كتبت صحيفة الجمهورية تقول: الثابت الوحيد في حركة الاتصالات المكثفة على خط التأليف، هو أنّ الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري عَكسا، من خلال لقاءاتهما المتتالية بعيداً عن الإعلام ومَسمعه وتكتّمهما حيال ما يجري فيها من مداولات والمناخ الايجابي الذي يَبثّانه ببيانات مُقتضبة عن القصر الجمهوري، رغبة مشتركة بتسريع ولادة الحكومة. والثابت الوحيد ايضاً هو حال الترقّب على كلّ المستويات الداخلية لولادة حكومة تسعى الى إعادة شيء من التوازن الداخلي المُختلّ على كل المستويات، إن في ملفّ مواجهة فيروس كورونا الذي بدأ عدد الاصابات فيه يحلّق الى مستويات قياسية، او في مواجهة الفوضى القائمة على معابر التهريب، او في سوق الدواء، او في سوق الدولار والتلاعب فيه صعوداً وهبوطاً، او عبر فَجَع التجار وفلتان الاسعار التي ظلّت، رغم هبوط الدولار لِما يزيد عن 2000 ليرة، من دون أيّ تَبَدّل، فيما السلطة او ما تبقّى منها مكتوفة الايدي عن القيام بأي إجراء مُلزِم للتجار بتخفيض اسعار المواد الغذائية والاستهلاكية، ورادع لهم لوَقف هذه السرقة الموصوفة لكل الناس. الباقي أمتار قليلة!
واذا كان ظاهر الأمور يَشي بما يُقال في المحيط القريب من الرئيسين من انهما قطعا مسافة مهمّة في إنضاج الطبخة الحكوميّة، ولم تبق أمامها سوى بضعة امتار فاصلة عن موعد ولادة الحكومة الموعودة، فإنّ ذلك لم يبدّد حالة الحذر السائدة على المستويين السياسي والشعبي، ممّا تخبئه الامتار المتبقية من مفاجآت سلبية كانت او ايجابية.
فما يعزّز حالة الحذر هذه، هو “الايجابيات” التي يجري ضَخّها على طول المشهد الحكومي، والتي لم تخرج حتى الآن من كونها “إيجابيات اعلامية” لم تظهر لها ترجمة فعليّة تحدّد ماهيّة “التفاهم” و”التقدم” اللذين تكتفي البيانات الرئاسية بالاشارة إليهما من دون توضيح او تفصيل او تفسير أو تحديد لحجم التفاهم والتقدم، وحول اي نقطة من نقاط البحث بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف.
وإذا كان هناك من الطاقم السياسي مَن يعتبر انّ الرئيسين عون والحريري، وبالطريقة “المكتومة” التي يتّبعانها في تأليف الحكومة، يُقاربان ملف التأليف بـ”جدية العازم على إنجازه بالحد الأعلى من التفاهم حوله، وبالتالي من الطبيعي ان يتطلّب ذلك بعض الوقت لبلوغه، علماً أنهما مايزالان في “منطقة السماح”، ولم يتجاوزا هامش الوقت المُتاح لهما لإنجاز هذه المهمة”، إلّا أنّ ذلك لا يتفق مع الاستعجال الضارب على المستوى الشعبي لرؤية الحكومة الجديدة، وقد ولّدت بالفعل، خصوصاً أنّ الايجابيات المَحكي عنها تَتصادَم مع تسريبات من هنا وهناك، عن سلبيات مازالت مستحكمة في أكثر من نقطة وأكثر من مكان على طاولة الطبخة الحكومية بين عون والحريري.
لا شيء ملموساً
اللافت للانتباه وسط هذه الاجواء، هو ما يشيعه المحيط القريب من رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف بـ “أنّ مسار التأليف يسير بشكل طبيعي وسَلس، وأننا مازلنا في “أسبوع الحسم”، والامور تقترب أكثر فأكثر من خواتيمها، فلقاء الثلاثاء بينهما كان لقاءً حاسماً تَمحوَر فيه البحث حول تثبيت حجم الحكومة (مع ترجيح “الحكومة العشرينية”)، والحصّة الرئاسية، والمداورة في الوزارات باستثناء وزارة المالية، وتوزيع الحقائب، ويبقى فقط إسقاط الاسماء على هذه الحقائب”.
واستكمل لقاء الثلاثاء بلقاء رابع بين الرئيسين عون والحريري مساء امس الاربعاء، حيث اكتفت رئاسة الجمهورية بالاعلان عن “انّ رئيس الجمهورية استقبل الرئيس الحريري مساء امس، واستكمَل معه درس الملف الحكومي في اجواء من التقدم والتأنّي”. لكنّ المراقبين توقفوا عند كلمة “التأني”، التي وردت لأول مرة منذ اللقاءات المتتالية، والتي قرأت فيها مصادر سياسية انها لا تؤشّر الى ولادة وشيكة، مُبدية خشيتها من انها تؤشّر الى وجود تعقيدات تحتاج الى مزيد من الجهود لحلحلتها.
وبالإضافة الى ما قيل رسمياً، وبشكل مقتضب وغير مسبوق، انّ اللقاء كان بهدف “درس الملف الحكومي في أجواء من التقدّم والتأنّي”، قالت مصادر موثوقة لـ “الجمهورية” ان “اللقاء، الذي استمر ساعة تقريباً، تركّز حول الإتصالات التي قطعت شوطاً بعيداً ومتقدماً باتجاه عملية التأليف، من دون ان تستبعد ان تستكمل اللقاءات الماراتونية إنهاء معظم التحفظات في غضون ايام قليلة قد لا تتجاوز عطلة نهاية الأسبوع”.
أجواء مناقضة
على أنّ الأجواء الايجابية التي جرى ضخّها على مسار التأليف، أوحَت وكأنّ طبخة الحكومة صارت شبه ناضجة، وأنّ إعلان ولادتها قد يسبق نهاية الاسبوع الجاري، إلّا انّ هذه الاجواء تقابلها أجواء مناقضة للمناخ الايجابي. وفي هذا السياق يؤكد معنيّون بملف التأليف لـ”الجمهورية” أن “لا شيء ملموساً حتى الآن، وطريق التأليف، وإن كانت قد حسمت فيه بعض الأمور، فإنه ما زال محفوفاً بالعقبات:
أولاً، حتى الآن مازال البحث متأرجحاً بين حكومة الـ18 وزيراً والحكومة العشرينية. وبالتالي، فإنّ حجم الحكومة لم يحسم نهائياً بعد. (الجدير ذكره هنا هو انّ اعتماد حكومة من 18 وزيراً، والتي يشدّ في اتجاهها الرئيس المكلف، معناه انه سيكون للدروز وزير واحد، سيذهب حتماً لمصلحة جنبلاط ما يعني انّ طلال ارسلان سيكون خارج الحكومة ولن يكون له تمثيل فيها).
ثانياً، ما يمكن اعتباره محسوماً حتى الآن، هو تسمية الوزراء (بالتوافق والتفاهم، على أسماء غير حزبية وغير استفزازية لأحد في الداخل او الخارج)، حيث لم يعد هناك إصرار على أن يتولى التسمية طرف بعينه، على غرار ما تم طرحه خلال تأليف حكومة مصطفى اديب.
كما انه لم يحسم بعد حجم حصص الاطراف، وخصوصاً حصة رئيس الجمهورية وحصة رئيس الحكومة. وكذلك حجم تمثيل تيار المردة الذي يطالب بوزيرين، في مقابل تَحفّظ رئاسي على هذا الطلب.
ثالثاً، توزيع الحقائب على الطوائف لم يحسم بعد، خصوصاً لناحية الحقائب التي تعتبر أساسية.
رابعا، موضوع المدوارة لم يحسم بدوره، خصوصاً انّ رئيس الجمهورية مازال يصرّ على أن تكون المداورة شاملة كلّ الوزارات بما فيها وزارة المالية.
خامساً، موضوع الثلث المعطّل لم يحسم ايضاً، خصوصاً انّ الرئيس المكلّف يعارض هذا الامر، حتى لا تكون حكومته خاضعة في أي وقت للتلويح امامها بهذا السيف.
خريطة
وكشف هؤلاء المعنيون بالملف الحكومي، ما سمّوها “مسودة مقترحة” لخريطة تمثيلية لحكومة من 20 وزيراً، جرى تداولها بشكل غير رسمي، وتتضمن التوزيعة التالية:
10 وزراء من المسلمين:
السنة (4 وزراء): الحريري، 2 يسمّيهما تيار المستقبل، ووزير تسمّيه كتلة الرئيس نجيب ميقاتي.
الشيعة (4): 2 يسمّيهما الرئيس نبيه بري، و2 يسمّيهما “حزب الله”.
الدروز (2): وزير يسمّيه رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط، ووزير يسمّيه النائب طلال ارسلان.
10 وزراء من المسيحيين:
الموارنة (4): وزير يسميه الرئيس ميشال عون، ووزير يسميه رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، ووزير يسميه الحريري، ووزير يسميه التيار الوطني الحر.
الروم الارثوذكس (3): وزير يسميه رئيس الجمهورية على أن يكون نائباً لرئيس مجلس الوزراء، وزير يسميه الحريري، ووزير يسميه فرنجية.
الكاثوليك (2): وزير يسميه رئيس الجمهورية، ووزير يسميه “التيار الوطني الحر”.
الارمن (1): يسميه حزب الطاشناق.
وبناء على هذه التوزيعة يصبح تمثيل الاطراف كما يلي:
– رئيس الجمهورية: 3 وزراء
– “التيار الوطني الحر”: 2
– الطاشناق: 1
– الحزب الديموقراطي اللبناني: 1
– رئيس الحكومة: 3
– تيار المستقبل: 2
– ميقاتي: 1
الثنائي الشيعي: 4
المردة: 2
– الحزب التقدمي الاشتراكي: 1
ويتبيّن من هذه التوزيعة ما يلي:
– حصة رئيس الجمهورية مع التيار الوطني الحر وطلال ارسلان تبلغ (6 وزراء)، وإن انضَمّ إليها وزير الطاشناق تصبح 7 يشكّلون الثلث المعطّل.
– حصة رئيس الحكومة مع تيار المستقبل 5، يضاف اليهم وزير العزم فتصبح 6.
– حصّة الثنائي الشيعي 4.
– حصة فرنجية 2.
حصة جنبلاط 1.
– الحقائب
ويتزامن ذلك مع تداول في اوساط سياسية معنية بملف التأليف، حول توزيعة غير مكتملة وغير رسمية وغير نهائية للحقائب الوزارية تفيد بالآتي:
– حصة رئيس الجمهورية: الدفاع، الداخلية، العدل،
– حصة التيار الوطني الحر: الاتصالات والاقتصاد.
– حصة الحريري: الخارجية، الطاقة، السياحة، الاشغال، والمهجرين.
– حصة الثنائي الشيعي: المالية، الصحة، العمل والشؤون الاجتماعية
– حصة فرنجية: الصناعة والشباب والرياضة
– حصة جنبلاط: التربية
– حصة ارسلان: الزراعة والثقافة
حصة الارمن: البيئة والتنمية الادارية
تكتّم
في هذا الوقت، سرت في الساعات الماضية معلومات غير رسمية تفيد بأن ولادة الحكومة الجديدة قد تتزامن مع بداية الثلث الثالث من ولاية رئيس الجمهورية في 31 تشرين الأول الجاري، الّا انّ مصادر قريبة من القصر الجمهوري رفضت تأكيد هذه المعلومات او نفيها، مشيرة الى أن “ولادة الحكومة ليست مرتبطة بأي استحقاق”.
ورداً على سؤال عن نقاط الخلاف التي ما زالت موجوده، تجنبت المصادر الدخول في اي تفصيل، بل اكتفت بالتأكيد على الاجواء الايجابية والتقدم التي تعكسها بيانات المكتب الاعلامي لرئاسة الجمهورية.
إتصالات بكل الاتجاهات
في هذا الوقت، رفضت مصادر قريبة من الرئيس الحريري الغوص في تفاصيل ما يجري بحثه بين الرئيسين عون والحريري، مكتفية بالاشارة الى انّ الجهود تبذل بشكل مكثف، واللقاء بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف طبيعي في أي وقت، اضافة الى انّ الرئيس الحريري يقوم بإجراء اتصالات ومشاورات في اتجاهات سياسية مختلفة، وما يمكن قوله في هذا السياق هو انّ الحكومة على نار حامية، والأجواء مشجّعة، وكلّ الأمور تجري بوتيرة سريعة إنّما من دون أيّ تسرّع”.