كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول: خطف الأضواء أمس إعلان فرنسا تنظيم مؤتمر دولي لمساعدة لبنان الأربعاء المقبل، وجاء بعد ساعات على رسالة بعثَ بها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الى رئيس الجمهورية ميشال عون لمناسبة عيد الاستقلال، وأكد فيها أنّ فرنسا تعمل لعقد هذا المؤتمر، داعياً الى “تشكيل حكومة من شخصيات مؤهلة، تكون موضع ثقة وقادرة على تطبيق الاصلاحات التي لا مفرّ منها”. فيما تتجه الانظار بعد ظهر اليوم الى قصر الاونيسكو حيث ينعقد مجلس النواب للبحث في رسالة رئيس الجمهورية إليه حول موضوع التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان، الذي أعلنت شركة “ألفاريز أند مارسال” انسحابها رسميّاً منه أمس لعدم حصولها على المعلومات المطلوبة من مصرف لبنان لإنجاز مهمتها.
لا جديد حكومياً على رغم أنّ الملف الأكثر أهمية وحيوية ويستدعي ان يشكّل أولوية الأولويات هو تأليف الحكومة، الذي من دونه سيواصل الوضع المالي والاقتصادي والمعيشي والاجتماعي تدهوره وتراجعه من السيئ إلى الأسوأ، ولكن من الواضح أنّ تَداخل الحسابات الخارجية مع الداخلية أدى إلى تعليق مساعي التأليف التي تجمّدت بكاملها تقريباً.
وفي هذا الوقت الضائع تقدمّ التدقيق الجنائي، الذي على رغم أهميته القصوى، يجب أن يكون ضمن رزمة إصلاحية تضعها الحكومة العتيدة لتتمكن على أساسها من الربط مع المجتمع الدولي تمهيداً لفتح باب المساعدات مجدداً الذي من دونه لن يتمكن لبنان من فرملة الأزمة أولاً، ومن ثم تجاوزها.
وإذا كان قطوع قانون الانتخاب قد مَرّ في سلام هذه المرة، واستعاد المناخ السياسي هدوءه المعتاد بتغليب لغة العقل والأولويات المالية على أي اعتبار آخر، إلّا انّ قطوع الأزمة المعيشية لا يبدو انه سيَحذو حذو قانون الانتخاب بسبب الخلاف حول التأليف، وعدم استعداد الرئيس المكلف سعد الحريري حتى اللحظة لأن يَخطو في اتجاه تقديم تشكيلته الحكومية وكأنه يتجنّب المواجهة مع رئيس الجمهورية من جهة، ويتجنّب تشكيلة حكومية لا تعبر في سلام سعودياً وأميركياً من جهة أخرى.
ومع تَبنّي البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي لوجهة نظر رئيس الجمهورية ميشال عون بدعوة الرئيس المكلف إلى تقديم تشكيلته، ومع تَصاعد ضغط الوضع المالي والاقتصادي، بات الحريري في وضع لا يُحسد عليه، فهل يوضِّح الأسباب التي تدفعه إلى الانتظار والتريّث؟ وهل ينتظر دخول الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن إلى البيت الأبيض من أجل أن يضمن وقف العقوبات أو تحييد حكومته عنها؟ وهل يراهن على مساعدة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لِما له من علاقة مع بايدن من أجل منحه فرصة التأليف وإطلاق ورشة الإصلاحات؟
والأكيد في كل هذا المشهد انّ التعقيد الحكومي ليس من طبيعة محلية فقط ترتبط بالحصص والأوزان والأحجام، إنما يتصل بقدرة الحكومة العتيدة على الحصول على ضوء أخضر أميركي وسعودي ليس في متناول اليد بَعد، ولا يبدو انّ الحريري سيُقدم على خطوة ناقصة قبل ان يضمن المظلة العربية والدولية الكفيلة بتقديم المساعدات التي في إمكانها وحدها إنقاذ حكومته وإنقاذ لبنان.
ولكن كيف سيتمكن لبنان من الصمود في هذه المرحلة قبل أن تظهر الاستعدادات الخارجية التي من المستبعد ان تتكشّف قبل نهاية كانون الثاني من العام المقبل؟ وهل من عمل ما في الكواليس السياسية؟ وهل يمكن ان يعتذر الرئيس المكلف الذي انهالت عليه التعقيدات من كل حدب وصوب؟
لا يبدو حتى اللحظة انّ الحريري في هذا الوارد، بل يعتبر انّ التعقيدات التي يواجهها سيواجهها هي نفسها أيّ رئيس مكلف غيره. وبالتالي، سينتظر اللحظة التي يتحقق فيها الاختراق الخارجي بما يتلاءَم مع متطلبات المرحلة داخليّاً، وفي هذا الوقت سيكون التركيز على الجلسة النيابية التي ستُتلى بها رسالة رئيس الجمهورية حول التدقيق الجنائي الذي شكّل بدوره مساحة خلافية، ومن غير المعروف بعد ما هي الخطوة التالية على هذا المستوى بعد انسحاب شركة “ألفاريز”. وما بين رسالة قاضي التحقيق العدلي في انفجار المرفأ فادي صوان، ورسالة عون الى المجلس النيابي، وما بينهما قانون الانتخاب، ينصَبّ كل التركيز في هذه المرحلة على مجلس النواب ودوره.
وعشيّة الجلسة النيابية، قالت أوساط مطلعة على اجواء قصر بعبدا لـ”الجمهورية” انّ ما يتمنّاه رئيس الجمهورية منها هو ان تتجاوب مع مضمون رسالته الى المجلس، معتبرة انّ ردة فعل بري على هذا المضمون “تشكل التزاماً بالدستور وشكل العلاقة القائمة بين رئاسة الجمهورية ومجلس النواب من خلال ما نَصّت عليه صلاحيات الرئيس في مثل هذه الحالات”. وتَمنّت هذه الاوساط “أن يتجاوَب المجلس النيابي مع مضمون الرسالة الرئاسية والتعاون مع السلطة التنفيذية لتأمين الظروف التي تسمح الانطلاق بالتدقيق الجنائي مع التشديد على النتائج المتوقعة منه على اكثر من مستوى، وهو أمر لم يعد يخضع للنقاش بعدما عبّرت القوى الحزبية والمراجع المعنية عن تجاوبها مع هذه الخطوة، وما هو مطلوب التزام مضمون هذه المواقف وترجمتها عملياً بالسرعة التي تقتضيها الظروف التي تعيشها البلاد”.
وكان بري قد ترأس أمس اجتماعاً لهيئة مكتب المجلس، خُصّص لمناقشة جدول اعمال جلسة المجلس والاجراءات التي يمكن اتخاذها في شأن ملف التدقيق الجنائي.
بين وزني و “ألفاريز”
من جهة ثانية، أعلنت شركة alvarez & marsal أمس رسمياً انسحابها من التدقيق الجنائي لمصرف لبنان المركزي، إذ لم تتلقّ المعلومات اللازمة لإتمام المهمة. وقالت الشركة: “نظراً لعدم توافر ما يكفي من المعلومات، لا تستطيع “ألفاريز آند مارسال” إتمام المراجعة وأخطرت وزارة المالية رسمياً بقرارها إنهاء الارتباط”.
لكنّ المفاجأة لم تكن في الاعلان الرسمي للانسحاب، إذ سبق للشركة أن أعلنت الأمر قبل ايام، بل في مضمون البيان الذي أعلنته والذي تتهِم فيه وزارة المال بأنها أبلغتها انّ المعلومات المطلوبة لن يتم تأمينها “في المستقبل القريب”.
وهذا الموقف استدعى رداً لوزير المال غازي وزني نَفى فيه هذا الاتهام، وأكد انّ التصريح الوحيد له في هذا الموضوع هو الذي أدلى به بعد اجتماع القصر الجمهوري. وكان واضحاً من حيث أنه “تم الاتفاق خلال الاجتماع على إجراء اللازم لتمديد المهلة المطلوبة لتسليم جميع المستندات لشركة Alvarez & Marsal، بحيث تصبح 3 أشهر بعدما كانت محددة في العقد الموقّع مع الشركة كي تنتهي في تاريخ أقصاه 3/11/2020، على أن يتم خلال الفترة أعلاه تسليم بعض المستندات التي حالت دون تسلّمها في ظل القوانين والأنظمة المرعية الإجراء”.
مؤتمر لدعم لبنان
في غضون ذلك، أكد مكتب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أمس عقد مؤتمر دولي لدعم لبنان الاربعاء المقبل الذي يُصادف 2 كانون الاول. وأفادت وكالة “رويترز” أنّ باريس تريد أن يضمّ هذا المؤتمر ممثلين سياسيين على أعلى مستوى ممكن، بهدف جمع المساعدات للبنان الذي يكافح للتعافي من عواقب الانفجار الذي هَز بيروت في 4 آب الماضي.
وتعليقاً على مضمون البيان الفرنسي، أكدت الدوائر المعنية في قصر بعبدا تبلّغها مضمونه بطريقة غير رسمية، وارتياحها وتقديرها لنجاح المساعي الفرنسية التي توّجَها تحديد هذا الموعد العاجل للمؤتمر. وكشفت، عبر “الجمهورية”، انّ اتصالات ستجري بدءاً من اليوم مع باريس لفهم المستوى الذي سيعقد على اساسه المؤتمر، وهل يمكن ان يكون على مستوى الرؤساء او أي مستوى آخر؟
رسالة ماكرون
وكان ماكرون قد أكد في رسالة بعث بها الى عون أمس، لمناسبة عيد الاستقلال اللبناني، أنّ فرنسا تعمل لعقد مؤتمر لدعم الشعب اللبناني. وقال: “انّ الأزمة المتعددة الجوانب التي يمر بها لبنان، تستدعي اتخاذ تدابير قوية”، داعياً إلى “الإسراع في تشكيل حكومة من شخصيات مؤهلة، تكون موضع ثقة وقادرة على تطبيق كافة هذه الإجراءات”. وأكد “وقوف فرنسا اليوم، كما في كل وقت، الى جانب لبنان والشعب اللبناني”، مشدداً على انّ “الحلول معروفة: وهي تَكمن في وجوب وضع خريطة الطريق التي التزمت بها كل الأطراف السياسية في 1 أيلول موضع التنفيذ”. وتوجّه ماكرون الى عون قائلاً: “انّ ما طالبَ به الشعب اللبناني منذ قرابة السنة في انتفاضته لا يزال ممكن التحقيق. وإنه، لمن واجبكم كرئيس للدولة، أن تستجيبوا له، وتدعوا بقوة كافة القوى السياسية لأن تضَع جانباً مصالحها الشخصية، والطائفية والفئوية من اجل تحقيق مصلحة لبنان العليا وحدها ومصلحة الشعب اللبناني”.
“الوفاء للمقاومة”
وفي المواقف، قالت كتلة “الوفاء للمقاومة”، بعد اجتماعها أمس، انها مع التزامها بقانون الانتخاب النافذ “تُبدي استعدادها التام لمناقشة مقترحاتٍ لتطوير قانون الانتخاب نحو الأفضل، وبما يعزّز صحّة التمثيل وفاعليّته”.
وأكدت “ضرورة إجراء التدقيق الجنائي، لأنها تعتبر أنّ رسالة رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون بهذا الخصوص إلى المجلس النيابي، ومُسارعة الرئيس نبيه بري إلى عقد جلسة نيابية عامّة لمناقشة هذه المسألة، خطوتان وفق الأصول الدستوريّة تأمل الكتلة ان تؤدّيا الى وضع التدقيق الجنائي موضع التنفيذ”. واعتبرت “أنّ التأخير في تشكيل الحكومة بات من شأنه أن يُلحق أضراراً جسيمة في البلاد على كل المستويات، ولذلك فإنها تدعو إلى ضرورة التحرّك السريع في هذا الاتجاه، وإلى الاستفادة من كل مبادرة تعاون لتذليل العُقد وتخطي العقبات”.
كورونا
وعلى صعيد جائحة كورونا، أعلنت وزارة الصحة العامّة، في تقريرها اليومي أمس، تسجيل 1859 إصابة جديدة (1846 محلية و13 وافدة)، ليصبح العدد الإجمالي للإصابات 122159. ولفتت إلى تسجيل 24 حالة وفاة جديدة، وبذلك يصبح العدد الإجمالي للوفيات 974.