«قسموا الفرق بالنص»… بدلاً من أن يعاود القطاع التجاري فتح ابوابه في 8 آذار المقبل وفق ما كان مقرراً، وفي 22 شباط وفق ما طالب به القطاع التجاري، تمّ الاتفاق على اعادة الفتح اعتبارا من الاثنين 1 آذار، بعد اقفال دام شهرين. لكن في أية حالة سيعود القطاع؟ ومن سيتمكّن من العودة؟ وكيف ستكون الاسعار؟
تعيد القطاعات التجارية فتح ابوابها اعتباراً من يوم الاثنين المقبل عملاً بقرار اللجنة الوزارية المختصة بإدارة أزمة جائحة كورونا، وقد اصدر وزير الاقتصاد راوول نعمة تعميماً للغاية يطلب فيه الى كل الشركات والمؤسسات التجارية التي يشملها القرار، التقيّد بالتدابير والإجراءات الوقائية من فيروس كورونا المعمّمة في هذا الخصوص، واتخاذ الاجراءات التنظيمية واللوجستية لإعادة الفتح بالتاريخ المذكور ومن ضمنها إجراء فحوصات الـ PCR للعاملين لديها، على ان تدرج اعتبارا من يوم الاثنين أذونات على المنصة للمحلات التجارية.
وفي السياق، أوضح عضو المجلس الاقتصادي الاجتماعي عدنان رمال لـ»الجمهورية» انّ قرار تقديم موعد فتح القطاع التجاري جاء نتيجة سلسلة لقاءات عقدها رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس ونائب الرئيس جهاد التنير ورمال مع لجنة كورونا. وقال: لقد ظلم القطاع التجاري كثيراً في موضوع الاقفال، فهو من أكثر القطاعات التي توفر تباعداً ذاتياً بسبب تقلّص عدد العاملين فيه، وتراجع قدرة المواطن الشرائية. إذ لا اكتظاظ فيه وهو قادر على العمل بنصف طاقته الانتاجية. لذا برأينا ان لا سبب كان يستدعي إقفاله كل هذه المدة، فيما لاحظنا انّ القطاعات التي تشهد اكتظاظاً، مثل السوبرماركت واسواق الخضار، فتحت ابوابها في المرحلة الاولى.
وعن موعد فتح المؤسسات التجارية قال رمال: اقترحنا ان يكون دوام العمل ضمن دوام التجول لأننا أبدينا خشية من ان يضغط حصر وقت التسوق على المتسوقين، امّا مدة الاذن للتسوق فاللجنة تحدّده لكننا اقترحنا التشدد بأن يكون التسوق ضمن الاطار الجغرافي للسكن اي يمكن لسكان بيروت وجبل لبنان التجول في هذا الاطار الجغرافي، إنما لا يمكن لسكان بيروت التسوّق في طرابلس او الجنوب… ولفت الى ان فتح المولات لن يشمل فتح المطاعم الموجودة فيها، فهذه مؤجلة الى مرحلة لاحقة.
واشار رمال الى انه خلال فترة الاقفال الطويلة الامد هذه تراكمت علينا رواتب شهرين للعاملين في القطاع ونحن نتحدث هنا عن حوالى 300 ألف عامل أي ثلث القوى العاملة، اضافة الى الفوائد المصرفية على القروض التجارية التي لا تزال مرتفعة وتتراوح بين 8 الى 10 في المئة ولم يتخذ حتى الساعة اي تدبير تجاه المصارف في هذا الخصوص، في حين انّ فوائد المودعين تدنّت الى الصفر.
لكن من هم التجار الذين سيتمكنون من العودة؟
يقول رمال: سجّل العام 2020 إقفال حوالى 30 في المئة من المؤسسات التجارية ومن فروعها، اما المؤسسات التي لا تزال موجودة فقلّصت حجم اعمالها وأغلقت فروعاً، ومنذ مطلع العام اقفل البلد لحوالى الشهرين ما يعني انّ نحو 25 % من الانتاج السنوي طار، لكن في الوقت نفسه تراكمت أعباء التجار، فالبعض سيبيع من بضاعة موجودة أمّا من أعاد بضاعته الى المورد في وقت سابق فلن يكون في مقدوره ان يعيد فتح متجره ولا بأيّ شكل من الاشكال. وتوقع ان يتّضح مع نهاية الفصل الثاني حجم المؤسسات التي أقفلت نهائياً وهذا الرقم مرشّح للارتفاع لأنه في الواقع الاقتصادي الذي نعيش بات الاقفال هو الحل الافضل والأربح لأيّ مؤسسة تجارية، فنحن حالياً في حال استنزاف رساميل، وجزء كبير من الرساميل تبخّر جرّاء تدهور سعر الصرف.
وأكد رمال انه اذا استمر إلزامنا بتسديد قروضنا بالدولار بينما نحن نستوفي من المستهلك بالليرة اللبنانية، وفي حال ترك ملف الفوائد المرتفعة على القروض التجارية من دون حلول فنحن متجهون حكماً الى إقفال المزيد من المؤسسات التجارية وإفلاسها.
معيار التسعير
عندما اقفل البلد ومعه المحلات التجارية كان الدولار في السوق السوداء، والذي على اساسه يتم التسعير بحدود 7500 ليرة، امّا اليوم ومع ارتفاع الدولار الى 9500 فكيف سيكون التسعير؟ وهل يمكن المواءمة بين قدرة المواطن الشرائية وسعر الدولار في السوق السوداء؟
في السياق، يقول رمال: انّ غالبية القطاعات التجارية لا تستفيد من الدولار المدعوم ولا من دولار المنصة إنما تؤمّن مشترياتها من دولار السوق السوداء أضيف اليها إعلام وزارة المالية الرقم 114 حول ضرورة اصدار الفواتير واستيفاء الضرائب والرسوم بالليرة اللبنانية، وما يليه من احتساب الضريبة على القيمة المضافة وفق سعر الدولار في السوق السوداء ما يعني انّ فاتورة الـ1000 دولار التي توازي اليوم 9 ملايين ليرة يدفع عليها التاجر حوالى المليون ليرة كضريبة على القيمة المضافة بعدما كانت بالأمس 150 الف ليرة. وبالتالي، من شأن هذا التدبير ان يزيد من سعر البضاعة في المرحلة المقبلة. وتوقّع ألا تزيد اسعار السلع قبل حوالى الاسبوع او الاسبوعين على إعادة فتح المحلات التي ستظل تسعيرتها على الارجح وفق الدولار الذي اقفلت عليه اي 7500 ليرة إنما لفترة وجيزة، لكن عندما سيشتري التاجر بضاعة جديدة سيرفع حكماً من أسعاره.
وعن الزيادة المتوقعة في الاسعار، قال: مثلما لاحظنا ارتفاع اسعار السلع في السوبرماركت وفق فارق الدولار من 7500 الى 9000 ليرة فالأمر سيّان بالنسبة الى المحلات التجارية، إنما هذه الاخيرة ستشهد ارتفاعاً مضاعفاً متأثرة بالاعلام 114 أي فارق الضريبة على القيمة المضافة والتي توازي زيادة بما بين الـ 10 و15 %.
لكن هل باستطاعة المواطن تحمّل هذه الزيادة على الاسعار؟ يؤكد رمال انّ المواطن غير قادر على ذلك، فما يحصل يفوق قدرته على الاستهلاك، ملاحظاً انّ حجم الاعمال في لبنان تراجع بحدود 80 % ولدى بعض المؤسسات 90 % عندما كان الدولار يتراوح ما بين 4000 و7500 ليرة، فكيف الحال الآن؟ وتوقّع مع التدهور المتلاحق لسعر صرف الليرة أن يتقلّص حجم أعمال القطاعات التجارية والاستهلاكية والخدماتية أكثر فأكثر، بما من شأنه ان ينعكس مزيداً من التراجع في الناتج القومي المحلي، إذ بعدما سجل العام 2020 تراجعاً من 52 ملياراً الى 20 ملياراً، من المتوقع ان يواصل تراجعه هذا العام وقد يصل الى 15 ملياراً وكأنّ حجم اقتصادنا عاد الى ما كان عليه في العام 2000، كذلك عاد حجم الرواتب الى ما كان عليه في العام 2000 أي ببساطة كأننا خسرنا 22 عاماً من دون تسجيل أي نمو، فهذا التراجع الرهيب غير مسبوق في أي بلد في العالم. كما يتوقع في الفترة المقبلة، أي بعد رفع الدعم، أن تزيد نسَب التضخم الى مستويات غير مسبوقة، فالاقتصاد يتهاوى ونحن في هوّة لا قعر لها.
المصدر: الجمهورية – ايفا ابي حيدر
**