– تمهيد: اقرت اللجنة المركزية الـ19 للحزب الشيوعي الصيني خلال الدورة الكاملة الخامسة للجنة الخطة الخمسية الـ14 (2025-2021) للتنمية الاقتصادية والاجتماعية الوطنية والأهداف طويلة الأجل حتى عام 2035 والملفت ان هذه الخطة الخمسية تحمل مضامين وإشارات غير تقليدية في مقاربة الصين لملفات متعددة، وهي تعكس جدية في وصف الوقائع وفي رسم اطر الحلول وفي التأكيد على ابعاد التنمية والتقدم، وهذا ما يؤشر بالمحصلة الى ان جمهورية الصين الشعبية لديها طموح جدّي لكي تكون قطبًا اساسيًا وفاعلا على المسرح الدولي ،او جزءًا فاعلاً من محور سياسي – إقتصادي بوجه حضور اميركي متردد او ضعيف ومربك بفعل الهزائم التي تلقاها في اكثر من نقطة من نقاط تواجده. وتتوقف الإستفادة من الدور الصيني لا سيما في منطقتنا العربية على تفاعل قوى المنطقة مع هذا الحضور، وعلى مدى الإستفادة من تجربة الصين في شتى المجالات، وشبك علاقات تفاعلية معها، وربط شبكة من المصالح المتبادلة في اطار منهجية واضحة ومحددة، خدمة للمشروع التنموي والاقتصادي الممتد في اطاره الإقليمي والعالمي.
أولاً : في قراءة وتحليل مضمون الخطة الخمسية:
تعكس الخطة الخمسية المؤرخة في تشرين الاول 2020 جملة من النقاط الآتية:
1- صياغة الخطة بطريقة مبتكرة غير تقليدية تقوم على مقاربة المواضيع المرتبطة بالتنمية والتطور الاقتصادي والاجتماعي بشيء جديد من اللغة السياسية، يبتعد عن الأسلوب الإنشائي الوصفي والحيادي في كثير من الأحيان، ليصل الى صياغة “خطة خمسية ” تحدد مرتكزات أساسية وواضحة في سياسة الصين الداخلية والخارجية تجاه العالم ، وتعكس التحولات السياسية والإقتصادية المتسارعة في بكين.
2- كما انها تعكس توجها صينياً واضحا لحجز مكانة عصرية في المشهد العالمي المرتقب في ظل أزمة وباء covid 19 وفي ظل الزخم المتزايد للتعددية القطبية …).
3- في هذا السياق التحليلي الإستشرافي، لابد من الإشارة الى ما تعكسه هذه الخطة الخمسية من قدرات داخلية كبيرة تؤكد على الحضور الصيني في ظل المتغيرات المتلاحقة على المسرح الدولي، بحيث تسعى الصين الى التأكيد على ان الولايات المتحدة الأميركية لم تعد هي المرجعية الأولى والوحيدة للقرارين السياسي والإقتصادي. بل تريد الصين تظهير صورة عالم جديد متعدد الإقطاب (..حيث لا يزال العالم يمر بفترة تعديلات عميقة للإقتصاد، وتتوالى وتتعاقب التوترات الاقليمية والدولية ، وتزداد التحديات الإقليمية غير التقليدية والتحديات العالمية بشكل مستمر ..).
4- تعكس الخطة الخمسية تحولاً جدّيًا في مقاربة الصين لملفات تعزيز قدرة الحوكمة، وتحسين الديمقراطية الاشتراكية وسيادة القانون، وتظهر العدالة والإنصاف على الصعيد الاجتماعي.، و تحسين النظام الإداري الوطني، وأداء دور الحكومة بشكل أفضل، وتعزيز الكفاءة الإدارية والمصداقية بشكل كبير.وبالتالي فالخطة برصانتها وبشموليتها، هي تعبيرٌ جديد عن وعي صيني للدور المستقبلي الذي يمكن ان تلعبه سياسيا واقتصاديا ، في ظل تراجع للدورالأميركي وبروز قوى جديدة تشارك في رسم معالم المرحلة الجديدة، من خلال حضور سياسي وإقتصادي فاعل، وربما عسكري اذا تطلب الأمر.
5– الخطة هي مقاربة شاملة لتزايد قوة الصين الاقتصادية والتكنولوجية والقوة الوطنية المركبة بشكل ملحوظ، مع التشديد على ايلاء كل الاهتمام لقطاعي الصناعة الزراعة وتنمية أكثر توازنا بين المناطق الحضرية والريفية وبين مختلف المناطق، فضلا عن إصلاح نظام حقوق الملكية وتخصيص عوامل الإنتاج على أساس السوق. وكل ذلك في سبيل تحقيق تنمية اقتصاد حديث.
ثانيًا: تقديم العامل السياسي لأول مرة كعامل اساسي قبل الإقتصاد
6– ذِكر الحزب الشيوعي الصيني – بشكل ملفت – أهدافه حتى عام 2035 والتي تتبلور تحت عناوين متعددة تتعلق بتحديث نظام الصين وتوفير الحماية الكافية لحقوق الشعب في المشاركة والتطورعلى قدم المساواة. وتطبيق سلطة القانون للبلاد والحكومة والمجتمع بشكل أساسي. وهذا ما يفسح بالمجال امام سياسة خارجية صينية متعدد الأبعاد السياسية مع الدول، التي تتعامل معها الصين او ترتبط معها بعلاقات صداقة.
7– يـُلاحظ في الخطة الخمسية ان الموضوع البيئي قد اخذ حيزا واسعا من خلال التشديد على ضرورة تطوير أساليب للعمل والحياة صديقة للبيئة لتغطي جميع مجالات المجتمع، والعمل على انبعاثات الكربون بشكل مطرد بعد بلوغها الذروة، وسوف يكون هناك تحسن جوهري في البيئة مع تحقيق هدف بناء صين جميلة بشكل أساسي.
8– مفهوم (مبادرة الصين السلمية) هو مفهوم جديد تريده الصين انطلاقة متميزة في علاقاتها مع شعوب وقوى المنطقة . ان هذا المفهوم يختزن مقاربات ترتبط برفع منسوب القدرات العسكلرية والدفاعية وهو ما لفتت اليه الخطة عند الكلام عن تحقيق تحديث الدفاع الوطني والتحديث العسكري بشكل أساسي.
9- مقاربة موضوع الانفتاح الصيني على الخارج والذي سيصل بحسب ما اشارت اليه الخطة إلى مرحلة جديدة مع تحقيق نمو جوهري في قوة البلاد للمشاركة في تعاون الاقتصاد الدولي ومنافسته.
10- تعزيز مفهوم الدولة القوية في مجالات الثقافة والتعليم والمواهب والرياضة والصحة، مع تعزيز التنمية الشاملة لكل الشعب الصيني وكذلك تعزيز آداب السلوك الاجتماعي والتحضر بشكل ملحوظ. وصولا الى تعزيز ما اطلقت عليه الخطة “قوة الثقافة الصينية الناعمة”.
يمكن القول ان الحزب الشيوعي الصيني من خلال ما يطرحه من أفكار وطروحات جديدة يؤكد على حضورالجمهورية الصينية الشعبية كدولة عظمى تقوم على أسس عصرية وكقطب فاعل يسعى الى التعامل مع القوى الموجودة على الساحة الدولية بفهم جديد يقارب الملفات بحكمة وتخصصية. وهو إذ يرفض احادية الهيمنة الأميركية على المنطقة والعالم ، فإنه يعمل على تهيئة كل الفرص المتوافرة او المتاحة في سبيل المشاركة في اية حلول تـُرسم للأزمات الاقليمية والدولية، والتي تعتريها الكثير من التناقضات وتضارب المصالح والتعقيدات.
فالمتابع للشأن الصيني يرى بأن نظرية الصعود السلمي للصين أو الصعود المنظم الهادئ هو اقرب ما يمكن وصف حالة الصين في الوقت الحاضر، فهي تتبع سياسات هادئة وهادفة تقوم على فكرة انتشار المصالح، حيث فتحت صدرها للعديد من الدول التي تعاني من مصاعب اقتصادية أو محاصرة سياسياً واقتصادياً
وفي ذات الوقت مدت جسورها الاقتصادية إلى داخل آسيا و أوروبا، فيما استغلت الظروف العالمية الراهنة وغفلة الإدارة الأمريكية عن أفريقيالتمدها ببضائعها وشركاتها الضخمة في مجال التجهيز والطاقة
انطلاقا من ذلك يدرك الحزب الشيوعي الصيني تماماً أن التفوق التقني والاقتصادي هو الطريق القادم في المستقبل لحجز موقع متقدم على الساحة الدولية، إذ بدأ نظام اقتصادي جديد يتشكل مع مضي الصين قدماً في تنفيذ مبادرة الحزام والطريق التي لاقت تجاوباً ومشاركة واسعة من نحو 65 دولة مطلة على هذا الطريق.
وتُعدّ مبادرة الحزام والطريق (المعروفة سابقاً باسم حزام واحد وطريق واحد)، التي وصفها شي جين بينغ بأنها «مشروع القرن»، انعكاساً صادقاً لاختيار الصين الاستراتيجي تعزيز روابطها التجارية مع بقية أوراسيا وأفريقيا، واغتنام الفرصة لتعزيز تراكم «القوة الناعمة»، وينقسم مشروع طريق الحرير إلى «طريق بري» (الحزام الاقتصادي)، وطريق الحرير البحري للقرن 21.
وبالتوازي مع النظام المالي الجديد، شرعت الصين في إنشاء نظام للأمن الجماعي العالمي وهي منظمة شنغهاي للتعاون. وهو حلف عسكري يضم كلًا من روسيا وكازاخستان وباكستان والهند وقيرغيزستان وأوزباكستان وطاجكيستان، وكان ذلك مصحوباً بتطوير قدراتها النووية العسكرية. كما أنها تتجه لتكون قوة اقتصادية أولى في العالم، يرى الباحثون أنه إذا استمرت معدلات النمو على هذا المنوال فإنها سوف تصبح القوة الاقتصادية في العالم بحلول 2025.
إننا اذا تعمقنا في دراسة الأهمية والتوجهات الأستراتيجية للخطة الخمسية نرى الوثبة الصينية المصممة على استكمال الصعود ، وهي حريصة ليس على استعادة مجد الماضي فحسب، بل على تحقيق أمل المستقبل.
**