كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول: فرصة تكليف رئيس للحكومة الجديدة منعدمة حتى الآن، فالشخصية التي ستحظى بمنصب “الرئيس المكلّف” ما زالت مجهولة، أو بمعنى أدق، ضائعة في المتاهة التي دخلت فيها القوى السياسية على اختلافها، بعدما ألقى السفير مصطفى أديب حِمل تكليفه الثقيل، وأرجعه، مع الشكر، إلى من سمّوه في 31 آب الماضي، وقفل عائداً الى سفارته في المانيا، ناجياً بنفسه من الحريق السياسي الذي تواصل القوى السياسية نفسها، إشعاله في البلد.
الأكيد في هذا الجو المكهرب سياسياً، أنّ فرصة التكليف، وكذلك التأليف ستبقى معدمة، إلّا اذا توفّر في الآتي من الأيام شرط اساس، وهو اعادة تطبيع العلاقات بين القوى السياسية الرابضة خلف متاريسها، والكامنة لبعضها البعض على كل المفارق والطرقات، وليس بينها مساحة مشتركة ولو بحدود ضيّقة جداً. ودلّت التجربة معها أنّها إن اتفقت، فعلى البلد وليس من اجله. واستمرار هذا الوضع معناه هدراً اضافياً من عمر البلد، ومزيداً من رفع معاناة اللبنانيين إلى الحدود التي لن يعود لديهم طاقة، او قدرة على تحمّلها.
على انّ تحقيق هذا الشرط، هو أقرب الى المستحيل في ظلّ الجو القائم، والمنعدمة فيه قوّة الدفع المحليّة الموثوقة والمقبولة والقادرة في آن معاً، نحو تطبيع العلاقات بين مجموعة قوى لا تثق ببعضها البعض، بل والحال هذه، فإنّ التطبيع بين اللبنانيين بات يتطلّب “معجزة”، فيما زمن المعجزات قد ولّى وانتهى.
يؤشّر ذلك، الى أنّ المسافة الزمنيّة الفاصلة عن تكليف رئيس للحكومة طويلة، وبلا سقف، مع ما يمكن ان يتراكم تحت هذا السقف من مصائب إضافية تنهال على رؤوس اللبنانيين، وفي شتى المجالات. وتلك المصائب هي النتيجة الموضوعية والطبيعية للغة الكمائن والمكائد المتبادلة بين القوى المتناحرة على ضفّتي التكليف والتأليف، وللشراكة الفاضحة بينها في وضع العصيّ في “دواليب” حكومة حُدِّدت لها مسبقاً مهمّة انقاذية، لبلد يمرّ في أصعب لحظات احتضاره. واجمعت تحذيرات الصديق والشقيق والمجتمع الدولي بأسره، على انّه يوشك أن يسقط في الانهيار المريع، ويُمحى نهائياً من على خريطة العالم.
المبادرة في اليد
المناخ الشعبي العام يقارب المبادرة الفرنسية على انّها ماتت واصبحت في حكم المنتهية، ولو لم يصدر حيالها بيان نعي صريح من اصحابها، ولكنها على المستوى السياسي مازال فيها بعض النبض. فهذه المبادرة، وعلى الرغم من الإرتجاج العنيف الذي ضربها في الايام القليلة الماضية، وما رافق هذا الارتجاج من هجوم لاذع للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون على من وصفهم “المعطّلين” و”رافضي الوصول الى تسوية”، ومن ردّ عنيف عليه من قِبل ثنائي حركة “أمل” و”حزب الله”، فإنّها، وبإجماع طرفي الاشتباك الكلامي القاسي الفرنسي- اللبناني، ما زالت مطروحة امام اللبنانيين، كفرصة وحيدة متاحة امامهم لبلوغ الانقاذ الموعود للبنان.
وعلى الرغم من هذه الصورة التي تظهر من خلال مواقف القوى الداخلية، فإنّ الجميع متعلِّقون بحبال المبادرة الفرنسية، الّا أنّ على سطح المشهد الداخلي وما فيه من تعقيدات، سؤال يحتاج الى جواب سريع: على أيّ صورة ستظهر مبادرة ماكرون بعد الإرتجاج الذي ضربها؟.
القراءات الداخلية لحال المبادرة، ربطاً بالكلام العالي النبرة في الأيام الأخيرة، تصرّ على أنّ هذه المبادرة، وإن كانت لا تزال على قيد الحياة، الّا انّها تُجمع في الوقت نفسه، على أنّ قوة الدفع بها الى الأمام هي في يد الفرنسيين، وبلا قوة الدفع هذه ستبقى جامدة مكانها بلا حراك بما يشبه حالة الموت السريري.
وعلى ما يقول مرجع سياسي لـ “الجمهورية”، فإنّ “كل الاطراف، ومن دون استثناء، قد أعادوا تأكيد التزامهم بالمبادرة، والحرص على انجاحها، وفي مقدمهم اولئك الذين ركّز الرئيس الفرنسي هجومه عليهم. وتبعاً لذلك، فإنّ الكرة الآن في يد صاحب المبادرة، اي الرئيس ماكرون، ليحدّد طريق انجاحها بالشكل الذي يبدّد الالتباسات، ويجمع بين اللبنانيين، ولا يفرّقهم على ما جرى مع التجربة الفاشلة لتأليف الحكومة، والتي انتهت باعتذار الرئيس المكلّف مصطفى أديب.
الاستشارات
وفي انتظار وضوح الصورة التي صارت عليها المبادرة الفرنسية بعد ارتجاجها، يبقى موعد الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية الرئيس العتيد لـ”حكومة المبادرة” معلقاً إلى أجل غير مسمّى. وكما هو واضح في أجواء القوى الداخلية؛ من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وحتى آخر مسؤول أو طرف معني بالملف الحكومي، أن ليس في الأفق الداخلي المسدود حكومياً، ما يؤشّر الى إمكان بلوغ تفاهم سياسي على شخصية معيّنة لتشكيل الحكومة. ما يعني انّ ملف التأليف يقع حالياً في المنطقة الميّتة سياسياً، لم تُسجّل فيها حتى الآن، اي حركة تواصل رسمية في اتجاه التكليف، ما خلا بعض المشاورات الجانبية الاوليّة بين بعض قوى الاكثرية، في انتظار ما ستسفر عنه المشاورات السياسية التي سيجريها رئيس الجمهورية، ويسعى من خلالها الى استمزاج رأي “القوى الكبرى”، وتحديداً “أمل” و”حزب الله”، وتكتل “لبنان القوي”، ومن غير المستبعد شمول “القوات اللبنانية” بهذه المشاورات، لعلّها تفضي الى خرق ايجابي، قبل مبادرته الى الدعوة إلى الاستشارات النيابية الملزمة.
على انّه في موازاة الحديث عن انّ الحكومة قد رُحّلت الى ما بعد الانتخابات الرئاسية الاميركية، استناداً الى مهلة الاسابيع الستة التي منحها ماكرون للقادة اللبنانيين لتشكيل حكومة وفقاً لمبادرته، يكثر الحديث في بعض المستويات السياسية والرسمية، ومن باب التوقعات لا أكثر، عن امكانية حصول خرق في الملف الحكومي، بعد توقيع اتفاق الاطار حول ترسيم الحدود البحرية بين لبنان و”اسرائيل” برعاية “اليونيفيل” ومشاركة الولايات المتحدة الاميركية بعد ايام قليلة، حيث بات مؤكّداً انّ واشنطن ستوفد مساعد وزير الخارجية الاميركية المعني بملف الترسيم دايفيد شينكر الى بيروت في غضون أيام قليلة. ومعلوم في هذا الاطار، انّه بعد توقيع اتفاق اطار مفاوضات الترسيم البحري، تنتهي مهمة رئيس مجلس النواب نبيه بري عند هذا الحد، ويُحال الملف لاستكماله الى الحكومة والجيش اللبناني المعني مباشرة بعملية الترسيم.
خيار الحريري
وبحسب معلومات “الجمهورية” من مصادر معنية بالملف الحكومي، فإنّ اعلان الرئيس سعد الحريري بأنّه ليس مرشحاً لرئاسة الحكومة، وانّه لن يسمّي أحداً لهذا المنصب، صعّب سلفاً، امكانية العثور على شخصيّة سنيّة مقبولة من كل الاطراف، وتحظى بالدرجة الأولى بغطاء سياسي سنّي، وكذلك على مستوى الطائفة السنّية.
وعلى رغم بيان الحريري، وإعلانه عدم الترشح، فإنّ معنيين بالمبادرة الفرنسية يعتبرون بأنّ هذه المبادرة طالما هي مطروحة، فإنّ خيار الحريري هو المتقدّم فيها على اي اسم آخر، وهي بالتالي مفتوحة على اعادة انتشال اسم الحريري من بيان عدم الترشّح الذي اعلنه، وهذا بالتأكيد رهن بالحركة الفرنسية المنتظرة على هذا الصعيد.
وبحسب معلومات “الجمهورية”، فإنّ ثمة حديثاً بدأ يتصاعد عن توجّه لدى بعض قوى الأكثرية لإعادة فتح باب الحوار مع الرئيس الحريري، لمحاولة تليين موقفه وثنيه عن الاستمرار في قرار عدم الترشيح، بالتوازي مع كلام مماثل داخل بعض الصالونات السياسية المعنية بالملف الحكومي، يقارب بجدّية ما يُحكى عن محاولة لإنضاج اسم الحريري عبر قنوات التواصل والتشاور على الخط الفرنسي – الاميركي – السعودي.
الّا أنّ أوساط الرئيس الحريري، أكّدت لـ”الجمهورية”، أن لا شيء تبدّل بالنسبة الى موقفه، ونحن لسنا معنيّين بكلّ السيناريوهات والطروحات والفرضيات التي تطلق من هنا وهناك حول طرح اسم الرئيس الحريري لرئاسة الحكومة.
بدائل .. ميقاتي؟
في هذا الوقت، وخلافاً لما جرت عليه العادة في استحقاق التكليف، فإنّ أيّ “فدائي” سنّي، لم يتجرّأ حتى الآن على طرح اسمه في العلن، وتسجيله في نادي المرشحين لرئاسة الحكومة. وذلك ربطاً بالضبابية التي تحجب هذا المسار، وخشية من ان يتعرّض للحرق، فيما ذهبت بعض المقاربات الى التداول بإسم الرئيس نجيب ميقاتي ربطاً بإطلالاته التلفزيونية المتتالية في الأيام الأخيرة، وتقديمه مبادرة (ليس مؤكّداً حتى الآن ان كانت منسّقة او غير منسّقة مع رؤساء الحكومات السابقين) لتشكيل حكومة عشرينيّة تكنوسياسية (14 اختصاصيين و6 سياسيين)، علماً انّ طرح الحكومة التكنوسياسية يلبّي من جهة طلب جهات وازنة في الاكثرية (التيار الوطني الحر، وحركة “أمل” و”حزب الله”)، إلاّ انّه يناقض من جهة ثانية، توجّه الرئيس الحريري نحو حكومة اختصاصيين لا سياسيين، والتي نادى بها بعد استقالته في تشرين الاول 2019، وكان يسعى الى تمريرها مع رؤساء الحكومات السابقين، في مرحلة تكليف مصطفى اديب.
وفي غياب اي إشارة من ميقاتي حول ما اذا كان ترشحه لرئاسة الحكومة جدّياً، فإنّ المداولات السياسية الجارية في الصالونات توحي وكأنّ القوى السياسية قد أخذت علماً بإسم ميقاتي وطرحه، لكنّها ترصد في الوقت نفسه موقف الرئيس الحريري حيال هذا الأمر. فإن وافق الحريري على هذه المبادرة، تتعزز حظوظ ميقاتي في أن يكون متصدّراً نادي المرشحين لرئاسة الحكومة، وهذا ما ستحدده الايام القليلة المقبلة.
رئيس واحد وليس خمسة!
وقال مرجع سياسي في الاكثرية النيابية لـ”الجمهورية”: “إنّ فرصة تأليف حكومة انقاذية كانت سانحة مع الرئيس المكلّف مصطفى أديب، لكنها فشلت وانتهت بالشكل الذي انتهت فيه. ونحن الآن في مرحلة بناء التوافق على بديل، وهذا بطبيعة الحال، ليس بالأمر السهل، وخصوصاً بعدما أعلن الرئيس الحريري أنّه ليس مرشحاً. مع أنّنا لا نعتبر هذا الاعلان نهائيا حتى الآن”.
ورداً على سؤال عن احتمال تعويم حكومة تصريف الاعمال، فيما لو تعذر الوصول الى شخصية توافقية، قال المرجع: “هذا الأمر ليس مطروحاً على الاطلاق، فضلاً عن أنّه لا يستقيم لا مع الدستور ولا مع القانون، بالإضافة الى انّ ظروف البلد لا تحتمل حكومة مثل حكومة حسان دياب التي كانت مؤيّدة من طرف واحد”.
على انّ المرجع عينه يشدّد على مسألة يعتبرها مفتاح اي تكليف او تأليف، وهي “ان نكون قد استفدنا من تجربة التأليف السابقة التي انتهت الى الفشل” وتبعاً لذلك قال: “انّ الهدف الاساس الذي ينبغي أن نجتمع عليه في هذه المرحلة، هو أن نتفق جميعا على بديل لأديب، اي بديل واحد فقط، وليس أن تتكرّر معنا تجربة التكليف السابق، حيث سمّينا رئيساً مكلفاً واحداً في الاستشارات الملزمة هو السفير مصطفى أديب، فإذا بنا نُفاجأ بعد ذلك، بأنّنا أمام خمسة رؤساء مكلّفين؛ اديب ومعه رؤساء الحكومات السابقون سعد الحريري ونجيب ميقاتي وتمام سلام وفؤاد السنيورة. فصرنا امام مجموعة طباخين للحكومة، ارادوا انضاج طبختها بحسب مذاقهم وبطريقة أحادية لا شراكة فيها، وبشروط كانت نتيجتها أن “شاطت” الطبخة الحكومية، لينتهي بذلك تكليف الرئيس المكلّف الاصيل الى الفشل”.
ولفت المرجع نفسه الانتباه الى “اننا مع التوافق السريع على الشخصية المقبولة لتشكيل الحكومة، ولن نحيد عن هذا المبدأ، بل سنسعى الى هذا التوافق الى ما شاء الله”، وقال: “ان الاكثرية النيابية بكلّ توجهاتها، لن تذهب الى تشكيل حكومة من طرف واحد، وبمعنى شديد الوضوح، لن نذهب الى حكومة صدامية مع أحد، وتحديداً مع الطائفة السنّية، بل الى حكومة بتوافق كل المكونات عليها، هذا هو قرارنا قبل المبادرة الفرنسية وبعدها”.
الجلسة
من جهة ثانية، طيّر النصاب الجولة المسائية من الجلسة التشريعية التي عُقدت في قصر الاونيسكو أمس، وحدّد رئيس المجلس النيابي نبيه بري موعداً لجلسة جديدة في 20 تشرين الاول الجاري.
وفقدان النصاب مردّه الى الخلاف على اقتراح قانون العفو، وقال بري: “إن اقتراح العفو يمكن تعديله وإعادة البحث فيه”، لكنه أعرب عن “خشيته” من ان نصل الى 900 حالة كورونا في السجون “من دون أن نكون قادرين على معالجة المصابين”.
من جهته، قال النائب علي حسن خليل، إنّ “برّي ارتأى أنّ تأجيل الجلسة قد يكون مخرجاً لكي يتسنّى لنا النقاش قبل الجلسة المقبلة بشأن اقتراح العفو العام”، مشيراً إلى أنّ “الكتل لم تكن منسجمة مع نفسها في مقاربة الموضوع”.
ولفت إلى أنّ “قانون العفو العام مستثنى منه الجرائم المرتكبة بحق الجيش والإرهاب الداخلي والخارجي”، مضيفاً: “كنّا مستعدّين للتعاطي مع النقاش بطريقة إيجابيّة، وما من قانون مثالي. ولكن يجب أن يراعي الأوضاع التي تواجهنا على الأرض لا سيّما موضوع كورونا”.
وتابع: “نحن أمام فضيحة قانونيّة لها علاقة بمئات الموقوفين التي تتأخّر محاكمتهم لأسباب غير موضوعيّة”.
وكانت الجولة النهارية قد انطلقت في الحادية عشرة قبل ظهر امس في حضور 65 نائباً، واقرّ مشروع القانون المتعلق بالاثراء غير المشروع. واعرب بري عن استعداده لعقد جلسة لتعديل الدستور لرفع الحصانات عن الجميع، “فطالما هناك طائفية وطوائف لا يمكن ان يحصل تقدّم في لبنان. لقد سبق وأُوقف وزراء “وانا يلي سلمتن وما حدا يزايد”.
كذلك صادق المجلس على مجموعة اتفاقيات، الى جانب اقتراح القانون الرامي الى تعديل احكام المادة 47 من قانون اصول المحاكمات الجزائية لجهة تكريس حق الموقوف بالاستعانة بمحام اثناء التحقيقات الاولية، حيث اعتبر بري انه من اهم البنود الموجودة في الجدول.
وردّ مجلس النواب اقتراح القانون الرامي الى اعتماد التدريب الرقمي عن بُعد في التعليم الجامعي الى لجنة التربية. كما تمّ اقرار قانون الدولار الطالبي بمادة وحيدة: 10 آلاف دولار في السنة على سعر 1515.
قائد الجيش
من جهة ثانية، أكّد قائد الجيش العماد جوزاف عون، “أنّ الإرهاب لا يعترف بطائفة ولا دين، ومشروعه الأساس هو القتل”. وقال خلال تفقده امس، قيادة الكتيبة 23 في عرمان – المنية، التي حاول احد الارهابيين تفجير نفسه فيها، وتعزيته عائلات الجنود الشهداء: “إنّ دم أبنائكم أحبط مخططات كانت تُعدّ لوطننا، لكننا لن نسمح للمشروع الإرهابي بالتسلل إلى الداخل اللبناني مهما كلّفنا ذلك من تضحيات”.
وتابع: “إنّ شهداءنا أنقذوا لبنان من عمليات خطرة وحموا جميع مناطقه دون استثناء، وستبقى بيوت عكار تزخر بالشباب الذين لن يبخلوا بتقديم دمائهم والتضحية في سبيل لبنان، وما قدّمته هذه المنطقة يليق بتاريخها المشرّف بدءاً من معركة الضنية وصولاً إلى يومنا هذا”.