صار المشهد الداخلي اكثر من سوداوي؛ الملفات والمشاكل تتراكم وتتفاقم وتفرّخ مثلها وأصعب منها، واحدة تلو الاخرى، وتجرّ البلد معها الى حلبات تتصارع فيها الذهنيات السياسية والعقليات الكيدية وتتصادم بوتيرة غير مسبوقة حول كلّ شيء، فقط من أجل الصراع والصدام وزيادة الشحن وتوريم الاحتقانات السياسية والطائفية والمذهبية. واما البلد وما يعانيه، فيبقى آخر الهموم!
بالأمس كانت ذكرى الحرب الاهلية، وهي على مأساويتها وألمها الذي اصاب كل اللبنانيين، كانت اخف وطأة عليهم مما يتعرّضون له اليوم. في الحرب قُتل اللبنانيون بالرصاص والمدافع، واما اليوم يُقتلون بما هو اشدّ عليهم من الرصاصة والقذيفة، يُقتلون بالتجويع والإفقار والدجل السياسي الذي تأكّد معه انّ من انتحلوا صفة قديسين في السياسة، ما كانوا الّا شياطين، أولهم وآخرهم مصالحهم ومكاسب بطانتهم، وكل ما حُكي عن شعارات ثبت كذبه، وكل ما حُكي عن انجازات كان زائفاً، الّا انجاز وحيد حققه القابضون على لبنان واللبنانيين، وهو انّهم حوّلوا هذا البلد الى ارض محروقة سياسياً واقتصادياً ومعيشياً وخدماتياً حتى لم يبق منه شيء.
والحقيقة الموجعة ان ليس ما يبشّر حتى الآن بإمكان تجاوز اللبنانيين هذه المحنة، بل العكس هو الصحيح. فالمناخ الداخلي يشي بما هو أصعب، والامل الذي عُلّق على تشكيل حكومة قد انقطع بشكل كامل، ولا امل بتشكيلها في المدى المنظور، حيث صارت امكانية إنبعاث تفاهم على حكومة من بين التناقضات القابضة على البلد واهله، امراً غير واقعي وأقرب الى المستحيل. وهو الامر الذي يؤكّد عليه مجدداً، معنيون بالملف الحكومي، حيث يشدّدون عبر «الجمهورية»: «بعد الحريق السياسي المفتعل من قِبل بعض المستويات الرئاسية، والذي أجهز على كل المحاولات والوساطات والمبادرات لتشكيل الحكومة، لم تعد ثمة امكانية لقيام حكومة الّا بالفرض والإكراه. ويبدو أنّ هذا الامر هو الذي سيحصل في نهاية المطاف».
وبحسب هؤلاء، فإنّ «المشهد اللبناني بتعقيداته المتناسلة من بعضها البعض، وملفاته التي تُفتح فقط من باب اثارة الغبار في فضاء التأليف لإعاقته وتعطيل تشكيل حكومة متوازنة، اصبح مؤهلاً لخطوات ضاغطة، تحشر المعطلين وتجرّهم نحو تشكيل فوري للحكومة، خطوات خارجية او داخلية وبأشكال متنوعة السخونة وبارتدادات ثقيلة على الواقع برمّته».
**