صحيح انّ اللبناني اعتاد التقنين والعتمة الشاملة أحياناً، واعتاد أيضاً دفع فاتورتين للكهرباء، الّا انّ هذا ليس كل شيء، فالأزمة قد تتجِه الى مزيد من التصعيد بدءاً من نهاية العام، إلّا اذا…
مثل كل ملفات الفساد في لبنان، لقي ملف الفيول المغشوش الخاتمة المعروفة سلفاً: لا متهم، لا مدان ولا مسؤول، والنتيجة الوحيدة التي أنتجتها هذه الفضيحة ما أبلغته شركة سوناطراك الجزائرية لوزارة الطاقة عن عدم رغبتها بتجديد العقد مع الدولة اللبنانية منذ مطلع حزيران الماضي، على ان تتابع الشركة تزويد مؤسسة كهرباء لبنان بالفيول الذي تحتاجه للإنتاج حتى نهاية العام 2020.
اليوم، وبعد مرور حوالى 4 اشهر على تبلّغ لبنان بهذا القرار، يسود جَوّان متناقضان ما ينتظرنا كهربائيّاً. الجو الأول سوداوي وقاتم ويؤكد العودة الى الشمعة، خصوصاً بعد رفع مصرف لبنان الدعم عن المحروقات، حيث لن تكون المولّدات الخاصة متوافرة بشكل دائم لأنه سيكون أمامها تحديان: الاول، تأمين الدولارات لشراء المازوت. والثاني، الفواتير الضخمة التي سيكون من الصعب على كل المواطنين تسديدها. أمّا الجَوّ الثاني فمتفائل وإيجابي، بتأكيد قدرة وزارة الطاقة على شراء الفيول والمحروقات spot cargo من البحر من موازنتها الخاصة لتأمين استدامة التغذية.
وبين السيناريوهين ما على المواطن سوى الانتظار لكي تنجلي الحقيقة التي هي على مسافة شهرين ليس أكثر.
في السياق، اوضحت مصادر في وزارة الطاقة انه بعد إبلاغ شركة سوناطراك وزير الطاقة ريمون غجر بأنها لم تعد ترغب في تزويد لبنان بالفيول، أقرّ مجلس الوزراء في إحدى جلساته بأن يُصار الى استدراج عروض لشراء الفيول لزوم كهرباء لبنان بعد اطلاع ادارة المناقصات على دفتر الشروط. وللغاية، أرسلت الوزارة مسودة الى مدير عام ادارة المناقصات جان العلية الذي أبدى بعض الملاحظات عليها، ومن المتوقع ان يعود الدفتر الى ادارة المناقصات هذا الاسبوع بالتزام تام من الوزارة بملاحظاته. كذلك، فإنّ وزارة الطاقة في انتظار ان يتم إعلامها بالمبلغ المخصّص للكهرباء في موازنة 2021 على ان يتم على أساسها تحديد كمية الفيول التي سيتم شراؤها هذا العام. وفي انتظار صدور ارقام الموازنة، عمدت الوزارة الى تحديد مبلغ 500 مليون دولار لشراء الفيول في هذه المناقصة، وهي نصف الكمية التي تم تخصيصها للكهرباء العام الماضي، لأنه في جميع الاحوال سيتم تخصيص مبلغ نصف مليار دولار للكهرباء.
أضافت المصادر: نحن نعمل في ظل وضع اقتصادي صعب وفي غياب حكومة، الّا انّ المناقصة لن تتأخر وكذلك إيجاد البديل عن سوناطراك، لافتة الى انّ وزارة الطاقة كانت تعمل على شراء المحروقات (مازوت وبنزين) من خلال spot cargo، أي مناقصات سريعة على بواخر موجودة في البحر، بحيث تمهل الوزارة البواخر اسبوعاً لإعطائها الاسعار والشراء. واوضحت انّ الوزارة تَتّكِل كثيراً على نجاح المناقصة لتأمين شراء الفيول لأنه من الصعب شراءه من بواخر في البحر كما هو حال المازوت، خصوصاً انّ معامل الكهرباء في لبنان قديمة جداً وليس سهلاً إيجاد نوعية الفيول المطلوبة (فيول A) لمعملي الذوق والجية. امّا بالنسبة الى البواخر التركية، فهي تحتاج الى (فيولB) حيث تأمينه اسهل، علماً أنّ معملي دير عمار والزهراني يُشَغّلان على المازوت.
وعن مدى تفاؤل الوزارة بتجاوب الدول او الشركات مع المناقصة في ظل الأزمة المالية التي يعانيها لبنان، أشارت المصادر: كانت لدينا هذه المخاوف قبَيل شراء المازوت للمرة الاولى على طريقة spot cargo أمّا الان فلا، إذ بعدما شاركت 4 شركات في اول مناقصة وصل العدد في آخر مناقصة الى 8، وهذا رقم مُطمئِن. نحن نحصل على اسعار رخيصة وجيدة، ومصرف لبنان يلبّي مطلب وزارة الطاقة ولم يتخلّف يوماً عن فتح اعتماد. أمّا عن سبل توفير المحروقات بعد رفع مصرف لبنان الدعم عنها، فقالت المصادر: نحن اليوم نستفيد من الدعم الذي يقدمه مصرف لبنان والذي يغطّي 90 % من كلفة المحروقات، لكن بعد رفع الدعم نحن من سيشتريها من الاموال المخصصة للوزارة على ان نحصّلها من السوق لاحقاً.
جَو نقيض
في المقابل، أكدت مصادر أخرى لـ«الجمهورية» انّ أزمة الكهرباء ستستفحل في الاسابيع المقبلة، لا سيما بعد رفع الدعم لصعوبة تأمين الدولارات، مشكّكة في انّ الوقت لا يزال يسمح بإعداد دفتر شروط وإبرام عقد جديد مع دولة اخرى، لا سيما انّ الأزمة المالية التي نمر بها وصعوبة تأمين الدولارات لدفع هكذا مستحقات ليسا عاملين مُشجّعين لأي دولة لتتعاون مع لبنان.
ولفتت الى انه من الصعب جداً شراء الفيول من البحر، لأنه خليط من مجموعة مكونات يتم جَمعها من عدة دول قبل ان تصبح مطابقة للمواصفات المطلوبة لمعاملنا القديمة، على عكس المازوت. لذا، من الصعب إيجاد بواخر محمّلة بالفيول تنتظر من يشتريها في عرض البحر.
المصدر: ايفا ابي حيدر – الجمهورية
**