تشهد المنطقة العربية في الشرق الأوسط الكثير من الأطماع الخارجية، ويتجلى من بينها حالياً مشروع توسعي واضح المعالم؛ وهو ما بات يعرف ب «المشروع الأردوغاني» الذي يتبناه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ويروج لإعادة «الخلافة العثمانية» بالتحالف مع جماعة الأخوان المسلمين” ويسعى من خلاله لتقديم نفسه كوصي على شؤون المسلمين في العالم العربي والإسلامي، ومحاولته اختراق المجتمعات العربية بإثارة النعرة القومية والعرقية لدى المواطنين من أصول تركية، وتأليبهم على أوطانهم لخلق المزيد من الفتن والقلاقل داخل الوطن العربي، كما يقوم هذا المشروع التخريبي في المتاجرة بقضية احتلال فلسطين كوسيلة لجذب تعاطف الشارع العربي
هذا المشروع، له جذور تاريخية في الصراع على المنطقة العربية منذ عدة قرون، وهو يقوم على إثارة الفتن الطائفية التي كانت ذريعة للسلطنة العثمانية للتسلط على العالم العربي، والتوسع وبسط النفوذ في مدن ومناطق متعددة من أوروبا الشرقية وصولا الى المشرق العربي، واحتلال دوله واحدة تلو الأخرى كجزء من أطماع اقتصادية صرفة. أمام هذه الحقائق التاريخية، يتجلى بوضوح أن عودة المشروع العثماني للتدخل في شؤون دول المنطقة ما هو إلا امتداد للتجارب التاريخية السابقة، ويحاكي الأطماع ذاتها، للسيطرة على المنطقة العربية من منطلقات أديولوجية متطرفة
ان استخدام الجماعات المسلحة والتحالف مع جماعة “الأخوان المسلمين” ، تعد من ضمن الأدوات البارزة التي يوظفها هذا “المشروع الأردوغاني” الخبيث لاختراق عدد من المجتمعات العربية والسيطرة بالقوة على ما يحظى به العالم العربي من أهمية اقتصادية واستراتيجية كبيرة على الصعيد العالمي، حيث يمتلك قرابة 60% من الاحتياطي العالمي من النفط، وتتجاوز مساحته الجغرافية 10% من مساحة العالم، ويطل على المحيطين الأطلسي والهندي وعدة بحار ومضائق مائية بالغة الأهمية، ويضم كتلة سكانية هائلة تتجاوز 360 مليون نسمة؛ بما يعادل 5% من سكان العالم تجتمع فيها الكثير من القواسم المشتركة من حيث اللغة والعقيدة والعرق، ولهذه الأسباب تعد هذه المنطقة مسرحاً للمشروعات والمحاور والأحلاف الإقليمية والدولية المختلفة، التي سعت وتسعى إلى التحكم في تفاعلاتها والاستفادة من إمكاناتها، ومحاولة رسم خريطة التوازنات السياسية فيها بما يحقق مصالح أطرافها.
العثمانيون الجدد.. ما أشبه الأمس باليوم
التدخلات التركية في شؤون الدول العربية مسألة قديمة ومتجددة ، مع اختلاف الأدوات والاستراتيجيات، ففي القرن الـ16 الميلادي دخل الغزاة العثمانيون الوطن العربي بحجة مواجهة المد الصفوي الشيعي، وأفضى الأمر لبسط نفوذهم واستغلال العالم العربي لجباية الأموال على مدى أكثر من 3 قرون عرفت مجملاً بأنها حقبة «توقف الحضارة» والظلم والفساد والطغيان، وعقب أفول السلطنة العثمانية في نهايات القرن الـ19 وانهيارها بعد هزيمتها في الحرب العالمية الأولى، أعلن مصطفى كمال أتاتورك قيام الجمهورية التركية عام 1923 وتوجه ببلاده نحو الغرب بمرحلة علمانية ألغت الارتباط بالعالم الإسلامي، وظلت السياسة التركية على نهج أتاتورك مع الحكومات اللاحقة، ثم عاد التوجه التركي تجاه المشرق العربي منذ عام 2002 مع وصول حزب العدالة والتنمية للحكم، وتبنى رجب طيب أردوغان إحياء الأيديولوجية العثمانية ، متطلعاً إلى توسع نفوذه في العالم العربي مجددا.
وتجلى تدخل اردوغان في شؤون الدول العربية بشكل وقح مع اندلاع ما سمي «ثورات الربيع العربي»، وقام بدعم جماعة الإخوان والجماعات الارهابية المسلحة كأحد أبرز أذرعه في العالم العربي، ولجأ قبل ذلك إلى الترويج للتاريخ العثماني وإبرازه بصورة تغالط الحقائق والوقائع التاريخية، وتدخل أردوغان في الشأن المصري ودعم جماعة الإخوان المسلمين كجبهة معارضة للنظام بعد سقوطها السريع، وكذلك ساند «نظام الحمدين» في قطر ومساعيه في نشر الإرهاب والفوضى لأجل أخذ مكانة أكبر في مخطط الشرق الأوسط الجديد، وقام أردوغان خلال السنوات االماضية بنشر عدة قواعد عسكرية في العراق وسورية وقطر والصومال وليبيا، وتدخل عسكرياً في سورية تحت مظلة عملية «نبع السلام» بحجة بناء جدار أمني عازل يفصلها عن أماكن التوتر، إلا أن الأمر سرعان ما تحول إلى بسط نفوذ تركيا على عدة مواقع في الشمال السوري، وهي عملية شبيهة بالاحتلال التركي لأجزاء من قبرص، حين أرسلت تركيا قوات إلى شمال قبرص عام 1975 بحجة حماية القبارصة الأتراك، ولا تزال هذه القوات موجودة في قبرص حتى يومنا هذا، وهي عملية احتلال ولم تحظ باعتراف دولي، وعلى ذات المنوال تواصل تركيا تدخلاتها الارهابية السافرة في شؤون الدول العربية، بإرسال المليشيات المسلحة إلى ليبيا ودعم جماعة الإخوان الإرهابية، وتقوم باستخدام موروثها الثقافي والتاريخي لنشر نفوذها في الدول التي كانت ضمن حدود سيطرة الإمبراطورية العثمانية في العالم العربي، أو ما بات يسمى «العثمانية الجديدة».
إن “المشروع الأردوغاني” الذي تقوده أنقرة انما يستهدف الوجود العربي في منطقته ، والاستيلاء على ثرواته، وإضعاف قوته، وهو يهدف لإحياء الإمبراطورية العثمانية، وذلك من خلال الاعتماد على مبادئ الفكر الإخواني وقواعد المدرسة الإخوانية بهدف التمدد في دول المنطقة العربية واختلاق المشاكل في شرق المتوسط أملًا في الهيمنة على تلك المنطقة كما كان عليه الحال قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى، لذلك يسعى أردوغان لإيجاد موطئ قدم في ليبيا وسورية والعراق ومصر وفي كل مناطق نفوذ السلطنة العثمانية البائدة.
وإزاء الاطماع التركية في ثروات المنطقة العربية، مع تنامي دور جماعة الإخوان المسلمين وانتقال التنظيم الدولي للإخوان من مصر إلى تركيا، ، وكذلك تنامي دور الجماعات الارهابية المسلحة المدعومة من أنقرة في المنطقة، فإن المطلوب من الدول العربية الفاعلة إعادة ترتيب الأوراق في ضوء هذه التحديات وإيجاد تكامل حقيقي على المستوى العربي،لإيقاف الغزوة التركية للمنطقة، ويكون ذلك بتوحيد السياسة الخارجية والتكامل العسكري والأمني، وإيجاد صيغة جديدة للعمل العربي المشترك، بدلا من الترهل الحالي الذي أصاب النظام العربي المشترك، مع ضرورة إعادة النظر في التحالفات الإقليمية والدولية بما يضمن استقرار المنطقة وصيانتها والحفاظ على مقدراتها وثرواتها.
المصدر:سامي حماد – المرصد أونلاين
**