كان يمكن أن تحل الكارثة الأنسانية مع أزدياد ارتفاع عدد الاصابات بحالات كورونا في لبنان وإعلان معظم المستشفيات عن خلوّها من الأوكسيجين، الا أن استجابة الرئيس السوري بشار الأسد لمطلب وزارة الصحة العامة اللبنانية بتأمين دفعة من 75 طنا من الأوكسيجين جاءت تعيد الأمل بالحياة لحوالي ألف مريضٍ لبناني يقبعون في غرف العنايات الفائقة .
هذه المرة تمكنت الدولة اللبنانية الغارقة في فسادها وتقاسم الحصص، والتي تلهت عن دعم السلع الغذائية والمواد الأساسية من تأمين حاجاتها من الأوكسيجين من خلال الجار الأقرب، سوريا التي تعيد النفس الى لبنان من بوابة الأوكسيجين الطبي ودون مقابل، ولكن من يمد اليوم لبنان بالأوكسيجين الحكومي حتى يتنفس اللبنانيون الصّعداء؟
بعد نحو سبعة أشهر على استقالة حكومة حسان دياب،والتي كانت قد سبقتها استقالة سعد الحريري من رئاسة الحكومة التي جاءت على خلفية حراك 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2019 ، قبل اعادة تكليفه تشكيل الحكومة اللبنانية العتيدة في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، لا يزال لبنان يدفع ثمن الصراع السياسي في البلاد وسط فاجعة اقتصادية وصحية وانهيار مالي ومخاوف من اغتيالات وانفجار ، وربما الانزلاق نحو الفوضى، ما لم يسارع المعنيون إلى التنازل عن مطالبهم المدمرة.
ان السجال الدائر بين فريقي رئيس الجمهورية ميشال عون، ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، حول توزيع الحصص والأسماء في عملية “تأليف” الحكومة، والحديث عن تمسك الرئيس عون بـ”الثلث المعطل” ومزاعم الحريري بتشكيل “حكومة اختصاصيين”، وحتى الخلاف القائم حول الصلاحيات الدستورية، سوى الشكل الظاهري للصراع الناجم عن نهجين مختلفين في الحكم والوصول إلى مرحلة استحالة التلاقي بينهما.
لم تكن الجولات الثمانية عشرة بين الرئيسين عون والحريري كافية للاتفاق على تشكيلة الحكومة بالأسماء والحصص، وتذليل كل العقبات امام ولادة حكومة لا يعوّل عليها كثيرا في ظل غياب الرؤية الوطنية الواضحة للخروج من دوامة الأزمات التي تحيط باللبنانيين من كل صوب وجانب.
هناك من يعتقد بأن “التسوية الرئاسية” التي أتت بعون رئيساً للجمهورية في عام 2016، وبالحريري رئيسا سقطت في ظل تفاقم الخلاف بين الطرفين وقد حل مكانها صراع بين رئيس الوزير جبران باسيل والحريري، خصوصاً بعد إعادة تكليف الأخير مرة جديدة لتشكيل الحكومة وبالتالي يرى البعض أن الحريري يحاول متعمداً التمسك بحكومة ال 18 وزير لاقصاء حلفاء عون والتطاول على تسمية الوزراء المسيحيين وعدم السماح لباسيل المشاركة في الحكومة، بالمقابل يتهم تيار المستقبل وأعوانه باسيل بمحاولة إفشال الحريري في عملية «التأليف» وصولاً الى دفعه للاعتذار، وإفساح المجال أمام شخصية سنية أخرى لتشكيل الحكومة، وهو ما عبّر عنه الرئيس عون بوضوح في كلمة للبنانيين سبقت لقاءه ما قبل الأخير بالحريري، حين خيّره بين تشكيل فوري للحكومة، أو التنحي إذا لم يكن قادراً على ذلك.
وبطبيعة الحال، هناك حاجة وطنية لاعتذار الحريري، أو تراجعه عن التكليف، وذلك نزولا عند رغبة شريحة واسعة من اللبنانيين الذين يعتبرون ان مطالبة الحريري بالاعتذار لا تهدف الى الحفاظ على مقام رئاسة الحكومة فحسب، وإنما عن الشرعية الميثاقية في تشكيل الحكومات التي تتعرض اليوم للانتهاك، فالمادة 53 من الدستور لا تحتاج الى أي تفسير او حتى اجتهاد بل هي واضحة وتنص على أن رئيس الجمهورية “يصدر بالأتفاق مع رئيس مجلس الوزراء مرسوم تشكيل الحكومة”. إن كلمة “بالأتفاق” تعني
انهما يشكلان الحكومة معا، وعدا عن ذلك من تفسيرات أخرى لا يعني سوى انتهاك للدستور تحت مسميات لا تهدف سوى للتعطيل والمراوغة من قبل الحريري بانتظار حدوث شيء ما لم يكن بحسبان اللبنانيين.
هكذا تبددت الآمال مع الحريري بإمكانية تشكل الحكومة في المدى القريب، بل نقلت جهات مطلعة على ملف التشكيل أن “تأليف الحكومة صفحة طُويت نهائيّاً مع الحريري، والوضع الحالي مرشّح لأن يستمر، ليس لأسابيع، بل ربّما إلى نهاية ولاية الرئيس عون». ومن هنا تأتي خطورة الفوضى الذي يذهب إليه لبنان، إذ لا حكومة ولا إصلاحات ولا مساعدات خارجية، من دون أن يعني ذلك انتفاء التدخلات الخارجية، وفي الداخل مخاطر انفجار اجتماعي وشيك قد يتطور إلى فوضى عارمة في ظل التحشيد الفئوي الذي لا يخدم سوى أهداف شخصية، وسلسلة الأزمات الخانقة التي تعصف بالبلاد.
**