نهج الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سلوك “أخونة” السياسة الخارجية، وقد عمل على التمدد العسكري والتخريبي فى منطقة الشرق الأوسط، وشرق المتوسط والساحل والعمق الافريقي حيث تعكس خريطة الجرائم العدوانية التركية فى مناطق الصراعات والأزمات مثل سوريا والعراق وليبيا، وتهديده دول عربية مثل السعودية ومصر والامارات وتونس وصولا الى التوتر الذي بات يقترب من الحدود الأوروبية فى شرق المتوسط، مع قبرص ثم اليونان ومؤخرًا دعمه العدوان الأذري على ارمينيا ، إضافة إلى مواقف أنقرة من ملفات مقلقة لأوروبا، تحوّل تركيا إلى قاعدة عالمية للإرهاب يستطيع معها أردوغان تقويض استقرار الدولة التي يريدها، هذا الإرهاب المدرّب في تركيا والمجرّب في سورية، أصبح حقيقةً قاطعةً يخشاها المجتمع الدولي ويعمل على الحد من مخاطرها.
وفي هذا السياق؛ يمكن القول إنه بعد قرن تقريبًا من سقوط السلطنة العثمانية، تعيد السياسات الأردوغانية هواجس دول الاتحاد الأوروبي والبلدان العربية فى الشرق الأوسط تجاه الميراث العثماني الاستعماري، أو ما بات يعرف في بعض الأدبيات السياسية بـ “العثمانية الجديدة “، التي تتلخص في التدخل بالشؤون العربية وانتهاج سياسة تخريبية وتدميرية في المنطقة العربية بما يتوافق مع طموحات اردوغان واحلامه العدوانية التي تشكل تهديدا مباشرا للأمن الاقليمي الأوروبي.
وفي هذا الإطار ، لابد من إدراك طبيعة السمات الشخصية والمكون النفسي لدى أردوغان لفهم دوافع وأسباب تدخلاته الخارجية في أغلب الملفات ، إذ لا يمكن فصل تحركات اردوغان في عدد من الساحات العربية وتشابكها في مختلف الملفات عن البعد الأيديولوجي والروابط الفكرية المتطرفة التي يلتقي فيها مع جماعة “الأخوان المسلمين”، لاستعادة امجاد الإمبراطورية العثمانية وبصفة أساسية في الدول العربية التي كانت جزءًا من الدولة العثمانية، ومحاولاته المتكررة تسويق هذا الخطاب وتوظيفه في الداخل لكسب تعاطف وتأييد التيارات المحافظة، إلا أن اتباع هذا النهج التخريبي عبر استخدام القوة العسكرية وتجنيد الجماعات الارهابية المسلحة في الخارج رتب الكثير من التوترات مع عدد من القوى الدولية والإقليمية.
أن متابعة ما يجري من ممارسات هذا “المنافق الأخواني” سواء داخل المتوسط أو الدول العربية المتشاطئة يكشف بوضوح محاولة توظيف الموروث العثماني والجغرافي والسياسي لتركيا لاعادة إحياء الدور الاستعماري والتتخريبي الذي بات يمثل الإطار الحاكم والهدف الاستراتيجي للسياسة الأردوغانية بصفة عامة، وربما ما صرح به إردوغان في بداية الحرب على سوريا (أيلول/سبتمبر 2011) بالقول “سنصلي في مسجد الأمويين” هو بداية هذا النفاق الفج، لقد ظن وقتها انه الفاتح الجديد لبلاد الشام!! وأنه الخليفة المرتقب للعالم الاسلامي تحت غطاء الربيع الأخواني الدموي قبل أن ينطلق في تصريحات متتالية هي اشبه ما تكون بأصوات التائهين بين أمواج من الدم ، أحيانا يزعم انه يحارب الارهاب وهو يأوي الجماعات الارهابية المسلحة ويحميهم ويمدهم بالسلاح، بل وهو كاذب حين يدعو الى “الإسلام الديمقراطي” فيما يرسل سفنا محملة بالسلاح الى سوريا و ليبيا .
إن حاكم تركيا مسكون اليوم حتماً برؤى شيطانية يستعمل فيها أدوات تتجاوز القانون الدولي والأعراف الدولية وقد انصهر بهذه الاستراتيجية في استراتيجية التنظيم الدولي للإخوان المسلمين ليغلف مشروعه العثماني بمشروع استعماري جديد معتمدا بذلك على عصابته من جماعة الإخوان المنافقين ومليشيات مؤدلجة أو مستأجرة، مرتزقة لتهديد الدول والشعوب العربية في سبيل البحث عن مجد زائف بشكل يؤدي الى خلق توترات إقليمية ودولية قد بدأت ترتب ضغوطًا على السياسة التركية ومناكفاتها خاصة في شرق المتوسط وهيأت مناخًا مواتيًا لتحالفات مضادة من المرجح أن تؤدي إلى محاصرة الجرائم العدوانية الاردوغانية وتضبط الطموحات والممارسات التركية خلال الفترة المقبلة.
في النتيجة سيذهب اسم ” رجب طيب أردوغان” وصِفةُ “الأردوغانية” في التاريخ السياسي المعاصر كمرادف لكلمة “منافق سياسي” أو “الكذبة السياسية الكبيرة” وانكشاف هذه الكذبة على حقيقتها كعقدة مرضية عثمانية موروثة تغذيها دكتاتورية فردية مستندة إلى حزب ذي أفكار أصولية – اخوانية في نظام يدير أكبر عملية قمع شاملة، اعتقالا وتهجيرا، لعشرات الألوف من النخب الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية لا مثيل لها في التاريخ التركي المعاصر،عشرات ألوف من الضباط والصحافيين والقضاة والأكاديميّين والاقتصاديين والإداريين. كما تخوض حربا قومية تدميرية ضد مناطق الأكراد رغم وقوف الكثير من وجوه النخب التركية، ولا سيما الثقافية، ضد هذه الحرب وتجريمها.
ولكن أردوغان في حساباته وعلى طريقة الطغاة الذين طواهم التاريخ قبله، يُغفل أن دول المنطقة العربية لن تقبل أبداً بالخضوع لمنطق السيف والقوة، تماماً كما رفضت ذلك في مناسبات عدة سابقة، وحافظت فيها على سيادتها وحرية شعوبها، ، في الوقت الذي انهارت فيه السلطنة العثمانية الفاسدة التي تورطت مثل سليلها الاردوغاني اليوم في جرائم ضد الحضارة والبشرية والإنسانية بشكل عام.
**