الأزمة مفتوحة، والطوفان قادم، ورد المجتمع الدولي واضح، «المساعدات مشروطة بالتوطين» والبديل عن ذلك عدم الاستقرار الامني والاجتماعي والسياسي وتعريض الشعب اللبناني لمزيد من قرارات الحصار وحجب التقديمات وخنقه لدفعه للاستسلام والقبول بحل التوطين، ومن هنا فإن القرار الأميركي بالحصار متواصل من أجل تطبيق صفقة القرن بشروط بايدن وليس ترامب لان هدفهما واحد وعنوانه، التطبيع مع العدو الاسرائيلي، لكن إدارة بايدن قد تعتمد سياسة «العصا والجزرة» لتمرير مشروعها عبر اعطاء لبنان «أبر مورفين» من أجل منع الانهيار الشامل وسيطرة حزب الله على البلد.
وتحذر مصادر لبنانية عليمة، من طريقة تعاطي الأطراف اللبنانية في السلطة مع الازمات، وهذا ما يفتح الطريق لتنفيذ المشروع الأميركي الغربي بتمرير التوطين دون كلفة كبيرة وبغطاء شعبي جراء ما يعانيه المواطن اللبناني الذي كفر بكل شيء وقد يوافق على اي حل يخرجه من معاناته، وربما كان المطلوب مزيدا من الإنهيارات لفتح الوضع اللبناني على كل الاحتمالات وحكم «الزعران» وسلطات الاحياء، ورغم ذلك، فإن بعبدا وبيت الوسط خارج السمع عما يجري وكأن البلاد بالف خير، فيما التطورات الميدانية تفرض على الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري التنازل المتبادل لسحب فتيل التوترات من الشارع عبر تشكيل سريع للحكومة وعدم التمترس وراء مطالب وشروط متبادلة لن تغير شيئا ولن تخرج البلد من ازماته، ومن اطلع على تشكيلة الحريري الحكومية يكتشف ان الاسماء المطروحة كلهم من المستشارين الاختصاص لكبار القوم ويدورون في فلكهم، فيما وزير الطاقة «فرنسي الهوى» بامتياز ولا يمكن أن يسلك اميركيا، وبالتالي فإن التنازل المتبادل ليس «نهاية الكون» وبات ضروريا وسريعا قبل فلتان الشارع.
وتؤكد المصادر العليمة، ان استخفاف المسؤولين بالشعب اللبناني وحقوقه والمكابرة بأن الطبقة السياسية ممسكة بمفاصل الشارع امر مبالغ فيه جدا في ظل العجز عن تلبية مطالب الناس، والطامة الكبرى ان الأزمة باتت تهدد وجود البلد عبر هجرة اسعة تطال القطاع الصحي وكبار الاطباء والممرضين والممرضات، وكذلك المهندسين وأصحاب المهن الحرة، حتى أن الأزمة الاقتصادية الخانقة بدأت تلقى بثقلها على المؤسسات العسكرية والأمنية، وكيف يمكن لضابط لا يتجاوز راتبه الـ ٣ ملايين ليرة والجندي مليون ونصف ان ينفذوا مهامهم؟ ورواتبهم لا تكفي عائلاتهم لمدة ١٠ أيام، وهذه الاوضاع تدركها القيادات العسكرية والسياسية، وهذا ما يفرض الاسراع بالحلول وعدم انتظار المبادرة الفرنسية لأنها مكبّلة حاليا بالانقسامات الدولية، وعلى الرئيس الحريري ان يحسم أمره من العلاقة مع الرياض، ويعلن موقفه من الشروط السعودية للتشكيل ورفض حزب الله في الحكومة، وهل هناك حقا «فيتو» سعودي شخصي عليه من خلال عدم استقباله في الرياض حتى الآن، وفشل الإمارات والقاهرة بمساعيهم لفتح أبواب الرياض أمامه، وقد تقدمت الإمارات بعرض للحريري لنقل إقامة عائلته من الرياض الى دبي لكنه تريث بالموافقة كي لا يقطع «شعرة معاوية» مع الرياض، وهذه القطيعة ظهرت من خلال انقطاع التواصل بينه وبين السفير السعودي في بيروت. وكل هذه الأسئلة مطلوب من الحريري توضيحها.
وتؤكد المصادر العلمية أيضا، ان تفاقم الأمور يعود إلى أن جميع القوى السياسية في ٨ و١٤ في «الجورة» ولا يملكون الحلول، وهذا المازق يسري على قوى التغيير والحراك المدني، وتحركاتهم على القطعة ولا يملكون برنامجا مشتركا للتغيير، ويعيشون الانقسامات السياسية، وهذا ظهر على وسائل الإعلام بوضوح، فالذين نزلوا في الدورة والزوق وطريق بيروت طرابلس صبوا جام غضبهم على عون وبري وحزب الله فيما الذين نزلوا في ساحة الشهداء والرينغ هاجموا قوى ١٤ آذار وسياساتهم، اما المنتفضون المستقلون خارج ٨ و١٤ آذار فتراجعوا إلى الصفوف الخلفية وباتوا مهمشين، وهذا ما سيزيد في الانقسامات والفراغ، بموازاة تفاقم العجز للوصول إلى الانهيار والقبول بالتوطين وفرض وصاية خارجية، في ظل استحالة الحل الداخلي وظهور قادة المجتمع المدني «لاعبين صغارا واقزاما» أمام طبقة سياسية تملك كل وسائل الدهاء والعهر لتجديد شبابها واطالة عمرها على طريقة «اللي استحوا ماتوا» ولن تتوانى هذه الطبقة عن فعل المستحيل والمحرمات للبقاء في مواقع القرار.
المصدر: رضوان الذيب – الديار
**