طرح رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، على خلفية عقد قمة ثلاثية في عمّان، بين مصر والأردن والعراق، بتاريخ 25 أغسطس 2020، إنشاء اتفاقية شراكة اقتصادية بين الدول الثلاث، أو ما عرف بمشروع “الشام الجديد”، من اجل إيجاد وتعزيز المصالح المشتركة بين مصر والأردن والعراق، وبهدف أن يكون نواة لاتحاد عربي أكثر توسعاً مستقبلا.
ويقوم هذا البناء العربي الجديد على ركائز ثلاثة، هي القوة النفطية في العراق، والقوة البشرية في مصر، والمملكة الأردنية الهاشمية كحلقة وصل بينهما. ويأمل اطراف هذا المشروع ان يشكل انطلاقة لاعادة تفعيل دورالدبلوماسية العربية واعلاء الصوت العربي في إقليم تتزايد فيه الازمات الاقتصادية والسياسية ، وكجزء من طموح عربي في اضفاء الطابع المؤسسي على هذا المشروع من خلال إنشاء أمانة تنفيذية ولها مقر دوري سنوي، لتكون البداية من وزارة الخارجية الأردنية التي تحتضن المقر حالياً.
إن مشروع “الشام الجديد” هو كالنسق الاوروبي يقوم على أسس اقتصادية وسياسية بين بغداد والقاهرة وعمان ، ويأخذ طابعا امنيا ودبلوماسيا واقتصاديا ويضم ثلث سكان العالم العربي وثروة من الموارد الثقافية والزراعية والطبيعية؛ كما يهدف الى مد خط أنبوب نفطي من ميناء البصرة جنوب العراق، وصولا إلى ميناء العقبة في الأردن ومن ثم مصر.
وتتضح الأهداف الأستراتيجية لهذا المشروع الحيوي في عدة جوانب أهمها التأكيد من الناحية السياسية على مركزية القضية الفلسطينية ودعم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، واقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، بالإضافة الى ضرورة وقف “إسرائيل” ضم أي أراضي فلسطينية. اما لجهة الأهداف الاقتصادية فيهدف مشروع “الشام الجديد” الى تفعيل خط نفط من البصرة الى الأراضي المصرية ممتداعبر الأراضي الأردنية، كما تحصل كل من مصر والأردن على تخفيضات تصل الى 16 دولار على البرميل، بينما تستورد العراق الكهرباء من مصر والأردن، بالإضافة إلى استقطاب بغداد للاستثمارات من البلدين، هذا فضلًا عن تعزيز التكامل في هذا الشأن بالتركيز على مجال الطاقة، وتطوير المناطق الصناعية المشتركة من خلال التعاون في مجال المشاريع الصغيرة والمتوسطة، ودعم الابتكار وريادة الأعمال، إضافة إلى توسيع الشراكات الاستراتيجية المتعددة وتشكيل لجنة فنية مشتركة.
يشكل التكتل المصري العراقي الأردني فاتحة لتعاون في مجالات الاقتصاد والسياسة والأمن والدبلوماسية ، والتفتيش عن عمق عربي يواجه التحولات الاستراتيجية في المنطقة بعد غياب القوى السياسية العربية الفاعلة وتحديدا مصر وسوريا والعراق عن الساحة العربية وتأثيرها في صنع القرار العربي ،لاسيما بعد الغزو الأميركي للعراق، وأحداث “الربيع العربي” في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والحرب الكونية على سوريا. إضافة الى أن هذا المشروع يقدم أفقاً جديداً للتعاون العربي – العربي على أساس ان الاقتصاد يشكل مفتاح العمل السياسي، خاصة وأن الدول العربية تتماثل بيئتها وتركيبتها السكانية ومصالحها وتاريخها ولغتها المشتركة، مما يحتم تطبيق “مشروع الشام الجديد” على أرض الواقع .
في ضوء هذه المعطيات والتحولات الجديدة؛ هل فعلاً يحمل مشروع “الشام الجديد” رؤية عربية مشرقية جديدة تستدرك هذا التهميش والتجاهل لدور الدول العربية المحورية؟
ان اقتراح الرئيس العراقي مصطفى الكاظمي يشكل نموذجا استراتيجيا يحاكي نموذج أوروبا في التكامل الإقليمي الذي قام بدايةً على الجانب الاقتصادي في التعاون ثم انتقل إلى الجانب السياسي، و يلتقي هذا المشروع مع موقف رئيس حزب التوحيد العربي وئام وهاب الذي دعا الى توسيع هذا المشروع ليشمل السعودية وسوريا انطلاقا من اللقاء الثلاثي المصري- السعودي – السوري الذي كان يحصل منذ سنوات عند المحطات الأساسية، فيصبح هذا اللقاء الخماسي حسب رؤية وهاب خطوة استراتيجية “لإعادة صياغة المنظومة العربية بوجه الابتزاز التركي ومشروع الفوضى الذي يمثله “الإخوان المنافقين”، الذين دمروا سوريا والعراق وليبيا وحاولوا تدمير مصر وكل ما نراه من داعش وجبهة النصرة هم أبناء شرعيين لهؤلاء “الإخوان المنافقين”، وعلينا الإختيار بين هذين المشروعين”.
وختاماً يمكن ان يكون مشروع ” الشام الجديد” نقطة ضوء في ظل الوضع العربي الراهن، اذ يقدم المشروع برأي الخبراء والمراقبين أفقاً جديداً للتعاون العربي المشترك يقوم على أساس منطقي، بعد ان عاني العراقيون سنوات طويلة من الارهاب والدمار على ايدي الجماعات التكفيرية المسلحة، وفي ظل التهديدات القومية والمائية التي تحوم حول مصر بفعل الحروب الدائرة في غربها الليبي وشرقها الغزوائي وتحدي الارهاب وتحدي سد النهضة الاثيوبي الذي يهدد حصة مصر من مياه النيل، كذلك الاردن المحاصر بازمات عميقة تلتف على كامل حدوده، لاسيما في فلسطين المحتلة، فضلاً عن ازمته الاقتصادية والمعيشية المديدة.
واذا كانت الاختلافات الايديولوجية والسياسية الواسعة القائمة بين هذه الدول قد حالت سابقا دون التقدم على طريق التكامل والتلاقي، فإن هذه العوائق قد بدأت بالذوبان على صفيحة الفوائد الاقتصادية والمصالح التي تشكل اطارا لجمع كلمة الدول. مع التذكير إن نجاح أعضاء الاتحاد الأوروبي في تحقيق التكامل والاندماج لم يأت إلا بعد قرون من الصراع، وبعد أن استشعروا جسامة ما خلفته الحرب العالمية الثانية، فهؤلاء نجحوا عندما ركزوا على العامل الاقتصادي بعيدا عن زواريب الخلافات في السياسة، قبل ان يتحول تكتلهم القاري الى قطب سياسي عالمي.
وهذا ما يطمح اليه الرئيس الكاظمي من خلال تقارب مصر والعراق والأردن الذي بدأ اقتصادياً قبل أن يتحول في وقت لاحق ربما إلى تجمع اوسع ليضم إليه دولا مثل سوريا ولبنان وربما دول عربية خليجية اخرى الخ، وفي هذه الحالة فإنه قد يكون البديل العربي المؤقت والمرحلي في ظل عجزجامعة الدول العربية التي تعيش حالة من الوهن وعدم التأثير في مجريات الاحداث والتطورات على الساحة الاقليمية.
لكن التفاؤل يظل مشوبا بالحذر في منطقة تقع على خط الزلازل الدولية والاقليمية، ذلك ان التكامل الاقتصادي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالعوامل والمصالح الكبرى القائمة في المدى الجيوسياسي الأوسع نطاقًا، والذي جعل من منطقتنا العربية احدى ابرز ساحات التدخل والتجاذب السياسي والايديولوجي والعسكري اقليميا ودوليا.
**