كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول: بلغت الاتصالات في شأن التأليف الحكومي ذروتها أمس، وبدا “الدّق حشر” بين جميع المعنيين به، مع الاعلان عن زيارة الرئيس المكلّف مصطفى أديب لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون قبل ظهر اليوم، وسط معلومات متضاربة عن انّه سيحمل في جعبته تشكيلة وزارية من 14 وزيراً من عدمه، في ظلّ اعلان رئيس مجلس النواب نبيه بري “من عندياتنا” عدم المشاركة في الحكومة، وكذلك ابداء رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل الموقف نفسه، ليتلقّى الاخير مساء أمس، اتصالين هاتفيين من كل من الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون والرئيس المكلّف، من دون ان يرشح اي شيء عن مضمونهما.
وقد بدا للمراقبين، أنّ جو التأليف ما زال يراوح بين التفاؤل والتشاؤم، نتيجة عقدة وزارة المال، واصرار الرئيس المكلّف على التشكيلة المصغّرة، واختيار اسمائها بنفسه، متشاوراً فيها فقط مع من رشحوه للموقع الثالث في هرم السلطة، من دون الوقوف عند رأي الكتل النيابية والسياسية التي ايّدته في الاستشارات الملزمة، مستقوياً بالمبادرة الفرنسية.
وقد أكّد مكتب ماكرون أمس، أنّ الرئيس الفرنسي، الذي بدا وكأنّه يمارس دور كاسحة الالغام التي تعوق الولادة الحكومية، “يضغط على الساسة اللبنانيين للوفاء بوعودهم بتشكيل حكومة جديدة هذا الأسبوع، والعمل على انتشال البلاد من أسوأ أزمة تشهدها”. وقال الإليزيه: “الرئيس ماكرون يواصل اتصالاته مع مختلف اللاعبين السياسيين في لبنان”.
وقالت مصادر مطلعة لـ “الجمهورية”، انّ أديب “إذا عرض تشكيلة الأمر الواقع على رئيس الجمهورية اليوم، كما هو متوقع، مستنداً الى زخم المبادرة الفرنسية وسيف مهلة الـ15 يوماً، فإنّ عون سيكون أمام الخيارات الآتية: رفض التشكيلة والطلب من الرئيس المكلّف إعادة البحث فيها حتى تنال موافقة الكتل الاساسية، التمهّل بعض الوقت قبل البتّ بها، او الموافقة عليها، وبالتالي تسديد الكرة الى ملعب مجلس النواب.
واضافت المصادر: “اذا اعتمد عون السيناريو الاخير وتدحرجت الكرة الى المجلس، فإنّ “الثنائي الشيعي” سيكون بدوره أمام الاحتمالات الآتية: الانسحاب من جلسة الثقة، وبالتالي الدفع نحو إلغائها نتيجة النقص في ميثاقيتها، حضور الجلسة مع حجب الثقة عن الحكومة وترك اللعبة السياسية تأخذ مجراها، أو حضور الجلسة النيابية ومنح الثقة”.
وهناك من يلفت الى انّ “الثنائي” قد يتجّه، اذا جرت محاولة احراجه، نحو اتباع الخيار الذي يجمع بين الاعتراض على طريقة تشكيل الحكومة وبين عدم تحمّل مسؤولية نسف المبادرة الفرنسية، خصوصاً انّ بري اعطى إشارة لافتة في بيان مكتبه الاعلامي امس، عندما أوضح انّه تمّ ابلاغ رئيس الحكومة المكلّف، من “عندياتنا” ومن تلقائنا، عدم رغبتنا بالمشاركة في الحكومة، “وابلغناه استعدادنا للتعاون الى اقصى الحدود في كل ما يلزم لإستقرار لبنان وماليته والقيام بالاصلاحات وانقاذ اقتصاده”.
الى ذلك، يستغرب قريبون من الثنائي الشيعي، كيف أنّ الرئيس سعد الحريري الذي يُسجّل له اعتماده خيارات مسؤولة في المرحلة السابقة لمنع اي نزاع سنّي – شيعي، يجازف حالياً باحتمال اعادة تأجيج الجمر المذهبي، وبتوتير العلاقة مع احد اكثر الحرصاء عليه وهو الرئيس نبيه بري، فقط من أجل العبث بـ”ستاتيكو” وزارة المال في توقيت غير مناسب بتاتاً.
وأشدّ ما يزعج “الثنائي” ويقلقه، استقواء البعض بالمبادرة الفرنسية ومِهَلها، لمحاولة فرض أعراف غير مألوفة في التأليف، من نوع وضع “فيتوات” على حقائب معينة، واحتكار تسمية الوزراء من دون التشاور مع احد، والمبالغة المفرطة في التحسس حيال وجود طيف حزبي في الحكومة.
وتبعاً لمقاربة “الثنائي” فإنّ الآلية التوافقية التي تمّ اتباعها لتسمية الرئيس المكلّف يجب أن تُعتمَد في تشكيل الحكومة، مع تأكيد حق الرئيس المكلّف مصطفى أديب في تحديد معايير او ضوابط مقبولة لاختيار الوزراء.
لكن الثنائي يعتبر ان ليس من حق أديب بتاتاً ان يفرض على الآخرين الأسماء من دون التفاهم معهم، “لانّ الوزراء هم بحكم النظام اللبناني ودستوره ممثلون لطوائفهم، وبالتالي من غير الجائز عند التأليف تجاهل رأي القوى الاساسية في تلك الطوائف والغاء نتائج الانتخابات النيابية، خصوصاً انّ ولادة الحكومة تحتاج في نهاية المطاف إلى ثقة الأكثرية النيابية”.
ليس محسوماً
لكن مصادر واسعة الاطلاع قالت لـ”الجمهورية”، انّه ليس محسوماً انّ الرئيس المكلّف سيحمل الى عون اليوم صيغة اولية للتشكيلة الحكومية، نتيجة للمشاورات التي اجراها مع اطراف داخلية، بقيت مجهولة، في ظلّ عدم وجود اي معلومات تشير الى نوعية اتصالاته التي يحوطها بسرّية مطلقة.
فلولا زيارة الحريري لبري السبت الماضي، والتي قيل انّها مساهمة منه في تذليل بعض العِقد من امام الرئيس المكلّف ومنها حقيبة وزارة المال، والسعي الى مخرج لمرحلة البت بتوزيع الحقائب على الطوائف والمذاهب، في ضوء اصرار بري على ابقاء وزارة المال من حصّة الطائفة الشيعية.
واضافت المصادر، انّ فشل الحريري في احداث اي خرق لجهة تجاوز عقدة وزارة المال، استدعى على ما يبدو مبادرة ماكرون الى الاتصال ببري السبت، من اجل تذليل هذه العقدة، التي قيل انّها الأخيرة لجهة الحسم في هوية من سيتولاها، بالإضافة الى إجراء اعادة نظر شاملة في توزيعة الحقائب.
وقالت مصادر قريبة من قصر بعبدا لـ “الجمهورية”، انّ عون ينتظر أديب ليطلّع منه على حصيلة اتصالاته، وما اذا كانت لديه اي صيغة نهائية لتوزيعة الحقائب والأسماء ليقول كلمته في الحالتين. ولفتت الى انّ لدى رئيس الجمهورية كثيراً من الملاحظات التي سبق له ان وضع الرئيس المكلّف في اجوائها، خلال الاجتماعين السابقين بينهما في 3 و8 ايلول الجاري، وهي تتصل بمختلف جوانب التشكيلة في شكلها وتوزيعة الحقائب، واذا حمل اديب أسماء فسيكون للرئيس رأي فيها ايضاً.
الى ذلك، وغداة لقائه بالحريري واتصال ماكرون به، اصدر بري عبر مكتبه الاعلامي امس البيان الآتي: “المشكلة ليست مع الفرنسيين، المشكلة داخلية ومن الداخل. أطلق عنوان واحد للحكومة الاختصاص مقابل عدم الولاء الحزبي وعدم الانتماء النيابي و”فيتوات” على وزارات والاستقواء بالخارج وعدم إطلاق مشاورات. لذا أبلغنا الى رئيس الحكومة المكلّف من عندياتنا ومن تلقائنا، عدم رغبتنا بالمشاركة على هذه الاسس في الحكومة، وأبلغناه استعدادنا للتعاون الى أقصى الحدود في كل ما يلزم لإستقرار لبنان وماليته والقيام بالاصلاحات وإنقاذ اقتصاده”.
في غضون ذلك، وصل الى باريس امس رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، في زيارة قالت مصادرالحزب لـ”الجمهورية”، انّها “خاصة وشخصية ولا صفة رسمية لها، حيث سيمضي اياماً في العاصمة الفرنسية، وما لم يطرأ اي جديد ليس هناك اي موعد مسبق له مع اي مسؤول فرنسي يرتبط بالمبادرة الفرنسية او غيرها”.
دوكان في بيروت
وفي الوقت الذي تردّدت فيه معلومات عن وصول السفير بيار دوكان، المكلّف متابعة تنفيذ مقررات مؤتمر “سيدر” والملف الاقتصادي والمالي الى بيروت نهاية الأسبوع الجاري، كشفت مصادر مطلعة لـ”الجمهورية”، انّ فريقاً مالياً وإقتصادياً واكب ماكرون في زيارته الثانية للبنان، التقى عدداً من الخبراء الإقتصاديين اللبنانيين وممثلين عن وزارة المال ومصرف لبنان، للبحث في موضوع توحيد ارقام الخسائر الخاصة بالقطاع المصرفي، وهي خدمة فرنسية تسهّل التقدّم المتوقع في المفاوضات التي ستُستأنف مع صندوق النقد الدولي فور تشكيل الحكومة الجديدة.
خطر على المبادرة
والى ذلك، قال النائب جبران باسيل، في مؤتمر صحافي أمس، أنّ “هناك جهات خارجية تريد إحباط المبادرة الفرنسية، لأنّ لديها أجندة سياسية تتركّز على زرع الفوضى أو التوسّع في المنطقة. مشيراً الى أنّ “هناك خطراً على المبادرة الفرنسية ممّن يرفضونها بحجة السيادة، أو ممن يريدون الاستقواء وفرض حكومة ومشروع على كل اللبنانيين بإسم فرنسا، هم يريدون أن يكسروا الدستور والتوازنات وأن يتذاكوا ويقوموا بنكايات، ويحققوا مصالح صغيرة بحجّة إنجاح المبادرة الفرنسية، أمّا نحن فلا يعنينا كل هذا، لأننا نعتبر أنّ المبادرة هي وليدة حاجة لبنان وتحقق إنقاذه واستقراره، خصوصاً أنها لَبّت مطالب اللبنانيين بالإصلاح”.
ورأى انّ “الأولوية الآن هي لحكومة مهمة، وأن تكون الحكومة منتجة وفاعلة وإصلاحية، برئيسها ووزرائها وبرنامجها. نحن ليست لدينا رغبة في المشاركة في الحكومة”. وسأل: “لماذا الإصرار على إسناد أكثر من حقيبة للوزير، في الوقت التي هي وصفة فشل للوزير وحمل كبير وليست رشاقة، إذ بالكاد يستطيع ان يلبّي عمل وزارة، فكيف سيلبّي عمل اثنتين”؟
وفي اشارة غير مباشرة الى اعتراضه على تمسّك الثنائي الشيعي بحقيبة وزارة المال، قال باسيل: “نحن مع المداورة، ولكن لو حصلت طائفة على وزارة مرات عدة، بما فيها هذه المرة، فإنّ ذلك لا يخلق عرفاً دائماً، فالعرف يكون بقبول الجميع، والدستور واضح بعدم تكريس وزارة لطائفة، اما إذا كان الهدف تكريس التوقيع الثالث فهذه مثالثة ونحن نرفضها حتماً. لن أفتح جدلاً في الموضوع. نحن نسير بما سيتمّ الاتفاق عليه من دون ان نعترف بتكريس عرف”.
حكومة انقاذية
وفي المواقف الدولية، دعا المفوض الأوروبي لإدارة الأزمات يانيز لينارتشيتش، بعد زيارته الرئيس المكلّف مساء السبت إلى الإسراع في تشكيل حكومة “ذات صدقية تتمتع بثقة اللبنانيين ومصممة على قيادة البلاد في الاتجاه الصحيح”. وقال إنّ “المرحلة المقبلة ستكون لإعادة الإعمار التي يجب أن تسير جنباً إلى جنب مع الإصلاحات، لأنّ المجتمع الدولي ليس على استعداد لدعم الممارسات التي أدّت إلى الانهيار المالي والأزمة الاقتصادية”.
ورأى، “أنّ على الطبقة السياسية أن تستجيب لمطالب الناس، وهذا أيضاً ما يتوقعه المجتمع الدولي”، مضيفاً: “أتحدث عن الحوكمة وليس فقط عن الإصلاحات الاقتصادية. يجب أن يكون هناك تغيير في الطريقة التي يُدار بها” هذا البلد. ونبّه إلى أنّ “السرعة مهمة ولا وقت لدى لبنان لإضاعته” آملاً أن “تنجح الحكومة المقبلة في كسب ثقة الشعب اللبناني، بوصفها المكسب الأكثر أهمية”.
وشدّد على “ضرورة التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، وربما يكون ذلك إحدى الأولويات المبكّرة للحكومة المقبلة”. وقال إنّ الاتحاد الأوروبي يدعم التوصل الى الاتفاق، لأنّ من شأنه أن يفتح الباب أمام “موارد أساسية يحتاجها لبنان بشدة لإنعاش اقتصاده”. وقال: “حزب الله هو واقع في لبنان، ونود أن نرى الطبقة السياسية اللبنانية بأكملها متحدة وراء هذه المهمة الهائلة”، معرباً عن اعتقاده أنّ “حزب الله” “يجب أن يلعب دوره في هذا الجهد” أيضاً.
كورونا
وفي ما خصّ التطورات “الكورونية”، أعلنت وزارة الصحة أمس، تسجيل 641 إصابة جديدة، ليرتفع عدد الإصابات في البلاد إلى 24310 إصابة. أمّا بالنسبة للوفيات، فسُجّلت حالتا وفاة جديدة ليصبح عدد الوفيات التراكمي 241.
وفي السياق، أعلن الناطق الرسمي بإسم قوات “اليونيفيل” العاملة في الجنوب أندريا تيننتي، “إصابة 90 جندياً من هذه القوات بفيروس كورونا، 88 منهم من الوحدة نفسها واثنان من بلد آخر، وهم في عزلة تامة، وتمّ اتباع جميع الإجراءات الاحترازية لمنع انتشار الفيروس”. وتمّ نقل المصابين إلى منطقة محدّدة تابعة لليونيفيل مجهّزة لهذه الغاية.
في سجن رومية
أمنياً، عمد عدد من النزلاء في سجن رومية، مساء أمس إلى الضرب على أبواب الزنزانات لدقائق اعتراضاً على أوضاعهم، وما لبث الوضع أن عاد إلى طبيعته بعد تهدئتهم.
إستشهاد 3 عسكريين
وليلاً، نفّذ الجيش عملية دهم في محلة جبل البداوي، بحثاً عن مطلوبين مشتبه بتورطهم في جريمة بلدة كفتون – الكورة التي وقعت الشهر الماضي، وتخلل المداهمة اطلاق نار بين عناصر الجيش والمطلوبين، الذين ألقى احدهم قنبلة.
ولاحقا؛ اصدر الجيش بيانا أعلن فيه: “أثناء مداهمة دورية من مديرية المخابرات منزل أحد الإرهابيين المطلوبين في محلة جبل البداوي- المنية، تعرضت لإطلاق نار ورمانة يدوية ما أدى إلى استشهاد 3 عسكريين وإصابة عسكري آخر بجروح خطرة”.