إلتأم بالأمس شمل الثالوث الرحباني العبقري في الفردوس، واجتمع عاصي ومنصور بعد طول انتظار بأخيهم الأصغر الياس الرحباني.
حمل الأشقاء الثلاثة إرثاً موسيقياً وفنيّاً كبيراً بأوزان ووزنات مختلفة، وبينما فاضت سلّة عاصي بالألحان وجعبة منصور بالأشعار، اخترق الياس هالة الأخوين الأكبرين وصنع مجداً بألحان شرقية لا تُنتسى ولا تقلّ قيمة وجمالاً عن أعمالهما، وبألحان غربية حملت اسم لبنان إلى المحافل العالمية، وإلى صنّاع السينما والمسلسلات والبرامج والإعلانات.
لا شكّ في أنّ مسيرة الياس الرحباني الموسيقية كانت أصعب من مسيرات غيره، وهو الذي اضطر لسنوات أن يعيش في ظلّ عاصي ومنصور، قبل أن يثبت نفسه مبدعاً بألحان رسّخت اسمه كالياس الرحباني المتفرّد في خطّه الموازي للأخوين الرحباني.
اللمسة التجديدية والعصرية والغربية في إيقاعه وألحانه وجُمله الموسيقية جعلته «الأخ الرحباني» الذي عرف كيف يسكن الوعي الاجتماعي والثقافي والفنّي اللبناني والعربي بألحان لا تشبه شيئاً سوى الياس الرحباني، فجذب إلى عالمه كبار الأسماء الفنيّة مثل فيروز، صباح، وديع الصافي، ملحم بركات، نصري شمس الدين، ماجدة الرومي، جوليا بطرس، باسكال صقر..
الياس الرحباني الذي رحل أمس عن عمر 83 عاماً، لحّن خلال مسيرته أكثر من 2500 أغنية ومعزوفة، وحوالى 3500 إعلان ترويجي سكنت ألحانها الذاكرة الجماعية. وألّف موسيقى تصويرية لـ25 فيلماً، وأيضاً لمسلسلات، ومعزوفات كلاسيكية على البيانو. كما أنتج وألَّف عدة أعمال مسرحية، وكان له تجربة في عالم الشعر عام 1996 مع كتاب «نافذة العمر».
تلقّى خلال مشواره العديد من الجوائز، منها: جائزة مسابقة شبابية في الموسيقى الكلاسيكية 1964، جائزة عن مقطوعة La Guerre Est Finie في مهرجان أثينا عام 1970، شهادة السينما في المهرجان الدولي للفيلم الإعلاني في البندقية عام 1977، الجائزة الثانية في مهرجان لندن الدولي للإعلان عام 1995، الجائزة الأولى في روستوك بألمانيا عن أغنية Mory، وجوائز في البرازيل واليونان وبلغاريا. وعام 2000 كرّمته جامعة بارينغتون في واشنطن بدكتوراه فخرية، وكذلك جامعة أستورياس في إسبانيا.
وكانت للموسيقار الياس الرحباني مشاركات في برامج تلفزيونية، فقد كان من أعضاء شرف الموسمين 10 و11 من برنامج «ستار أكاديمي»، وقبلها كان من أعضاء لجنة تحكيم برنامج «سوبر ستار». ولا يكاد أحد ينسى إطلالاته في البرامج الحوارية لِما كان يتمتّع به من روح الفكاهة والعفوية والصراحة المطلقة في أجوبته وآرائه، ومع كلّ إطلالة كان يترك الياس الرحباني شيئاً جديداً لدى المشاهد، أكان من خلال المعلومات التي يعطيها أو المواقف الصريحة التي لم يبخل بها أبداً.
لا يمكن لـ83 عاماً أن تكون فترة طويلة لرجل بعبقرية الياس الرحباني وبسخاء عطاءاته الموسيقية… لا تكفي 83 عاماً لرجل بحجم الياس الرحباني وحجم جمال ألحانه. لكن بالتأكيد لن تمرّ سنة أو شهر أو مناسبة إلّا ونتذكّر فيها «الأخ الرحباني» السخي بالجمال الذي أضافه إلى المكتبة الفنيّة والموسيقية في لبنان والعالم.
المصدر: الجمهورية – جوزف طوق
**