية حول تكليف الرئيس نجيب ميقاتي مهمة تشكيل هذه الحكومة فور أن يقرر الحريري الإعتذار عن عدم التأليف.
للمرة الأولى ربما منذ تاريخ تشكيل الحكومات في لبنان يغطي الشكل على المضمون في سلوكية الحريري بعد أن ظهر منذ تكليفه بتشكيل الحكومة على نحو مغاير لما ألفه اللبنانيين عند تشكيل الحكومات، ما أحدث بلبلة واسعة ربطاً برمزية رئاسة الحكومة ودقة موقعها.
غرائب السياسة كثيرة لكن أغربها سعد الحريري، وهي باتت بلا هيبة في هذه المرحلة. الواضح الوحيد حتى الآن، أن الحريري يريد حكومة على مزاجه المتقلب ووفق حجمه ومعاييره وليس على قياس البلد ووضعه وواقع اللبنانيين.
ومعايير الحريري تعني ببساطة حكومة “اختصاصيين” أو “غير استفزازيين” يقف وزراؤها بالصف أمام مكتب الحريري في بيت الوسط لأخذ البركة والرضا، حكومة يريد أن يشكلها بأي ثمن من أجل أن يحمي مصالحه الشخصية، وأن تطلب ذلك منه الإستمرار بتعنته ووضعه التكليف في جيبه ومن دون أن يشكل الحكومة التي يريدها اللبنانيين الذين يقفون في الطوابير أمام محطات المحروقات لتعبئة خزان سياراتهم بليترات قليلة من الوقود، وهدر الوقت على وضع لبنان على سكة التفاوض مع صندوق النقد الدولي وقطع ما تبقى من حبال أمل بالإصلاحات في وقت بات وضع المواطن في حالة لا يحسد عليها حيث يشير تقرير البنك الدولي الى أن الأزمة الاقتصادية والمالية في لبنان تعتبر ضمن أشد 10 أزمات وربما إحدى أشد 3 أزمات على مستوى العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر، في حين يؤكد التقرير أنه لا تلوح في الأفق أي نقطة تحول واضحة للأزمة في لبنان.
الأمل محجوز في بيت الوسط.. وقد آن الآوان للآخرين أن يضعوا حداً أمام هذه المهزلة السياسية قبل أن تقع الواقعة.