أصبحت السياسة في لبنان تعني تعطيل الحياة الطبيعية للبشر،على أساس أهواء شخصية أو مناكفات سياسية بين رموز السلطة الحاكمة.
إن آخر صيحات فن ممارسة السياسة في لبنان ، ان يتحلى المسؤول بصفات الادعاء بالفضيلة وإن كان يفتقدها، وأن يمتلك صوت عال يتحكم من خلاله في مصير الدولة بمن فيها، ولا يهمه سعر صرف العملة الوطنية وانهيارها مقابل الدولار الأميركي، وأن لا يكترث للقمة عيش أبناء وطنه، ، وأن يبلغ سقفاً لم يُسبق إليه في قتل الآخرين عبر سياسة التجويع، واستهداف البشر في مصادر أرزاقهم، وتهجيرهم وسلب أموالهم وتدمير أرزاقهم. في لبنان، يمكن جمع صور الفساد والمُفخخات التي يُجيد اللعب على وترها زعماء الكانتونات الطائفية ، لتضاف إلى صيحة حرب «رغيف الخبز»، التي لا تستثني أحدا، ليُعاني منها شعبُ دولةٍ بأكمله، وليس شريحة أو طبقةً بعينها. قبل أيام اختلط الحابل بالنابل في لبنان بلد الحضارة والرسالة، خرج الرئيس المكلف سعد الحريري واضعاً شروطاً تعجيزية أمام رئيس الجمهورية ميشال عون مفادها إما أن تُوقع على مرسوم التشكيل، أو تتنح جانباً. في شرط الحريري كثير من اللؤم والخبث السياسي المبني على جهلٍ من الرئيس المكلف نفسه ومن الدائرة المحيطة به، باعتباره هو وحده من يحق له تشكيل الحكومة ، ومحاولاته المتكررة في سلب رئيس الجمهورية صلاحياته وجعله كاتب بالعدل لا تتعدى وظيفته مجرد التصديق على لائحة اسماء تشكيلته التي جاءت نسختها الأخيرة لتعكس غياب الخبرة وقلة الاحتراز عند الرئيس المكلف . وهنا إما أن يكون هذا التصرف خفة او حماقة، أو استغباءً للشارع اللبناني. وكلتا الحالتان مُرّتان. لماذا؟ لأن الرئيس المكلف يعي أنه لا يمكن أن يحرك العجلة حين يضع دايفيد شينكر صديق المعطلين والفاسدين في لبنان والذي اقترح محاصرة لبنان مما ادى لاسقاط المؤسسات وضرب النظام المصرفي،عصاً كبيرة تُوقف الدولة عن بكرة أبيها وتمنع أعتى الدول من تشكيل حكومة، ما لم تكُن مناسبة للمزاج السياسي للموظف الأميركي. ولأن سعد الحريري يفهم كيف أنه في دولة كلبنان إن فُقدت السيطرة على سعر صرف الليرة مقابل الدولار، مقروناً بتدني قيمة المواطن، مقابل ارتفاع سعر الزيت والسكر والرز والحليب فلا مناص للدولة عن الدخول في دوامة كبرى لا نهاية لها إلا بحربٍ أهلية لا سمح الله، أو تعاظم إصرار اللبنانيين على البقاء في الشارع حتى يكتب الله أمراً كان مفعولا.
وكل تلك الحالات عبارة عن إفرازات سياسية نتيجة عدم قدرة الحريري على إمساك زمام الأمور منذ الاعلان عن استقالته تحت وطأة ثورة 17 تشرين ،او حتى بعد اعادة تكليفة من قبل الكتل النيابية لتشكيل الحكومة، حتى انقلب المشهد وباتت العربة في موقع الحُصان. إن تخبطات الرئيس المكلف ، ودخوله وخروجه لقصر بعبدا ثمانِ عشر مرة خالِ الوفاض، وتمسك رئيس الجمهورية بصلاحياته الدستورية بمواجهة لهجة الحريري الأشبه بالانقلاب الموعود، كانت تستدعي اعتذار الحريري عن تشكيل الحكومة كورقة أخيرة يُمكنها انقاذ البلاد والعباد.
**