قبل أشهر تردّدت الحكومة اللبنانية في تلقف فرصة العرض الذي قدّمته الحكومة العراقية لمقايضة المنتجات اللبنانية، الزراعية والصناعية، بالمشتقات النفطية العراقية التي يحتاج إليها لبنان.. ولم تسارع الحكومة إلى إرسال وفد وزاري إلى العراق، لترجمة العرض الذي حمله الوفد الوزاري العراقي إلى لبنان، بتوقيع اتفاق للتنفيذ.. وكانت النتيجة ضياع المزيد من الوقت لمعالجة الأزمة المالية والاقتصادية والخدماتية والاجتماعية التي يعاني منها لبنان، وبالتالي هدر المزيد من الاحتياط المتبقي من الدولارات لدى مصرف لبنان.. لكن بعد أن وصل لبنان إلى مرحلة بات فيها في وضع صعب لناحية تأمين احتياجاته من المشتقات النفطية، وتحذير حاكم مصرف لبنان رياض سلامة من رفع الدعم، وبالتالي بدء التوجه لتحرير أسعار المشتقات النفطية لعدم قدرة الدولة على مواصلة الدعم، تحرّكت مساعي اللواء عباس ابراهيم، بعد أن أخذ الضوء الأخضر، باتجاه العراق لأجل تأمين احتياجات لبنان من المشتقات النفطية، من بنزين ومازوت وفيول بما يجنّب اللبنانيين أزمة انقطاع الكهرباء وغيرها من الأزمات، ونجحت جهود اللواء ابراهيم في ذلك، وقام وزير الطاقة اللبناني ريمون غجر بزيارة العراق وتوقيع اتفاق بين وزارة النفط العراقي ووزارة الطاقة اللبنانية يوفر للبنان ما يحتاجه من نفط خام لتأمين حاجاته من مشتقات نفطيّة، انْ لناحية توليد الكهرباء أو لناحية توفير حاجات السوق من المشتقات. والاتفاق يمنح لبنان تسهيلات في السعر وطريقة السداد لكونه اتفاقاً من دولة الى دولة، كما انه يخفف من الطلب على الدولار في السوق المحلي…
لكن هذا الأمر يطرح مجدّداً مشكلة غياب المبادرة من قبل الحكومة اللبنانية لتلقف الفرص المعروضة على لبنان من قبل الصين وإيران، لمعالجة أزماته بلا شروط، وبما يضع حداً للنزف المالي والاقتصادي الذي يعاني منه..
وبغضّ النظر عن أسباب عدم مسارعة الحكومة لتلقف هذه العروض ومن بينها العرض العراقي الذي قدّم للبنان قبل أشهر، وإضاعة الوقت من دون طائل، وأدّى ذلك إلى تفاقم الأزمات واقتراب نضوب احتياط مصرف لبنان من الدولار… فإنّ الفرصة لا تزال متاحة، وانْ تأخرت، وأنّ المبادرة من قبل الحكومة لأجل إعادة بعث الحياة أقله بالعرض العراقي المتنوّع، والذي يحقق التكامل بين البلدين، يعيد التقاط الفرصة مجدّداً للخروج من عنق الزجاجة وعدم بقاء لبنان أسير الضغوط الأمريكية والحصار… ليكون السير في هذا العرض بعد اتضاح حجم فوائده المالية والاقتصادية والاجتماعية، بداية تشجع لاحقاً على السير في قبول العروض الإيرانية والصينية..
اللواء ابراهيم، الذي تجده في الزمن الصعب، نجح في إعادة فتح المسار مع العراق، ويبقى المطلوب من الحكومة ان تستكمل ذلك بالعمل على طرح توقيع اتفاقيات مع الحكومة العراقية، تشمل كلّ مجالات التعاون الاقتصادي التي أبدى العراق استعداده لها، الأمر الذي إذا ما تحقق سريعاً يؤدي إلى تحقيق جملة من المنافع للبنان بأمسّ الحاجة لها الآن قبل الغد، وهذه المنافع تتجلى في الآتي:
أولاً، حصول لبنان على احتياجاته من النفط والفيول، مقابل أن يحصّل العراق ثمن ذلك منتجات لبنانية زراعية وصناعية ومنح تعليمية وخدمات صحية إلخ…
ثانيا، الحدّ من استنزاف ما تبقى من دولارات في مصرف لبنان، وتقليص فاتورة الاستيراد وتقليص الطلب على الدولار ووضع حدّ للضغط الحاصل على قيمة الليرة..
ثالثا، تصريف الإنتاج اللبناني الذي يعاني من صعوبة تصدير منتجاته… وهو ما ينعكس تنشيطاً للزراعة والصناعة، وتحسين الوضع الاقتصادي بزيادة معدلات النمو المتراجعة، وتوفير فرص العمل للعاطلين، واستطراداً تحسين الوضع المعيشي…
لكن المبادرة نحو العراق إنما هي خطوة أولى يجب أن تليها خطوة ثانية ضرورية، وهي الانفتاح والتواصل الرسمي مع الحكومة السورية لتوقيع اتفاق مماثل لتسهيل عبور المواد النفطية وإحياء أنبوب النفط العراقي الذي يصل لبنان عبر الأراضي العربية السورية.. وقد مهّد اللواء ابراهيم لهذه الخطورة ولم يتبقّ سوى مبادرة وزير الطاقة لزيارة دمشق كما زار بغداد، وتوقيع الاتفاق مع نظيره السوري.
انّ ما هو المطلوب الإقلاع عن التردّد في الإقدام على أيّ خطوة تحقق مصلحة لبنان دولة وشعبا.. ويكفي إضاعة للوقت، وهدراً للفرص المتاحة أمام لبنان لمعالجة الأزمات التي يعاني منها اللبنانيون.
أما آن الآوان للتوجه شرقاً انطلاقاً من سورية، وتنويع خيارات لبنان الاقتصادية أسوة بعلاقاته مع الغرب وبقية الدول؟
المصدر: البناء – حسن حردان
**